شهدت صناعة السيارات الكهربائية (EVs) نمواً سريعاً خلال السنوات الأخيرة، ولكن بحلول عام 2023، بدأ هذا النمو يتباطأ في الأسواق العالمية، ومع ذلك، يبقى المستقبل مشرقاً لهذا القطاع بفضل توجهات السياسات الحكومية نحو تحقيق أهداف الاستدامة، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط التي بدأت تأخذ خطوات مهمة نحو تعزيز تبني المركبات الكهربائية.
المرحلة الحالية لتبني السيارات الكهربائية عالمياً
رغم التباطؤ في نمو مبيعات السيارات الكهربائية عام 2023 بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء والتضخم وتقليص الدعم الحكومي، يظل الانتعاش المتوقع في الأفق، وفقاً لتقرير صادر عن شركة رولاند بيرجر، الذي يغطي 32 سوقاً في أوروبا والأميركتين والشرق الأوسط وآسيا، تتجه الأسواق العالمية نحو تحسين البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، حيث أشار أكثر من 80% من المشاركين في استبيان لعام 2024 إلى أن الشحن العام أصبح أسهل مقارنة بالستة أشهر الماضية. ويبرز التقرير الدور المتزايد للشركات المصنعة الأصلية (OEMs) التي باتت تركز بشكل أكبر على توفير شبكات شحن تحمل علاماتها التجارية أو بالتعاون مع شركات أخرى.
الشرق الأوسط: البداية المتواضعة والطموحات الكبرى
بالمقارنة بالأسواق العالمية، لا تزال سوق السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط في مراحله الأولى، ومع ذلك، هناك طلب متزايد على السيارات الكهربائية النقية (BEVs) في المنطقة، ويُعزى ذلك إلى المبادرات الحكومية التي تسعى لتحقيق أهداف بيئية طموحة. على سبيل المثال، وضعت المملكة العربية السعودية خططاً لتحقيق نسبة 30% من السيارات الكهربائية في الرياض بحلول عام 2030، فيما تهدف الإمارات إلى تحقيق نسبة 30% من السيارات العامة و10% من جميع السيارات لتكون كهربائية أو هجينة بحلول العام نفسه.
وفي هذا السياق، قال أروند CJ، شريك في قسم السيارات في شركة رولاند بيرجر الشرق الأوسط، في مقابلة مع (CNN الاقتصادية) «نشهد زيادة ملحوظة في مبيعات السيارات الكهربائية في المنطقة، خاصة في الإمارات والسعودية، ولكن ما زلنا في المراحل الأولى. نعتقد أن نسبة تبني السيارات الكهربائية ستصل إلى ما بين 10% و20% بحلول نهاية العقد في العديد من دول المنطقة، مع احتمال وصولها إلى 30% في بعض الدول اعتماداً على الأهداف الوطنية».
فيما أكد أنطوان بارثيس، نائب رئيس شركة الفطيم للسيارات، أن الطلب على السيارات الكهربائية في المنطقة يتزايد بسرعة بفضل الوعي المتزايد لدى المستهلكين بقضايا البيئة والاستدامة. وأوضح أن هذا النمو لا يقتصر على الإمارات فقط، بل يشمل السعودية أيضاً، حيث تشهد كلا الدولتين طلباً كبيراً على السيارات الكهربائية، مشيراً إلى أن 80% من إجمالي الطلب في المنطقة يأتي من هاتين السوقين، ووفقاً لبارثيس، فإن السوق الإماراتية تتوقع أن تنمو بنسبة 28.5% سنوياً حتى عام 2030، ما يعكس التفاؤل حول مستقبل هذا القطاع.
لتلبية هذا الطلب المتزايد، تقدم الفطيم للسيارات مجموعة واسعة من السيارات الكهربائية من علامات تجارية معروفة مثل فولفو، BYD، بولستار، تويوتا/لكزس، وهوندا. وأشار بارثيس إلى أن الفطيم ملتزمة بجعل السيارات الكهربائية في متناول الجميع، وقال: «إننا نهدف إلى تغيير التصور بأن السيارات الكهربائية هي خيار نخبوي، نريد أن نجعل التنقل المستدام حقيقة للجميع، من خلال تقديم مجموعة من الطرازات التي تلبي مختلف الاحتياجات والأذواق». ومن بين هذه الطرازات، توفر الشركة سيارات كهربائية متنوعة مثل Volvo EX30 وXC40 Recharge وC40 Recharge.
الاستثمارات في البنية التحتية للسيارات الكهربائية
تعتبر البنية التحتية للشحن عنصراً حاسماً في تعزيز اعتماد السيارات الكهربائية. في السعودية، تستهدف مبادرة «SEVCIDI» الحكومية تركيب 50,000 محطة شحن عامة وخاصة بحلول عام 2025، بينما تسعى الإمارات لتحقيق الرقم نفسه بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، فإن شركات مثل هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) وشركات محلية أخرى مثل «اتحاد المياه والكهرباء» تلعب دوراً محورياً في بناء البنية التحتية اللازمة لدعم هذا التحول، وتُظهر البيانات الحديثة أن عدد السيارات الكهربائية في دبي زاد بشكل كبير من 15,100 سيارة بنهاية عام 2022 إلى 25,929 سيارة بنهاية عام 2023.
كما قال بارثيس إن تبلغ نسبة المركبات الكهربائية إلى كل نقطة شحن عامة في الإمارات حالياً 18.2 مركبة لكل محطة شحن، وهو ما يقارب المتوسط العالمي البالغ 15.9 مركبة. ومع ذلك، لا يزال هناك طريق طويل للوصول إلى الأسواق المتقدمة مثل الصين، حيث تبلغ النسبة 7.1 مركبة لكل نقطة شحن. ومع توقع وجود 1000 محطة شحن عامة في الإمارات بحلول عام 2025، فإن هذا الفجوة تتقلص بسرعة.
التحديات التي تواجه السوق الإقليمية
رغم التقدم الكبير، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه اعتماد السيارات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط. وفقًا لرؤية CJ، «التحدي الرئيسي يكمن في البنية التحتية للشحن، وخاصة في ما يتعلق بالتأثير السلبي لدرجات الحرارة العالية على مدى السيارات الكهربائية»، وفيما يتعلق بتلك التحديات، أشار إلى أن «هناك استثمارات كبيرة من القطاعين العام والخاص لمعالجة هذه القضايا، بما في ذلك تحسين تكنولوجيا البطاريات وتوسيع نطاق الشحن السريع».
واحدة من أكبر التحديات الأخرى هي الأسعار المرتفعة للسيارات الكهربائية مقارنة بالسيارات التقليدية، ومع ذلك، فإن دخول المزيد من الشركات المصنعة إلى السوق، خاصة الشركات الآسيوية، يسهم في خفض الأسعار تدريجياً، ووفقًا لتقرير PwC، فإن السياسات الحكومية مثل توفير مواقف مجانية، تسجيل مجاني، وتخفيض رسوم الشحن تسهم في جعل السيارات الكهربائية أكثر جاذبية للمستهلكين.
آفاق المستقبل: نمو قوي ومتسارع
تشير التوقعات إلى أن سوق السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط ستشهد نمواً قوياً في السنوات المقبلة، يُتوقع أن تصل نسبة اختراق المركبات الكهربائية والهجينة السوق إلى ما بين 30% و70% بحلول عام 2040، مدفوعة بالاستراتيجيات الوطنية والضغوط التنظيمية لتقليل انبعاثات الكربون. السعودية، على وجه الخصوص، من المتوقع أن تشهد طفرة هائلة في اعتماد السيارات الكهربائية، وخاصة في القطاعات التجارية مثل الحافلات والشاحنات الخفيفة.
كما أن الإمارات من المتوقع أن تلعب دوراً رئيسياً في دفع عجلة النمو في هذا القطاع، حيث تشهد المدن الكبرى مثل دبي وأبوظبي بالفعل تقدماً كبيراً في عدد السيارات الكهربائية والبنية التحتية الخاصة بها، يؤكد CJ أن «الإمارات والسعودية ستكونان المحركين الرئيسيين للنمو في سوق السيارات الكهربائية في المنطقة».