مع الانتشار الهائل لما يمكن أن تقدمه أدوات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، لم نعد نعلم الحقيقي من المزيف، ففي الشهر الماضي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة يُزعم أنها تُظهر انفجاراً بالقرب من البنتاغون؛ ما تسبب في حالة من الذعر والهلع.
وعلى الرغم من اكتشاف السلطات لحقيقة الصورة التي حملت كل سمات أدوات الذكاء الاصطناعي، فإن الأمر يتفاقم، فهل تستطيع شركات التكنولوجيا أن تجد حلاً لمواجهة التضليل عبر الإنترنت؟
يتوقع جيفري مكغريغور، الرئيس التنفيذي لشركة «تروبيك»، المزيد من المحتوى الذي يُقدَّم بواسطة الذكاء الاصطناعي، ويقول «لسنا مستعدين لذلك».
تقدم «تروبيك» تقنية للتحقق من الوسائط عند نقطة التصميم، إذ يلتقط التطبيق البيانات -بما في ذلك التاريخ والوقت والموقع والجهاز المستخدم لتصميم الصورة- ويطبق توقيعاً رقمياً للتحقق مما إذا كانت الصورة حقيقية أو مصممة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي.
تأسست «تروبيك»، المدعومة من «مايكروسوفت»، في عام 2015، قبل سنوات من إطلاق أدوات الصور التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل «دال-إي» و«ميدجورني».
يقول ماكغريغور «الشركة تضع في الحسبان كل شخص يتخذ قراراً بناءً على صورة، بداية من المنظمات غير الحكومية وصولاً إلى شركات الإعلام والتأمين التي تتطلع إلى تأكيد صحة المطالبة».
وأضاف «عندما يمكن تزوير أي شيء يمكن أن يكون كل شيء مزيفاً، علماً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد وصل إلى نقطة التحول هذه في الجودة وإمكانية الوصول، وبالتالي لم نعد نعرف ما هو الواقع عندما نكون متصلين بالإنترنت».
تعمل شركات التكنولوجيا مثل «تروبيك» على مكافحة التضليل عبر الإنترنت لسنوات، لكن ظهور مجموعة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها بسرعة تصميم صور مقنعة ونصوص مكتوبة، قد عزز من أهمية هذه الجهود.
وفي الأشهر الماضية، انتشرت على نطاق واسع صور مثيرة للجدل صُممت بواسطة الذكاء الاصطناعي منها صورة للبابا فرانسيس وهو يرتدي سترة غريبة، وأخرى لإلقاء القبض على الرئيس السابق دونالد ترامب، قبل وقت قصير من توجيه الاتهام إليه.
ويطالب بعض المشرعين الآن شركات التكنولوجيا بمعالجة المشكلة، حيث دعت فيرا جوروفا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، يوم الاثنين الموقعين على مدونة الاتحاد الأوروبي لقواعد الممارسة بشأن المعلومات المضللة -قائمة تتضمن «غوغل»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت»، و«تيك توك»- إلى وضع تقنية للتعرف على هذا المحتوى وكشفه للمستخدمين.
ويحاول عدد متزايد من الشركات الناشئة، بما في ذلك بعض الشركات التي تنشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، وضع معايير محددة وإيجاد حلول لمساعدة الأشخاص على تحديد ما إذا كانت الصورة أو الفيديو حقيقية أم مزيفة بفعل الذكاء الاصطناعي.
ولكن مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع مما يستطيع البشر مواكبته، فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه الحلول ستكون قادرة على معالجة المشكلة بالكامل.
واعترفت شركة «أوبن إيه آي» المطورة لأداة « تشات جي بي تي»، في وقت سابق من العام الجاري، بأن جهودها الخاصة للمساعدة في الكشف عن المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي غير كاملة.
وقال هاني فريد، خبير الطب الشرعي الرقمي والأستاذ في جامعة كاليفورنيا، لشبكة «CNN» إن «الأمل يتمثل في الوصول إلى نقطة لا يستطيع فيها أحد المراهقين في قبو والديه تكوين صورة والتأثير في مجرى الانتخابات أو تحريك السوق بمقدار نصف تريليون دولار».
سباق محتدم
تتخذ الشركات نهجين لمعالجة هذه المشكلة، يعتمد أحد الأساليب على تطوير برامج لتحديد الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي بعد إنتاجها ومشاركتها عبر الإنترنت؛ أما الآخر فيركز على تمييز الصورة على أنها حقيقية أو زيّفها الذكاء الاصطناعي باستخدام نوع من التوقيع الرقمي.
تعمل «رياليتي ديفيندر» و«هايف موديراشن» على الأسلوب الأول، إذ يمكنان المستخدمين من تحميل الصور الموجودة حتى تخضع للمسح الضوئي، ثم الحصول على تحليل فوري مع نسبة تشير إلى إمكانية الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تصميمها، بناءً على تحليل كمية كبيرة من البيانات.
تستخدم «رياليتي ديفيندر» تقنية الملكية الخاصة ببصمة محتوى التزييف العميق والمحتوى التوليدي؛ لاكتشاف مقاطع الفيديو والصوت والصور التي يصممها الذكاء الاصطناعي.
وفي مثال قدمته الشركة تناول الصورة الشائعة للنجم الأميركي توم كروز، إذ سلّط الضوء على اعتبارها مزيفة بنسبة 53 في المئة، وبالتالي فإنه يخبر المستخدم أنه عثر على دليل يظهر أن الوجه كان مشوهاً، وهو أمر شائع عند التلاعب في الصور.
تقدم هذه الخدمات عروضاً تجريبية مجانية محدودة، قالت «هايف مودريشن» إنها تتقاضى 1.50 دولار لكل ألف صورة إضافة إلى الصفقات السنوية التي تقدم حسومات، بينما تختلف أسعار «رياليتي ديفيندر» بناءً على عوامل مختلفة، بما في ذلك ما إذا كان العميل بحاجة إلى أي عوامل مخصصة تتطلب خبرة الفريق ومساعدته.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «رياليتي ديفيندر» بن كولمان لشبكة «CNN» إن «الخطر يتضاعف كل شهر، ويمكن لأي شخص أن يزوّر الحقائق، لست بحاجة إلى دكتوراه في علوم الكمبيوتر، لا تحتاج إلى تدوير الخوادم على (أمازون)، لا تحتاج إلى معرفة كيفية كتابة البرامج، يمكن لأي شخص القيام بذلك فقط عن طريق البحث في (غوغل) عن (مبتكر الوجه المزيف)».
من جهته، وصف الرئيس التنفيذي لشركة «هايف موديريشن» كيفن جو، الأمر بأنه «سباق تسلح»، وأضاف لشبكة «CNN» قائلاً «علينا أن نستمر في النظر إلى جميع الطرق الجديدة المستخدمة لإنشاء هذا المحتوى، وعلينا فهمه وإضافته إلى مجموعة البيانات الخاصة بنا لتصنيفه مستقبلاً. اليوم نجد نسبة صغيرة من المحتوى المبتكر بواسطة الذكاء الاصطناعي، لكنني أعتقد أن هذا سيتغير خلال السنوات القليلة المقبلة».
(جينيفر كوم- CNN)