عندما انطلق مسبارا «فوييجر» وانفصلا عن بعضهما لأسابيع في عام 1977، لم يتوقع أحد أن تمتد مهام تلك المركبة الفضائية المكونة من مسبارين توأم (فوييجر 1 وفوييجر 2) من الوقت المقرر وهو أربع سنوات إلى أكثر من 45 عاماً.. وما زالت مستمرة.

الآن، يبتكر فريق المهمة في استراتيجياته لإمداد الطاقة والأدوات على كلٍّ من فوييجر 1 و2 وذلك لتمكين كلا المسبارين من الاستمرار في جمع البيانات القيمة أثناء استكشاف المنطقة المجهولة بين النجوم.

تعد «فوييجر 1» حالياً أبعد مركبة فضائية عن الأرض بنحو 15 مليار ميل (24 مليار كيلومتر)، في حين أن «فوييجر 2» قطعت أكثر من 12 مليار ميل (20 مليار كيلومتر) من الأرض، وكلاهما موجود الآن في الفضاء بين النجوم، وهما ضمن المركبة الفضائية الوحيدة التي تعمل خارج الغلاف الشمسي، الذي هو عبارة عن فقاعة الشمس من الحقول المغناطيسية والجسيمات التي تمتد إلى ما بعد مدار بلوتو.

وبصفتهما الامتدادين الوحيدين للبشرية خارج الفقاعة الواقية للغلاف الشمسي، يكون المسباران بمفردهما حتى في رحلاتهما الكونية أثناء سفرهما في اتجاهات مختلفة.

وتقول سوزان دود، رئيسة مشروع فوييجر في وكالة ناسا، «كان مسار فوييجر 1 في الاتجاه إلى الأعلى وخرج من مستوى الكواكب بعد أن تجاوز كوكب زحل، بينما مرّ فوييجر 2 فوق قمة نبتون وتحرك إلى الأسفل ليتجاوز مستوى الكواكب أيضاً».

تساعد المعلومات التي جمعها هذان المسباران، خلال زمن طويل، العلماء في التعرف على الغلاف الشمسي وكيف يحمي الأرض من الجسيمات النشطة والإشعاع في الفضاء بين النجوم.

يلتقط «فوييجر 2» المعلومات الثمينة من خلال أدواته العلمية الخمس، بينما لا يزال لدى «فوييجر 1» أربع أدوات تشغيلية بعد أن فشل أحدها في وقتٍ سابق من المهمة.

وأشارت دود إلى أن الأمر يتطلب الكثير من العناية والمراقبة لضمان استمرار عمل تلك المجسات التي «تقدمت في العمر»، وتصف دود المسبارين لـCNN بأنهما «كالتوأم، أحدهما فقد سمعه ويحتاج إلى بعض المعينات السمعية والآخر فقد بعضاً من حاسة اللمس، لذا فقد تأثرا بشكلٍ مختلف مع مرور الوقت، لكن بوجهٍ عام هما يتمتعان بصحة جيدة بالنسبة لعمرهما».

وصل فوييجر 1 إلى حدود الغلاف الشمسي في عام 2012، بينما عبر فوييجر 2 -وهو نوعاً ما الأبطأ- الحدود في عام 2018، وقالت دود «لكن فوييجر أيضاً يصل لدرجات من البرودة في حين من الضروري إبقاء خطوط الوقود دافئة بدرجة كافية؛ نحو درجتين مئويتين (35.6 درجة فهرنهايت)».

وأوضحت أنه «إذا تجمدت فقد نفقد قدرتنا على نقل الإشارة إلى الأرض، لذلك يجب أن يكون هناك توازن بين الطاقة والحرارة وكيفية تشغيلنا المركبة الفضائية».

توازن دقيق

تفاجأ الفريق بسرور من إعادة معايرة الأجهزة لتصبح أكثر حساسية قليلاً في جمع البيانات، لأن بعض كواشف فوييجر تعمل بشكل أفضل عندما تكون أكثر برودة، وقالت ليندا سبيلكر، عالمة الفضاء في مشروع فوييجر في وكالة ناسا، واصفة وضع فوييجر الحالي، «ربما تكون إحدى طرق النظر إلى فوييجر بمثابة كبائن على قمة جبل، والطقس بارد جداً هناك، فيجب أن تطفئ الأنوار بالداخل للحفاظ على طاقتك».

وبدأت فوييجر 2 في استخدام احتياطي طاقة صغير كان جزءاً من آلية أمان لدى المركبة، والتي ستمكن المركبة الفضائية من استمرار تشغيل أداة علمية أخرى حتى عام 2026، وذلك بدلاً من إيقافها هذا العام، إذ تحتوي آلية الأمان هذه -التي تحمي الأدوات في حالة تغير تدفق الكهرباء بشكل كبير على المركبة الفضائية- على كمية صغيرة من الطاقة التي تعمل كدائرة احتياطية.. والآن يمكن استخدام هذه الطاقة للحفاظ على تشغيل أدوات فوييجر 2 وتشغيلها.

تظل الأنظمة الكهربائية للمركبة الفضائية مستقرة إلى حد كبير، لذلك قرر الفريق أنها تشكل مخاطرة صغيرة بالنسبة للمكافأة الأكبر المتمثلة في القدرة على جمع البيانات العلمية.

إذا كانت هذه الاستراتيجية تعمل بشكل جيد مع فوييجر 2 فقد يؤخذ بها في التعامل مع فوييجر 1، إذ سيتعين على الفريق التفكير في إغلاق أداة علمية أخرى على المركبة الفضائية في عام 2024.

وقالت دود «بدلاً من إيقاف تشغيل أداة علمية، نرغب في القيام بشيء مبدع للغاية من الناحية الهندسية، من أجل الحصول على عام آخر من البيانات العلمية، إذ تعمل المركبة الفضائية الآن بطريقة لم تصمم في الأساس عليها».

لا تزال أداة علوم البلازما في فوييجر 2 تعمل، لذا يمكنها أخذ قياسات مباشرة لكثافة البلازما في الفضاء بين النجوم، ووفقاً لإدارة الطيران والفضاء تتكون بلازما الفضاء من جزيئات مشحونة يتم التحكم في حركتها بواسطة قوى كهربائية ومغناطيسية.

وقد توقع العلماء أن تنخفض كثافة البلازما كلما ابتعدت فوييجر عن الشمس، لكنها زادت بدلاً من ذلك.

وطالما بقي كل من فوييجر 1 و2 بصحة جيدة، فمن المحتمل أن تستمر المجسات المتقدمة في العمر في مهمتها لتحطيم الأرقام القياسية لسنوات قادمة.