يتسبب التشخيص الخاطئ للمرض وغيره من الأخطاء الطبية الأخرى في ما يقرب من مليون حالة وفاة وإعاقة دائمة في الولايات المتحدة سنوياً، وفقاً لدراسة حديثة نُشرت هذا الأسبوع.

وبحسب الدراسة، تتسبب الأخطاء الطبية في وفاة نحو 371 ألف شخص وإصابة 424 ألفاً آخرين بإعاقات خطيرة ودائمة كل عام، والتي تشمل تلف الدماغ والعمى وفقدان الأطراف (أو الأعضاء) والسرطان.

ولإجراء هذه التقديرات، قام الباحثون بمراجعة عشرات الدراسات السابقة لتقييم عدد المرات التي حدث فيها تشخيص خاطئ أدى إلى عدم تشخيص المرض بشكل صحيح، وكذلك عدد المرات التي أدت فيها هذه الأخطاء إلى أضرار ومضاعفات جسيمة، مع مقارنتها بالحالات الجديدة التي ظهرت مؤخراً على مستوى الولايات المتحدة.

وكتب الباحثون في الدراسة «يجب ألا يُصاب المرضى بالذعر، أو يفقدوا الثقة في نظام الرعاية الصحية»، مشيرين إلى أن احتمال حدوث أضرار جسيمة مرتبطة بالتشخيص الخاطئ أقل من 0.1 في المئة.

5 أمراض ترتبط بأخطاء التشخيص

وكشفت الدراسة أن 40 في المئة من المضاعفات الخطيرة المرتبطة بأخطاء التشخيص الطبي تأتي ضمن خمسة أمراض أساسية، هي: جلطة المخ (أو السكتة الدماغية) وتعفن الدم والالتهاب الرئوي والجلطة الدموية الوريدية وسرطان الرئة، وهي أمراض شائعة نسبياً، ويمكن عدم التوصل لتشخيصها بدقة في بعض الحالات، ما قد ينتج عنه أضرار صحية جسيمة.

على الرغم من أن هذه الأمراض الخمسة تُشخص بشكل صحيح في أغلب الأحيان، فإن لها التأثير الأكبر في المضاعفات المرتبطة بخطأ التشخيص.

ووفقاً للتقرير، يتم تشخيص خرّاج العمود الفقري (عدوى تصيب الجهاز العصبي المركزي) بشكل خاطئ في أكثر من 60 في المئة من الحالات، فمن بين الـ14 ألف حالة التي تستقبلها مراكز الرعاية الصحية كل عام، يتم تشخيص 5000 حالة منها بشكل خاطئ، ما يؤدي لمضاعفات جسيمة.

أما السكتة الدماغية، فقد وجد التقرير أنها السبب الأكبر للمضاعفات الخطيرة، حيث يتم تشخيصها بشكل خاطئ بمعدل أعلى من المتوسط، ففي كل عام يُصاب نحو 950 ألف شخص في الولايات المتحدة بالسكتة الدماغية، ويُخطئ الأطباء في تشخيص نحو 18 في المئة منها، ما يؤدي إلى حدوث نحو 94 ألف إصابة خطيرة كل عام.

وأوضح المشرفون على الدراسة أن أحد أسباب المضاعفات هو قيام الأطباء بربط الأعراض التي يعاني منها المرضى بأمراض شائعة أخرى غير المرض الخطير الذي يعانون منه، ما قد يهدد حياتهم نتيجة عدم الكشف عن السبب الحقيقي للأعراض، وبالتالي عدم منح المرضى العلاج في الوقت المناسب.

على سبيل المثال، عندما يواجه شخص صعوبة في التحدث وتحريك الذراع فسيكون من السهل على الأطباء تشخيص المرض على أنه نتيجة للجلطة أو السكتة الدماغية، لكن السكتة الدماغية قد يصاحبها أعراض أخف (مثل الدوخة أو الصداع)، والتي قد تتشابه مع أمراض أخرى كثيرة.

وعلى الرغم من أن النوبات القلبية أيضاً قد تسبب أعراضاً غامضة مثل ألم الصدر العام، فإنه من غير المرجح أن تُشخص بشكل خاطئ، إذ تُظهر معدل خطأ أقل من 2 في المئة، وفقاً للتقرير.

الحاجة للتنظيم

وقد احتاج الوصول لنسب نجاح جيدة في تشخيص النوبات القلبية إلى عقد كامل من الجهود المركزة التي بدأت بالاعتراف بأن التشخيص الخاطئ يمثل مشكلة كبيرة للمرضى، وتطلب زيادة الاستثمار في البحث والمتطلبات التنظيمية المتعلقة بمراقبة الأداء.

واعتبر القائمون على الدراسة أن النموذج الناجح في تشخيص أمراض القلب يجب تعميمه في بقية الأمراض.

وأشار الخبراء إلى أن أخطاء التشخيص تختلف عن بقية الأمور التي تهدد سلامة المرضى، مثل إجراء العمليات الجراحية في أماكن غير مجهزة بشكل ملائم أو وصف الدواء الخطأ، لأن التشخيص الخاطئ غالباً ما يعود إلى الفشل في الربط بين النتائج والأسباب.

وأوضحوا أن رحلة التشخيص ليست قراراً واحداً يُتخذ في لحظة واحدة، بل هو رحلة مشتركة تتكشف فصولها على مدار فترة طويلة قد تصل إلى أيام أو أسابيع أو حتى شهور، وقد تصل في بعض الأحيان إلى سنوات، وقد تتطلب تخصصات متعددة لتشخيص التاريخ المرضي لكل شخص بشكل دقيق.

وحذروا من عدم التنسيق بين مراحل الرعاية المختلفة وعدم تحليل التاريخ المرضي بشكل شامل، فعدم الدمج بين بيانات الرعاية الخاصة بكل مريض وتفرقها بين أقسام الرعاية الأولية والعيادات وغرف الطوارئ يهدد بضياع معلومات مهمة على طول رحلة العلاج، ويترك المريض حائراً بين التخصصات والمراكز الصحية لتشخيص حالته.

دور المريض في التشخيص الدقيق لحالته

وكان تقرير سابق صادر عن الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في عام 2015 قد سلَّط الضوء على الطرق التي يمكن للمريض القيام بها لدعم رحلته التشخيصية، وذلك من خلال الاحتفاظ بسجله المرضي الكامل، والتركيز على الظروف والاختبارات والأدوية المرتبطة بتطورات حالته الصحية، بالإضافة للمتابعة مع مقدمي الرعاية الصحية حول التغيرات غير الطبيعية التي قد يعاني منها والخطوات التالية التي عليه اتباعها.

الأعداد الحقيقية قد تكون أكبر

شملت الدراسة الأخيرة أخطاء التشخيص بين المرضى الذين تم فحصهم في أماكن الرعاية الصحية المتخصصة فقط، لكن الخبراء يتوقعون أن يكون العدد الحقيقي أكبر بكثير عند تضمين جميع الأشخاص الذين وصلوا للخدمة في وقت متأخر عمَّا ينبغي.

وحذَّروا من أن المريض الذي ينتظر شهوراً لرؤية الطبيب لن يستفيد من مدى جودة نظام الرعاية الصحية، لأن مرحلة التشخيص ستكون متأخرة للغاية.