وقع الخبر عليها وقع الصاعقة، تحكي (م.ف) البالغة من العمر 34 عاماً عن مشاعرها حين شُخصت بسرطان الثدي فتقول «حين أخبرني الطبيب أن عليّ الخضوع لجراحة إزالة ثديي، شعرت أن أنوثتي قُتلت، وانهرت من مجرد تخيل أن العملية الجراحية ستشوه جسمي، وأن باب الزواج أُغلق في وجهي».
سرطان الثدي هو السرطان الذي يتشكل في خلايا الثدي، وهو واحد من أكثر السرطانات شيوعاً، ومن الممكن أن يصيب سرطان الثدي الرجال والنساء، لكنه أكثر شيوعاً عند النساء.
كانت (م.ف) تشعر بآلام شديدة في ثديها خلال دورتها الشهرية، وفي أحد الأيام شعرت بكتلة غريبة في أحد ثدييها وظهرت بقعة وردية اللون على جلدها، ما دفعها إلى زيارة الطبيب.
تقول (م.ف) «بإجراء الإجراءات المطلوبة تبين وجود ورم في أحد ثديي، ولكن لم تُكشف طبيعته»، وأضافت «كان على الفريق العلاجي أخذ عينة من الورم لتحليلها، ولكني تأخرت في اتخاذ هذا الإجراء بسبب معلومة مغلوطة جعلتني أظن أنه قد يتسبب في تحويل الورم من حميد إلى خبيث».
استطاعت (م.ف) تقبل الأخبار الجديدة في خلال ساعة واحدة من خروجها من مكتب الطبيب، بسبب وجود أخيها معها الذي ساعدها في تقبل الأمر بإضفاء روح مرحة على الموقف.
كانت أولى خطوات مرحلة العلاج هي الخضوع لجلسات العلاج الكيماوي، وعلى عكس ما اعتادت سماعه، لم تتألم (م.ف) خلال الجلسات لسببين: تقول «حين شُخصت بالسرطان، كان خوفي من العلاج الكيماوي أول ما شعرت به، إذ اعتدت سماع أن ألم العلاج الكيماوي لا يُحتمل، لكني لم أشعر بهذا حين بدأته، إذ كنت أخضع لجلسة من العلاج المصاحب للعلاج الكيماوي لتخفف آلامه، وتمنع بعض أعراضه الجانبية». وتضيف «قبل بدئي العلاج كنت أمارس الرياضة بشكل منتظم، وساعدني هذا على تحمل مرحلة العلاج، وتجنب مضاعفاته».
وتضيف «بعد الجلسة الثانية من العلاج الكيماوي، بدأ شعري بالتساقط، ما جعلني أؤجل غسله لعدة أيام خوفاً من أن يتساقط كله أثناء الاستحمام». وهو ما حدث بالفعل، ما دفع والدها إلى مساعدتها في حلق رأسها بعد الاستحمام، تعلق (م.ف) على الأمر قائلة «كانت لحظة صعبة عليه، ولكننا نضحك الآن حين نتذكر الموقف».
جهود التوعية بسرطان الثدي
تتزايد الجهود العالمية للتوعية بأهمية الكشف المبكر لسرطان الثدي، وتقول د. هدى عزت، استشاري جراحات أورام الثدي التجميلية بمستشفى السلام الدولي بالقاهرة الجديدة، إن نسبة الشفاء ترتفع في حالة اكتشاف الورم السرطاني في الثدي مبكراً لتتراوح بين 90 و95 في المئة.
تعتبر معظم أنواع سرطان الثدي قليلة الشراسة ما يُصعّب عودتها مرة أخرى وظهورها من جديد خلال العامين التاليين للعلاج.
وتقول الطبيبة، الحاصلة على دكتوراه في الجراحة العامة وعضو الكلية الملكية للجراحين في لندن، إنه على الأطباء التحلي بالصبر والتعاطف عند إخبار مريضة سرطان الثدي بحالتها الصحية، إذ تؤكد الطبيبة أن معظم المريضات يشردن بأذهانهن إلى ما بعد مرحلة العلاج، وتخطر بأذهانهن عدد من الأسئلة لها علاقة بإزالة الثدي، وشكل الجسم بعد العملية الجراحية، إذ يمثل الثدي تعبيراً أنثوياً ظاهراً لكل سيدة.
ساعد الدعم الكبير للتوعية بسرطان الثدي وتمويل الأبحاث على إحداث تقدم في تشخيص سرطان الثدي وعلاجه، فقد زادت معدلات النجاة من سرطان الثدي، إذ استطاعت بعض البلدان خفض الوفيات الناجمة عن سرطان الثدي بمعدل 2 إلى 4 في المئة سنوياً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، كما انخفض عدد الوفيات المرتبطة بهذا المرض في البلدان ذات الدخل المرتفع بنسبة 40 في المئة منذ ثمانينات القرن الماضي حتى عام 2020، وفقاً للمنظمة. ويرجع ذلك إلى عوامل مثل الاكتشاف المبكر، واتباع نهج شخصي جديد للعلاج وفهم أفضل للمرض.
الكشف المبكر لسرطان الثدي
أكدت د. عزت أن الاكتشاف المبكر للمرض يُحدث فارقاً عظيماً في نتائج العلاج وفرص النجاة.
ونصحت د. عزت بإجراء فحص ذاتي للثدي بداية من عمر عشرين عاماً على الأقل مرة شهرياً، ويُفضّل أن تجريه كل فتاة أو سيدة لذاتها في الأسبوع التالي لأسبوع الدورة الشهرية، إذ ترى د.عزت أن تلك العادة ستُكسب الفتاة دراية بالشكل والملمس الطبيعيين لثدييها، ما يساعدها على اكتشاف أي خلل قد يطرأ عليهما لاحقاً.
وتحث الطبيبة السيدات اللاتي ينتظمن على علاجات هرمونية بعمل فحص طبي للثدي سنوياً، وأن تبدأ السيدات ذوات التاريخ العائلي المرتبط بسرطان الثدي من عمر الثلاثين بالخضوع لفحص طبي مرة واحدة على الأقل سنوياً يتضمن إجراء أشعة تليفزيونية على الثديين، في حين تخضع بقية السيدات من عمر الأربعين لعمل فحص سنوي للثدي يتضمن أشعة تصوير الثدي بالأشعة التليفزيونية والأشعة السينية (الماموغرام).
سرطان الثدي لا ينتقص من الأنوثة
لطالما عنت الإصابة بسرطان الثدي، فقدانه للأبد، ولكن مع تطور الطب أصبح من الممكن اكتشاف نوع وحجم وشكل وموقع الورم بدقة، كما أصبح من الممكن تحديد درجة شراسة الورم ومدى انتشاره بشكل يقلل من ضرورة إزالة الثدي بأكمله في معظم الحالات.
وتقول د. عزت إنه في بعض الحالات قد تتطلب الحالة إزالة الثدي مع الحفاظ على الجلد، أو على الجلد والحلمة ما يساعد على استعادة شكل الثدي من جديد عن طريق إعادة ملئه سواء بعضلات ودهون من الجسم أو بمادة السيليكون ما يكسبه شكلاً طبيعياً، وتضيف أنه حتى في حالة إزالة الجلد بأكمله هناك طرق طبية تساعد على تمدد الجلد وخلق حيز لإعادة بناء الثدي.
بعد انتهائها من العلاج الكيماوي، خضعت (م.ف) لعملية إزالة كاملة للثدي، إذ تقول «مع الأسف انتشرت خلايا سرطانية في كل أنحاء الثدي ما تطلب إزالته بالكامل»، ولكنها أكدت أن تلك العملية لم تؤثر على شعورها بأنوثتها على الإطلاق، كما كانت تظن، وهي تخضع الآن لعملية تمدد تدريجي لجلد الثدي ما يسمح لها بإعادة بنائه من جديد، وتؤكد «أنا كائن كامل مثلما كنت، لم ينقصني شيء، والحياة جميلة».