في مطلع أكتوبر تشرين الأول، اتجهت أنظار العالم إلى العاصمة السويدية ستوكهولم حيث يتم توزيع جوائز نوبل لعام 2023.

ومع توزيع جوائز نوبل من كل عام، يستعيد العالم ذكرى الفيزيائي السويدي الشهير ألفريد نوبل الذي أسس الجائزة في محاولة للتكفير عن ندمه باختراع الديناميت الذي ظن أنه سيجلب الخير والسلام للعالم قبل أن يكتشف أنه كان أساساً لدمار جسيم لم تنجُ منه البشرية حتى اليوم.

لكن نوبل ليس العالم الوحيد الذي بدأ اختراعه بنوايا حسنة لخدمة البشرية قبل أن يتحول حلمه إلى كابوس يهدد حياة البشر، وفيما يلي عدد من أبرز الاختراعات التي كانت تهدف في البداية لـ«تحسين» الحياة قبل أن تتحول إلى «تهديد» للحياة.

الكوكايين

تُستخرج مادة الكوكايين من أوراق نبات الكوكا التي كانت تستخدمها شعوب أميركا الجنوبية لمئات السنين للأغراض الطبية والعلاجية.

لكن استخدامها الموسع بدأ فعلياً في نهاية القرن الـ19 عندما اكتشف طبيب العيون النمساوي كارل كولر إمكانية استخدامه كمخدر موضعي بعد أن وضع محلول الكوكايين على قرنية أحد المرضى ليجد أنه فقد الإحساس في هذا الجزء من العين.

وبعد هذا الاكتشاف بأشهر قليلة، ضاعفت شركة ميرك إنتاجها من الكوكايين، والتي كانت حينها أكبر شركات أوروبا لإنتاج هذه المادة المخدرة، وبدأ استخدام الكوكايين في علاج العديد من الأعراض المرضية كالإجهاد والاكتئاب والتخدير الموضعي.

لكن سرعان ما اكتشفت الحكومات تأثيراته الصحية والاجتماعية المدمرة لتبدأ العديد من الدول تجريم تداوله واستخدامه في أوائل القرن الـ20.

وما بدأ كمادة طبية للاستخدامات العلاجية تحول إلى آفة مدمرة يعجز العالم عن السيطرة عليها.

وحذَّر تقرير حديث للأمم المتحدة من الزيادة الكبيرة في حجم الاتجار غير المشروع في الكوكايين، لافتاً إلى ارتفاع معدلات زراعة نبات الكوكا بنسبة 35 في المئة في عام 2021 مقارنة بـ2020، في أعلى زيادة سنوية لها منذ 2016، مع ارتفاع عدد مستخدمي هذه المادة المدمرة لأكثر من 21 مليون شخص على مستوى العالم.

محالج القطن

أدى اختراع ماكينات حلج القطن على يد الأميركي إيلي ويتني في عام 1793 إلى إحداث ثورة في صناعة القطن، إذ مكَّن المصنعين من فصل البذور عن الألياف بسرعة وسهولة، وبالتالي زيادة الإنتاجية بشكل كبير.

وعلى الرغم من أن هذه الماكينات أدت لتراجع عدد العمالة اللازمة لفصل بذور القطن عن الألياف يدوياً، فإنها زادت الحاجة إلى الأيدي العاملة لزراعة وحصاد محاصيل القطن، فالأرباح الطائلة التي حققتها المحالج الجديدة أغرت الشركات بزراعة مساحات أكبر من «الذهب الأبيض»، ما زاد حاجتها إلى «الأراضي الزراعية» و«الأيدي العاملة» لزراعة وجني المحصول.

وأدى ذلك إلى ارتفاع قياسي في الطلب على «الرقيق» في جنوب أميركا، ليرتفع عدد الولايات التي تسمح بتجارة الرقيق إلى 6 ولايات في عام 1780 ثم إلى 15 في عام 1860.

وبحلول عام 1860، كان «الرقيق» يشكلون ثلث سكان الجنوب، لتبدأ بوادر الحرب الأهلية تلوح في الأفق، وتُصنف اختراع محالج القطن كأحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب الأهلية الأميركية، نظراً لدورها غير المقصود في زيادة «الرق والعبودية».

مادة الـ«دي دي تي»

كان اكتشاف مادة الـ«دي دي تي» في عام 1873 بمثابة «الحل السحري» للحشرات الحاملة للأمراض المعدية للإنسان، واستخدمها الجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية لمكافحة أمراض مثل الملاريا والتيفويد والطاعون.

وبالفعل، هوت إصابات الملاريا في الولايات المتحدة من 400 ألف حالة في عام 1946 إلى ما يقرب من الصفر في عام 1950، وفقاً لتقرير صادر عن جامعة «أوريغون الأميركية».

وبدأ الاستخدام الموسع لمادة الـ«دي دي تي» في عام 1939 عندما اكتشف عالم الكيمياء السويدي بول هيرمان فعاليتها في مقاومة الآفات الزراعية، وهو الاكتشاف الذي منحه جائزة نوبل في عام 1948.

وبعد الحرب، توسع استخدام الـ«دي دي تي» للأغراض الزراعية بشكل جنوني بسبب قوة تأثيرها، وانخفاض تكلفة إنتاجها، وبقائها في البيئة لفترة أطول.

ومع الوقت، اكتُشفت الآثار المدمرة لتلك المادة على صحة الإنسان والكائنات الحية نظراً لقدرتها على البقاء في البيئة لوقت طويل وتراكمها في الأنسجة الدهنية الحية، ليُحظر استخدامها دولياً منذ عام 1972.

وعلى الرغم من حظرها منذ أكثر من 50 عاماً، ما زالت مادة الـ«دي دي تي» تضر بالنظم الإيكولوجية حتى اليوم، إذ وجد الباحثون آثاراً متبقية من تلك المادة السامة في البحيرات الكندية بعد مرور أكثر من نصف قرن على رشها، وفقاً لدراسة منشورة في مجلة «العلوم البيئية والتكنولوجيا» التابعة للجمعية الكيميائية الأميركية.

الديناميت

قبل عام 1866، كان العالم يعتمد على مادة النيتروغليسرين لأغراض التفجير المختلفة مثل حفر الطرق والقنوات والأنفاق والمناجم، لكن يُؤخذ عليها أنها كانت مادة غير آمنة إذ يمكنها الانفجار من تلقاء نفسها في أي وقت دون سابق إنذار، وهو ما أودى بحياة شقيق عالم الفيزياء السويدي ألفريد نوبل في ذلك الوقت، والذي لقى حتفه نتيجة انفجار مفاجئ بأحد مصانع العائلة.

وبعد هذه الحادثة، سعى ألفريد نوبل لتطوير مادة أكثر أماناً يمكنها إنجاز أعمال التفجير المطلوبة بشكل أسرع وأقل خطراً، وبالفعل توصل إلى تركيبة أكثر أماناً من النيتروغليسرين وأطلق عليها اسم «الديناميت».

وكان نوبل يتخيل وقتها أن اختراعه سيسهم في إنقاذ الأرواح وجلب السلام للعالم، إذ قال في إحدى رسائله للكونتيسة النمساوية الداعية للسلام، بيرثا فون، «مصانعي ستضع حداً للحروب أسرع من مؤتمراتك، فعندما يعلم الجيشان المتصارعان أنه يمكنهما إبادة بعضهما البعض في ثانية واحدة، فستعمل الدول المتحضرة على حل جيوشها خشية العواقب»، لكن لحسن حظه، لم يعش نوبل حتى الحرب العالمية الأولى ليدرك مدى خطأ معتقداته ويشهد ملايين الأرواح التي حصدها اختراعه.

وبعد الاستخدام الموسع للديناميت في الحروب، بدأ نوبل يشعر بالذنب ليقرر تخصيص جزء كبير من ثروته كجوائز للاختراعات العلمية التي تخدم السلام وتقدم فائدة حقيقية للبشرية.

فبرأيك، هل تكفي هذه البادرة الطيبة لمحو الآثار المدمرة لاختراع نوبل؟