قبل سنوات، تحدّثت (بارك يون سك) إلى «CNN» بألم عن خسارة زوجها فجأةً بعد تعرّضه لأزمة قلبية في مكان عمله.
الوفاة ربطتها خدمة تعويضات العمال والرعاية الاجتماعية في كوريا الجنوبية حينها بالإجهاد الشديد في بلد اعتاد موظّفوه على العمل لساعات طويلة، ما أدّى إلى ظهور مصطلح «gwarosa»، وهو الوصف الكوري لظاهرة الموت المفاجئ بسبب ضغوط العمل، والتي أجبر تزايدها الحكومة على تخفيض عدد ساعات العمل الأسبوعية من 68 إلى 52 ساعة في عام 2018.
وعلى الرغم من هذا القرار، بقيت كوريا الجنوبية في صدارة دول العالم من حيث طول عدد ساعات العمل، فجاءت في المرتبة الخامسة بعد المكسيك وكوستاريكا وكولومبيا وتشيلي عام 2021، في حين أنها في صدارة القائمة آسيوياً.
يستعيد الكوريون مخاوفهم من «العمل حتى الموت» بعد اقتراح قدّمته الحكومة هذا الأسبوع بالعودة إلى نظام العمل القديم، وزيادة ساعات العمل الأسبوعية إلى 69 ساعة، في وقت تفكّر فيه حكومات دول أخرى بتقليل عدد أيام العمل الأسبوعية لتصبح أربعة أيام بدلاً من خمسة.
عكس التيار
تعترض الأجيال الجديدة من العاملين في كوريا الجنوبية على الاقتراح الحكومي الأخير، خصوصاً في ظل توجّه عالمي متزايد نحو تقليص ساعات العمل الأسبوعية، بعد ما أظهرته نتائج بعض التجارب من ارتفاع كبير في الإنتاجية نتيجة لتحسن صحة الموظفين النفسية والجسدية.
كانت أيسلندا أول دولة في العالم تقرر العمل لمدة لا تزيد على 36 ساعة أسبوعياً، ومنح موظفيها ثلاثة أيام إجازة أسبوعياً دون خفض رواتبهم.
وكانت إمارة الشارقة الأولى عربياً بالتحوّل إلى أسابيع العمل القصيرة، بواقع أربعة أيام أسبوعياً بداية من عام 2022، ما أدّى إلى زيادة إنتاجية الموظفين بنسبة 88 في المئة وتحسّن الأداء الوظيفي بنسبة 90 في المئة على أساس سنوي، بحسب البيانات الحكومية التي صدرت مطلع 2023.
كذلك لا تُظهر البيانات العالمية مزايا إيجابية لزيادة عدد ساعات العمل الأسبوعية على الإنتاجية الاقتصادية؛ إذ تشير بيانات الدول العشر صاحبة أقل ساعات عمل أسبوعياً إلى أداء اقتصاد قوي، وتتصدّرها ألمانيا ودول اسكندنافية، في حين تفشل دول مثل كوستاريكا وكولومبيا وتشيلي، حيث يعمل الموظفون لساعات أطول، في تحقيق درجات أعلى من النمو الاقتصادي.
الجدوى الاقتصادية في كوريا
تبرّر الحكومة الكورية مقترحها بالعودة إلى ساعات العمل الطويلة برغبتها في تحقيق نجاح اقتصادي مشابه للطفرة الاقتصادية التي أعقبت رفع عدد ساعات العمل الأسبوعية إلى 68 في خمسينيات القرن الماضي، خصوصاً بعد أرقام تبعث على القلق عن التركيبة السكانية في البلاد.
نظرياً، لا يبدو أن كوريا الجنوبية تعاني أزمات اقتصادية تتجاوز ما تعانيه بقية الدول الصناعية من ارتفاع في نسب التضخم، خصوصاً مع انخفاض نسبة البطالة إلى معدلات قياسية، وصلت في فبراير شباط الماضي إلى 2.6 في المئة.
لكن هذا الرقم يُثير مخاوف السلطات المطلعة على أسباب انخفاضه، ومن أبرزها ارتفاع معدل عمر السكان إلى 43 عاماً، وهو أعلى بعشر سنوات من المعدل العالمي.
وفي 2020، انخفض عدد الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً من 15 مليون نسمة إلى 12 مليوناً فقط، كما انخفض عدد المواليد في كوريا الجنوبية بنسبة عشرة في المئة ليصبح أقل من نسبة الوفيات السنوية، ما يعني أن عدداً أقل من الأفراد سيكونون قادرين على القيام بالأعمال اليومية خلال بضعة عقود، ما يهدد قدرة كوريا على رفع الإنتاج الاقتصادي مستقبلاً.