عاد الصاروخ «إتش 3» الياباني صباح الثلاثاء إلى الأرض، بعد 14 دقيقة من إقلاعه، عندما قررت وكالة الفضاء اليابانية «جاكسا» تدميره فور تعرّضه لمشكلة في المحرك.
هذه ليست المحاولة الأولى التي تفشل فيها اليابان في الوصول إلى الفضاء خلال الأشهر الأخيرة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى المحاولات التي تُكلّف الاقتصاد الياباني مبالغ طائلة، في ظل اشتداد السباق العالمي لاستكشاف الفضاء.
وبحسب تقديرات «المنتدى الاقتصادي العالمي»، فإن اليابان ليست سوى واحدة من 90 دولة تسعى لإرسال بعثات فضائية، أملاً في جني فوائد اقتصادية من هذا القطاع.
تتصدر الولايات المتحدة والصين قوائم الإنفاق الحكومي على برامج الفضاء بين 2020 و2022.
وارتفعت استثمارات الحكومات في الصناعات الفضائية من 42 مليار دولار عام 2014 إلى أكثر من 100 مليار عام 2022، تتصدرها الولايات المتحدة والصين.
واليابان ليست الأقل حظاً في الفضاء، فأوروبا أيضاً لا تزال عاجزة عن تحقيق اختراق مهم على صعيد جهود الاستكشاف، حيث فشل إطلاق الصاروخ «فيغا سي» الإيطالي الصنع في ديسمبر كانون الأول الماضي، ثم تلاه بعد شهر فشل إطلاق الصاروخ «لونشر ون» البريطاني.
أما في العالم العربي، فقد احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الحادية عشرة عالمياً في إرسال رواد إلى محطة الفضاء الدولية في مهام طويلة الأمد.
وأشارت الأرقام الأخيرة لوكالة الإمارات للفضاء إلى وصول إجمالي الاستثمارات الحكومية في المشاريع الفضائية إلى قرابة ستة مليارات دولار.
استثمارات خاصة
الطموحات الفضائية لا تقتصر على الحكومات فقط، خصوصاً بعد سطوع نجم شركة «سبيس إكس» التي أسّسها الملياردير الشهير إيلون ماسك عام 2002، والتي أطلقت صاروخها الأول عام 2008.
منذ ذلك الحين، تصاعدت المنافسة العالمية في التوجه إلى الفضاء واستثمرت أكثر من 10 آلاف شركة خاصة في مهام استكشاف فضائية، بعد أن أدركت العوائد المالية لهذه الصناعة.
وخلال عام 2022، وصلت استثمارات القطاع الخاص في صناعات الفضاء إلى أكثر من 8.9 مليار دولار، في حين ارتفع عدد صفقات الاستثمار في المشاريع التقنيّة الناشئة في هذا المجال بنسبة 50 في المئة، بحسب تقرير لشركة «Seraphim Space Investment Trust» المتخصصة في استثمارات الفضاء.
يأتي هذا التسارع في محاولات الوصول إلى الفضاء نظراً للانخفاض المستمر في تكلفة تطوير الصواريخ ومعدات الاستكشاف، في ضوء تطور قطاعات الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي وتصميم الروبوتات القادرة على السفر إلى مساحات من الفضاء يصعب على البشر الوصول إليها حتى الآن.
ففي عام 2011، وصلت تكلفة رحلة فضاء من تنظيم الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء «ناسا» إلى نحو 1.6 مليار دولار، وقد انخفض هذا الرقم إلى ما يقارب 62 مليون دولار فقط.
شهِد يوليو تموز 2021 تطوراً ملحوظاً في قدرة الشركات الخاصة على الوصول إلى الفضاء، بعضها بهدف تنظيم رحلات سياحية تصل تكلفة الواحدة منها إلى قرابة نصف مليون دولار، خاصةً بعد نجاح مغامرة رجل الأعمال ريتشارد برانسون ضمن الرحلة الأولى لشركته «فيرجن غالاكتك»، ثم تبعه جيف بيزوس في الرحلة الأولى لشركته «بلو أوريجن» بعد أيام قليلة فقط.
ومع نهاية عام 2022، تجاوزت قيمة «اقتصاد الفضاء»، وهو المصطلح الذي يشمل المنتجات والخدمات المتخصصة في هذا القطاع، 469 مليار دولار.
لكن، إلامَ تهدف هذه الاستثمارات؟
خلال سنوات السباق الأميركي الروسي على استكشاف الفضاء منذ منتصف القرن العشرين، نجحت الولايات المتحدة في تحقيق قفزات علمية في مجالات عدّة بفضل أبحاث استعانت فيها بمعلومات حصلت عليها من خلال مئات البعثات، حتى غير المأهولة منها.
ففي نهاية السنة المالية 2021، أعلنت «ناسا» استفادة الولايات الأميركية كافة من استكشافاتها العلمية على القمر والمريخ، ما رفد الاقتصاد الأميركي بإجمالي 71.2 مليار دولار، فضلاً عن أكثر من 330 ألف وظيفة محلية.
تركّز مجالات البحث على تطوير تقنيات الملاحة والخرائط، وأبحاث التغيّر المناخي، وهي مجالات تساعد الدول والحكومات على التعامل مع بعض الكوارث الطبيعية كالفيضانات وتفادي تكبد خسائر فادحة نتيجة لها.
ولبيانات الأقمار الصناعية دور كبير في دعم الشركات الزراعية والمختصين بالتصنيع الغذائي في تطوير منتجاتهم وتحسين جودتها على مدار العام، وبالتالي تحسين المبيعات.
شركات التكنولوجيا تحقق أرباحاً هائلة أيضاً نتيجة لتسارع الحصول على البيانات في السنوات الأخيرة، ما يمنحها فرصة لتطوير المزيد من المنتجات التي تساعد على خفض تكاليف بناء صواريخ وسفن الفضاء، إضافة إلى تحقيق نجاحات في قطاعات الأتمتة وتصنيع الروبوتات.