يعمل «برج» ترشيح على تنقية الهواء المحيط بهدوء منذ الصيف الماضي في حديقة عامة في واحدة من أكثر مدن العالم تلوثاً.

تعد نيودلهى عاصمة الهند أكثر المدن تلوثاً في العالم، ويعتقد أن تلوث الهواء تسبب في وفاة ما يقرب من 1.6 مليون شخص في الهند في عام 2019.

يعمل الآن جهاز تنقية الهواء «فيرتو»، الذي يبلغ ارتفاعه 5.5 متر على تقليل مستويات ثاني أكسيد النيتروجين والجزيئات الدقيقة الخطرة في حديقة «ساندر نيرسي» العامة في نيودلهي، عن طريق تصفية 600 ألف متر مكعب من الهواء يومياً، وهو ما يعادل حجم 273 بالوناً من الهواء الساخن.

وبعد جمع البيانات من النموذج الأولي، يعتقد المهندسون وراء الاختراع أنه يمكن توسيع نطاق مشروعهم لتنظيف الأماكن العامة الكبيرة والأحياء وحتى مدن بأكملها، إذ صممت الأبراج من قبل شركة «ستوديو سيمبيوزيس» الهندسية التي لها مقرات في الهند وألمانيا.

تحتوي هذه الأبراج على خمسة «مكعبات» لترشيح الهواء مكدسة داخل غلاف هندسي، يقول مؤسسا الشركة، الزوجان أميت وبريتا نوبل جوبتا، إن اختراعهما الذي يعمل بالمروحة يمكنه تنظيف الهواء في محيط قطره من 200 إلى 500 متر، لكن هذا يختلف اعتماداً على سرعة الرياح ومدى انفتاح المنطقة المحيطة.

وقال أميت في مكالمة من نيودلهي، «بعد أن جاءت النتائج من النموذج الأولي مثل ما توقعناه، سنبدأ في التحدث إلى السلطات الحكومية حول المزيد من الإنشاءات لهذه الأبراج»، وكشف عن أن الشركة تحدثت أيضاً مع مشترين محتملين في أوزبكستان، وفرنسا، ونيوزيلندا. وقال مكتب «ستوديو سيمبيوزيس» إن شركة إنشاءات في الولايات المتحدة طلبت في الوقت نفسه نحو 40 برجاً لمعالجة الغبار والحطام الناعم في مواقع البناء، وقالت بريتا «أعتقد أنه يمكن تركيبها أيضاً في الحدائق العامة والساحات العامة، حيث يقضي الأشخاص وقتاً ممتعاً في الهواء الطلق».

اشتق اسم «فيرتو» (Verto) من الكلمة اللاتينية (vertente) بمعنى «يدور» بالعربية، وقد صمم شكل التواء «فيرتو» لدفع أكبر قدر ممكن من الهواء عبر سطح الجهاز، حيث يُمتص داخل المرشحات لطرده. وباستخدام مرشحات من شركة «مان+هوميل» الألمانية، ركز مهندسو «ستوديو سيمبيوزيس» على إنشاء الشكل الأكثر كفاءة للأبراج، مع نماذج رقمية تحاكي ظروف الرياح المختلفة.

قال أميت، موضحاً كيف أكسبت التعديلات الصغيرة الأبراج ديناميكية هوائية أكبر، «الأمر كله يتعلق بسرعة الرياح، لذلك نظرنا إلى الطائرات وكيف تعمل محركاتها المروحية، بالإضافة إلى محركات السيارات.. عكفنا على التطوير مراراً وتكراراً من أجل الحصول على الشكل الأمثل الذي من شأنه زيادة سرعة الرياح ومساحة السطح».

تصميم للإنتاج بكثافة

في عام 2019 وحده، يُعتقد أن تلوث الهواء تسبب في وفاة ما يقرب من 1.6 مليون شخص في الهند، وفقاً لدراسة نُشرت في المجلة الطبية «ذا لانسيت»، إذ تمتلئ نيودلهي دائماً بالضباب وتسهم انبعاثات المركبات وحرق المحاصيل ومحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم في تدهور جودة الهواء في المدينة.

واعتبر معهد التأثيرات الصحية في الولايات المتحدة العام الماضي عاصمة الهند المدينة الأكثر تعرضاً للجسيمات الدقيقة في العالم، وإلى جانب التأثير المباشر للتلوث تسبب تغير المناخ الناتج في موجات حرارية أودت بحياة أكثر من 24 ألف شخص في البلاد منذ عام 1992، وفقاً لدراسة نشرتها جامعة كامبريدج الشهر الماضي.

ويقول الزوجان جوبتا إن ما دفعهم إلى التصرف حيال الأمر، هو تجربتهم السلبية الخاصة بالتلوث بعد انتقالهم إلى نيودلهي من لندن، وقال أميت «عملنا الأساسي هو الهندسة المعمارية، لم نكن نريد الدخول في تنقية الهواء، لكن التلوث هنا لم يكن مقبولاً، إنه أمر سيئ للغاية».

ومن المفارقات، أنه باستخدام مراوح كهربائية لامتصاص الهواء، تسهم الأبراج -ولول بشكل ضئيل- في الانبعاثات ذاتها التي تحاول التخفيف منها، ولتقليل التأثير البيئي لجهاز «فيرتو» قامت الشركة المصممة «ستوديو سيمبيوزيس» بتركيب مراوح «ذكية» موفرة للطاقة تختلف وفقاً للظروف المحلية، فتتباطأ عندما يكون التلوث منخفضاً، أو عندما توفر الرياح القوية تدفقاً طبيعياً للهواء، ويقول المهندسون إن كل برج يستهلك الطاقة بمعدل المكنسة الكهربائية نفسه «لكن مع تدفق للهواء يزيد 100 مرة».

وأضافوا أن المرشحات، التي يجب تغييرها كل ثلاثة إلى تسعة أشهر، قابلة لإعادة التدوير، أما الضوضاء الصادرة عن الأبراج فبحد أقصى 75 ديسيبل وهي مماثلة لتلك الصادرة عن خلاط المطبخ المعتاد.