لطالما كان التحقق من مصدر الآثار مهمة صعبة ومعقدة، فقد اكتشف متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك هذا الأمر عندما أعلن في عام 2019 أنه سيعيد تابوتاً مصرياً تم شراؤه من تاجر قطع فنية، وذلك بعد علمهم أنه نُهب من مصر خلال انتفاضة عام 2011.

التابوت الذهبي لنجم عنخ في المتحف القومي للحضارة المصرية في القاهرة، بعد إعادته من الولايات المتحدة

ويقترح البعض حالياً أن تقنية «بلوك تشين»، وهي تقنية رقمية تضمن تتبع المعاملات القائمة على أي منتج عالمياً عن طريق الكمبيوتر من خلال أكواد رقمية مخصصة لكل منتج، يمكنها أن تجنب أولئك الذين يتاجرون في التحف والقطع الفنية الوقوع في فخ النصب أو تجارة الآثار غير المشروعة.

قائمة رقمية فورية

وفي خطوة متقدمة لمكافحة نهب الآثار، طور باحثون في جامعة أبوظبي وجامعة «لندن كوليدج» أداة جديدة لتكنولوجيا الـ«بلوك تشين» أو السلسلة الرقمية تسمى « سلسال»، وتعرف أيضاً باسم «أغور».

أداة الـ«بلوك تشين» أي السلسلة الرقمية «سلسال»، هي تكنولوجيا تدعم العملات المشفرة مثل «بيتكوين»، وهي في الأساس دفتر أو قائمة رقمية لامركزية وغير قابلة للتغيير، ويمكن للجميع الوصول إليها لتسجيل منتج أو غرض أو عنصر جديد أو التحقق منه، تُسجل البيانات عبر العديد من أجهزة الكمبيوتر لتشكيل قاعدة بيانات ضخمة للعناصر المرتبطة بهذا الدفتر أو القائمة الرقمية.

بمجرد تسجيل المعلومات ضمن «بلوك تشين» -قائمة سلسلة رقمية- لا يمكن تغييرها بأثر رجعي دون تغيير جميع العناصر في السلسلة بإجماع الشبكة.

يسمح «سلسال» للمتحف أو مقتني التحف بتسجيل تفاصيل حول مجموعتهم المقتناة باستخدام منصة الويب، ثم بعد ذلك يقوم العديد من الخبراء بتقييم ما إذا تم الحصول على المجموعة بشكل قانوني وأخلاقي مع الحكم أيضاً على جودتها وما إذا كانت قطعة أصلية أم لا.

قاد المشروع عادل الخليفي، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة أبوظبي، ومارك الطويل، الأستاذ في معهد الآثار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وقالوا إنه يوفر طريقة آمنة وشفافة وموثوقة لتتبع الأصالة والملكية.

يوضح الطويل، «إذا كنت مقتنياً للتحف، مثل متحف، يمكنك تحميل صور وأوصاف حول هذه القطع الفنية، ثم تصل بعد ذلك إلى الخبراء الفنيين الذين يتحققون من صحة هذه القطع».

وتابع، «نحن نستخدم عملية اعتماد (جمعية المتاحف)، إذ نقوم بتقييم العناصر على مقياس من واحد إلى خمسة بناءً على مدى أمان المجموعة أو مدى صحتها».

ويضيف الطويل، «كان الغرض من الفكرة أن تصبح هذه أيضاً وسيلة للضغط على هؤلاء المقتنين للتحف -بما في ذلك المتاحف- للتأكد حقاً من أن القطع التي يعرضونها للجمهور قانونية».

إذا تم التحقق من مجموعةٍ أو قطعةٍ فنيةٍ ما، يمكن للمالك تحويلها إلى NFT، وهي اختصار «رمز غير قابل للاستبدال» الذي يعمل بمثابة شهادة إثبات مُصدقة، بالإضافة إلى السماح بنقل الملكية بشكل آمن وتمكين تتبع حركة المجموعة أو القطعة الفنية بمرور الوقت.

تضمن هذه الخاصية تاريخاً شفافاً، وبالتالي ردع اللصوص المحتملين وتشجيع عودة القطع الأثرية المسروقة إلى بلدانها الأصلية، كما أنها تجعل من الممكن الوصول إلى القطع الأثرية ذات الأهمية الثقافية من خلال قاعدة البيانات هذه لأولئك الذين لا يستطيعون مشاهدة المجموعة شخصياً.

ويقول الطويل، «أرى أنها وسيلة للمؤسسات الثقافية لبدء تبادل المعلومات حول (مجموعاتها) للعامة، بحيث يمكن للجمهور أيضاً المشاركة في حمايتها بشكل فعال أو مشاركة المعرفة عنها».

العدالة الثقافية

تقول تسولا هادجيتوفي، مؤلفة كتاب The Icon Hunter أي «الباحث الأيقوني»، وهي التي أُجبرت على الفرار من منزلها في فاماغوستا، قبرص، في عام 1974 بعد الغزو التركي، «بصفتي لاجئة، اخترت لغة التراث الثقافي للقتال من أجل العدالة وإعادة الفن المنهوب إلى الوطن».

هادجيتوفي هي أيضاً الرئيسة التنفيذية لـWalk of Truth أي «مسيرة الحقيقة»، وهي منظمة غير ربحية مقرها هولندا مكرسة لحماية القطع الأثرية المهمة ومكافحة نهب الآثار.

وتوضح هادجيتوفي هدفها قائلة، «قادني عدم قدرتي على حل صراعاتي الداخلية كطفلة حرب، إلى توجيهها بطريقة أخرى، وكان ذلك هو البحث عن القطع الأثرية المنهوبة من قبرص وتعقبها وإعادتها إلى شعبي لأعيد لهم شيئاً مما قد فقدوه».

ضغطت هادجيتوفي على النواب البريطانيين والهولنديين لتغيير القوانين والمصادقة على معاهدة لاهاي لعام 1954 لحماية التراث الثقافي في حالة الحرب والنزاع المسلح.

تعتقد هادجيتوفي أن أدوات مثل «سلسال» يمكن أن تساعد في زيادة الوعي بدور التجار والمتاحف وجامعي التحف وتسليط الضوء على الأخلاقيات المتعلقة بامتلاك الأفراد للتحف الفنية والآثار.

تقول هادجيتوفي إنه في مجال البحث عن المصدر، غالباً ما يكون تاريخ الأشياء غامضاً، ويمكن استغلال ذلك من قبل المجرمين الذين يتداولون القطع الأثرية بشكل غير قانوني، وتأمل أن يدفع «سلسال» المنظمات والأفراد الذين يمتلكون آثاراً لتسجيل رحلة تلك القطع، «من المكان الأصلي إلى المتحف أو دار المزادات أو بيت مقتني التحف».

وفقاً لهادجيتوفي، غالباً ما يتم إضفاء الشرعية على القطع ذات المصدر المشكوك فيه بفضل التشريعات الضعيفة، ما يسمح بتداولها بين هواة جمع الآثار من القطاع الخاص الذين لا يتعرضون لضغوط الرأي العام لإعادة هذه الآثار إلى أصحابها الشرعيين.

تقول هادجيتوفي، «يمكن للتكنولوجيا أن تساعد النشطاء والمتطوعين والباحثين في إلقاء الضوء على القضية ومكافحة تجارة الآثار»، وتأمل أيضاً أن ينشئ «سلسال» «جيوشاً من الطلاب» لـ«البحث» عن الآثار المكتسبة بطريقة غير مشروعة ومناشدة «ضمير جامعي التحف» لمشاركة المعلومات حول مجموعاتهم وإعادة أي عناصر ثبتت سرقتها.

قوة الشعوب

الأداة الجديدة «سلسال» تساعد جامعي القطع الأثرية في تحديد القطع المنهوبة وتجنبها. في الصورة هنا: آثار مسروقة معروضة في متحف في روما بإيطاليا بعد إعادتها إلى الوطن

طورت إيطاليا أداة أخرى قائمة على تكنولوجيا الـ«بلوك تشين»، تسمى «كابو»، في عام 2017، ولكن هذه الأداة ظلت غير متصلة بالإنترنت منذ ذلك الحين.

على الرغم من التقدم الكبير الذي أُحرز مع تقنية «بلوك تشين»، لا تزال هناك تحديات، إذ يقول الطويل والخليفي إن مفتاح نجاح «سلسال» هو إقناع الناس باستخدامه، ويقول الطويل، «نحن الآن في مرحلة محاولة وضع (سلسال) في أيدي الناس».

هناك تكلفة بسيطة على جامعي التحف لاستخدام «سلسال»، ولكن ليس أكثر من دولارين لكل مجموعة، لا ينبغي أن تكون هذه التكلفة المرتبطة بالأداة باهظة، يأمل كل من الطويل والخليفي أن يتم استخدام الأداة على نطاق واسع بما يكفي إذ يتم الشك في المجموعات التي لم تدرج ضمن السلسلة الرقمية في القائمة الإلكترونية.

في النهاية، يأمل الطويل أن تصل الأداة إلى نقطة «إذا لم يكن لديك رمز تحقق لقطعتك الفنية، يبدأ العامة في الشك والتساؤل عن السبب».