أطلق القمر الصناعي «سبوتنيك 1» عام 1957، الشرارة الأولى أمام الإنسان لاستكشاف الفضاء، وجاءت أول رحلة فضائية عام 1961 بهدف الاستكشاف؛ لكن بعد مرور أكثر من خمسين سنة، ظهر اقتصاد الفضاء، والسياحة في آفاقه، فلم يَعُد الاهتمام به مسؤولية الهيئات الرسمية وشركات الطيران فحسب، بل انضمت الشركات الخاصة إلى هذا الزخم بهدف اقتناص الفرصة أيضاً.

لطالما كان الفضاء حاضنة قوية للابتكار، واستطاع اقتصاد الفضاء تقديم معظم قيمته من خلال خدمات الأقمار الصناعية، بما في ذلك الاتصالات والبيانات وجمع الصور وتحليلها.

ما هو اقتصاد الفضاء؟

وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن اقتصاد الفضاء هو النطاق الكامل للأنشطة واستخدام الموارد التي تخلق قيمة وتعود بالفائدة على حياة الإنسان، في سياق استكشاف الفضاء، ودراسته والبحث فيه، ومن ثَمَّ فهمه وإدارته واستخدامه للمنفعة.

ويشهد اقتصاد الفضاء نمواً وتطوراً على مر السنين، مع زيادة اندماجه مع المجتمع، فالبنية التحتية الفضائية المنتشرة تستهدف تطوير خدمات جديدة لصالح الإنسان، والتي بدورها تتيح تطبيقات جديدة، في قطاعات مثل الأرصاد الجوية والطاقة والاتصالات والتأمين والنقل والبحرية والطيران والتنمية الحضرية، وبالطبع كل ذلك يؤدي إلى عوائد اقتصادية ومجتمعية إضافية.

لذلك، فإن الفضاء لا يعتبر قطاعاً قابلاً للنمو وحده؛ بل هو العامل الحيوي المساعد في نمو القطاعات الأخرى.

قيمة اقتصاد الفضاء

يبدو أن خدمات الأقمار الصناعية المتاحة اليوم ستحافظ على وجودها مستقبلاً، إضافة إلى أهميتها في توفير الوظائف سواء الخدمة في المدار، أو البحث والدراسة والتطوير، أو التصنيع.

ووفقاً لمؤسسة الفضاء الأميركية، فإنها قدّمت أكثر من 300 فرصة حقيقية في مجال تجارة الفضاء لرواد الأعمال والشركات الناشئة.

كما أصدرت المؤسسة تقريرها حول أداء الفضاء السنوي، الذي بحث إنفاق 51 حكومة على القطاع، وضم 11 قطاعاً فرعياً، ووجد أن اقتصاد الفضاء نما على الرغم من التضخم العالمي، بنحو 260 مليار دولار (ما يعادل نحو 91 في المئة) في العقد الماضي، بينما يتوقع اقترابه من 800 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة.

في الربع الثاني من 2023، شهد اقتصاد الفضاء نمواً بنسبة 8 في المئة، ليصل إلى 546 مليار دولار، بينما شكلت الإيرادات التجارية 78 في المئة من إجمالي اقتصاد الفضاء، إذ انتعش القطاع مدفوعاً بإيرادات بلغت 427.6 مليار دولار لمشاريع الفضاء التجارية.

وكان النمو أسرع في قطاع الاتصالات، الذي شهد زيادة في الطلب على خدمات النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية، ليحقق نمواً بلغ 28 مليار دولار في 2022، كما ازدهر تصنيع الأقمار الصناعية للقطاع التجاري مع زيادة بنسبة 35 في المئة في الأقمار الصناعية المرسلة إلى المدار.

شهدت الشهور الأولى من 2022 إطلاق 72 صاروخاً، وإدخال 1022 مركبة فضائية محددة في الفضاء، ويعد هذا أكثر من كل ما أُطلق في أول 52 عاماً من عصر الفضاء، ونتيجة لهذا التطور، توقَّع بنك «مورغان ستانلي» أن تزيد الإيرادات الناتجة عن صناعة الفضاء العالمية إلى أكثر من تريليون دولار بحلول عام 2040.

سياحة الفضاء

بالتزامن مع هذه الإيرادات التي يواصل اقتصاد الفضاء تحقيقها، فإن الرحلات الفضائية التجارية انتعشت أيضاً خاصة في الوقت الذي تجد أمثال إيلون ماسك، وريتشارد برانسون من الداعمين لها.

أصبح رجل الأعمال الأميركي دينيس تيتو، أول مسافر يدفع للشركة الروسية «ميركورب» نحو 20 مليون دولار مقابل رحلته على متن المركبة الفضائية الروسية «سويوز تي إم-32» في 2001.

وعلى الرغم من ارتفاع قيمة السياحة الفضائية العالمية، إذ بلغت نحو 598 مليون دولار أميركي في 2021، فإن ثمانية أفراد هم من سافر بهدف السياحة فقط من كل مسافري الفضاء البالغ عددهم 600 شخص.

من جهتها، أعلنت شركة « فيرجن غلاكتيك» عن فتح باب الحجز لرحلتها الفضائية التجارية الثانية في 10 أغسطس آب 2023، والتي ستكون أول رحلة خاصة لرائد فضاء من الشركة، وتنقل ثلاثة ركاب إلى الفضاء.

وخلال العام الجاري، شهدت المنطقة العربية أكثر من رحلة فضائية مميزة، بداية من خروج رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي من وحدة معادلة الضغط في محطة الفضاء الدولية، ليصبح أول رائد فضاء عربي يسير في الفضاء الخارجي، واضعاً الإمارات في المرتبة العاشرة على قائمة الدول التي نفّذ أبناؤها مهمات المسير الفضائي، وصولاً إلى المهمة «إيه إكس 2» التابعة لأكسيوم سبيس، والتي حملت على متنها الرائدين السعوديين ريانة برناوي -أول امرأة سعودية تسافر إلى الفضاء- وعلى القرني.