كشفت دراسة جديدة أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات مستويات عالية من تلوث الهواء يكونون أكثر عُرضة للإصابة بـ«الخرف».
و«الخرف» هو مرض ذهني يؤثر بشكل تدريجي على الذاكرة، ويحدُّ من القدرة على التفكير والإدراك، والتعرف على الأشخاص والأشياء، والقيام بالمهام اليومية.
ووفقاً للدراسة التي نُشرت في مجلة «جاما إنترنال ميديسين» والتي شملت متابعة ما يقرب من 28 ألف شخص خلال الفترة من 1998 حتى 2016، فإن ما يزيد على 4 آلاف شخص أُصيبوا بالخرف خلال فترة الدراسة، وكانوا جميعاً يعيشون في مناطق أعلى تلوثاً من أولئك الذين لم يُصابوا بالخرف.
تلوث الهواء بالجسيمات
أفادت الدراسة بأن احتمالات الإصابة بـ«الخرف» كانت أعلى في المناطق التي تشهد تلوثاً ناجماً عن الزراعة أو حرائق الغابات.
ولفت الباحثون إلى أن هذا الارتباط بين الخرف والتلوث جاء في أوقات كانت فيها مستويات التلوث أقل من المعايير الوطنية الحالية لجودة الهواء المحيط،
ويشير مصطلح تلوث الجسيمات إلى مزيج من القطرات الصلبة والسائلة التي تطفو في الهواء، ويظهر على شكل تراب أو غبار أو دخان.
يمكن أن تأتي هذه الجسيمات من المصانع التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي، أو عوادم السيارات، أو الأنشطة الزراعية، ومواقع البناء، و حرائق الغابات.
وتعليقاً على ذلك، قالت سارة دوبوسكي أدار، إحدى الباحثين المشاركين في الدراسة «تفاجأنا في البداية عندما وجدنا أن الزراعة وحرائق الغابات جاءت في المرتبة الأولى، لكن مع الوقت أدركنا أن الأمر يبدو منطقياً للغاية، فالزراعة التي نعرفها تستخدم الكثير من المبيدات الحشرية».
وأضافت «أما بالنسبة لحرائق الغابات، فهي تنتج جسيمات ملوثة يتنفسها البشر وتسبب لهم أضراراً صحية كبيرة».
تُعتبر الجسيمات الدقيقة ضارة بشكل خاص؛ لأنها صغيرة للغاية، إذ لا يتعدى حجمها 1/20 من عرض الشعرة الواحدة، بحيث يمكنها تجاوز دفاعات الجسم الطبيعية لتستقر في أعماق الرئتين أو تنتقل إلى مجرى الدم.
وتسبب هذه الجسيمات تهيجاً والتهاباً، وقد تؤدي إلى مشكلات في الجهاز التنفسي.
كما وجدت الأبحاث أن التعرض طويل الأمد لتلوث الجسيمات يمكن أن يتسبب أيضاً في الإصابة بالسرطان والاكتئاب ومشكلات بالتنفس وأمراض القلب.
الإصابة بـ«الخرف» وأمراض أخرى
يعاني أكثر من 55 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالفعل من «الخرف»، بينما يُصاب به 10 ملايين آخرين كل عام، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير بسبب شيخوخة السكان والمشكلات الصحية الأخرى مثل السمنة والتدخين وارتفاع ضغط الدم.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تربط بشكل مباشر بين التلوث و«الخرف» فقد وجدت علاقة غير مباشرة قوية بينهما.
على سبيل المثال، قد تدخل الجسيمات الصغيرة إلى الدماغ عبر الأنف وتسبب موت الخلايا العصبية المرتبط بصورة مباشرة بمرض «الخرف».
كذلك، قد يسبب التعرض للتلوث أمراض القلب والأوعية الدموية التي تزيد خطر الإصابة بالأمراض الذهنية مثل «ألزهايمر» و«الخرف».
وهناك دراسات سابقة ربطت أيضاً بين التلوث وضعف القدرات الذهنية، إذ وجدت دراسة أُجريت في عام 2016 على 6.6 مليون شخص في كندا أن الأشخاص الذين يعيشون على بُعد 164 قدماً من طريق رئيسي كانوا أكثر عرضة للإصابة بـ«الخرف» بنسبة 7 في المئة من أولئك الذين عاشوا على بُعد 984 قدماً، حيث كانت مستويات الجسيمات الدقيقة أقل بعشر مرات.
وتوصلت دراسة أخرى في إنجلترا إلى أن البالغين الذين يتعرضون لأعلى مستوى من تركيز تلوث الهواء كانوا أكثر عُرضة مرة ونصف للإصابة بـ«الخرف» من أولئك الذين يتعرضون لأقل تركيز.
كما كشفت دراسة أُجريت في كاليفورنيا أن النساء الأكبر سناً اللائي تعرضن لمستويات أعلى من تلوث الهواء كان أداؤهن أسوأ في الاختبارات المعرفية من أولئك المعرضات لمستويات أقل من التلوث.
وأظهر الفحص كذلك انكماشاً في مناطق الدماغ التي عادة ما ترتبط بمرض ألزهايمر.
الحد من التلوث
وضعت العديد من البلدان قوانين وحوافز للحد من تلوث الهواء، لكن سكان العالم ما زالوا يتنفسون هواءً ذا جودة سيئة للغاية، وتزايد عدد أيام جودة الهواء «غير الصحية» و«الخطرة» على مر السنين، ويعود السبب في جزء كبير منه لأزمة المناخ.
في عام 2011 في الولايات المتحدة وحدها، أدى التعرض لهذا النوع من التلوث إلى 107 آلاف حالة وفاة مبكرة.
على المستوى الفردي، يمكن للأشخاص تقليل مستوى التعرض للهواء الملوث عبر استخدام أجهزة تنقية الهواء في المنزل وارتداء الأقنعة عند الخروج لأماكن ذات مستويات عالية من التلوث والدخان.
أما على مستوى الدول فيمكن الحد من الأسباب التي تتسبب في تفاقم التلوث، مثل الحد من استخدام المبيدات الحشرية.