كشف موقع « يوتيوب» مؤخراً عن مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها مساعدة المبدعين في الوصول إلى الجماهير ودعم انتشار المحتوى المرئي، الأمر الذي سيعزز الإعلانات لديهم، ما يحفز بدوره أرباحهم، فهل سينعكس ذلك على أرباح الشركة؟ بمعنى آخر، هل ستتأثر أرباح الشركات بفضل الذكاء الاصطناعي؟

مع الانتشار الكبير لأداة «تشات جي بي تي»، التي سلَّطت الضوء على مفهوم الذكاء الاصطناعي، وقدراته المتعددة، وكيفية تهديده العديد من الوظائف الحالية، ومع إعلان وصول عدد مستخدمي «بينغ» إلى 100 مليون بفضل الذكاء الاصطناعي، دخلت العديد من الشركات سباقاً على اقتناص فرص الأسبقية في محاولة لجني الأرباح.

لكن الأمر لم يكن جديداً، فتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي موجودة بالفعل في العديد من المواقع والتطبيقات التي استفادت منها على مر السنوات، سواء بزيادة عدد المستخدمين، أو جذب المزيد من الإعلانات، ومن ثم تحقيق الأرباح للمؤثرين والمبدعين، أو ارتفاع القيمة السوقية للشركات نفسها.

أرباح بعض الشركات بفضل الذكاء الاصطناعي

لفتت تحليلات «سنسورتاور» إلى ارتفاع أرباح الشركات بفضل الذكاء الاصطناعي، إذ كشفت عن النسبة الأكبر للرابحين، والتي تصدرتها الولايات المتحدة الأميركية، ثم المملكة المتحدة، والصين، واليابان.

فما أبرز التجارب العالمية التي حققت أرباحاً بالفعل؟

«سيري» يطلق شرارة جديدة

يجيب مساعد «أبل» الافتراضي «سيري» عن أسئلة المستخدمين وينفذ المهام مع التكيف مع استخدامات وتفضيلات اللغة، ويعتمد هذا المساعد الافتراضي على شبكة عصبية عميقة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

على الرغم من الانتشار الحالي للترحيب بـ«سيري»، فإن هذا المساعد الافتراضي كان طفرة كبيرة منذ نحو 12 عاماً، إذ أطلق عقب يوم واحد من وفاة المؤسس ستيف جوبز.

وأسهم ذكاء «سيري» الاصطناعي في ارتفاع مبيعات هاتف «آيفون إس 4»، وفقاً لما أعلنته شركة «أبل» حينذاك، وهو الهدف الذي كانت تسعى إليه الشركة، وقالت «أبل» إنها حققت أرباحاً قوية، وتمكنت من بيع نحو أربعة ملايين من جهاز الهاتف في الأيام الثلاثة الأولى لطرحه، كما سجَّل رقماً قياسياً في عدد الطلبات عبر الإنترنت في السابع من أكتوبر لعام 2011.

ووصل عدد مستخدمي «سيري» في 2023، إلى 660 مليون مستخدم لأجهزة «أبل» شهرياً.

«فيس آب» لرفاهية المستخدم

يعتمد عالم التواصل الافتراضي على التواصل فعلياً مع المستخدم، وبسؤال بسيط يثير فضوله مثل كيف ستبدو في أرذل العمر أو هل تريدين معرفة شكلك كفرد من الجنس الآخر؟ استطاع تطبيق «فيس آب» أن يجذب المستخدمين بتقنية تحرير الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي.

فور إطلاقه في عام 2017، شهد التطبيق نحو 16.6 مليون عملية تحميل على نظامي «آي أو إس»، و«أندرويد» في شهر واحد، وفقاً لبيانات «ستاتيستا»، ومع زيادة عدد التنزيلات التي فاقت المئة مليون، وصل عدد مسخدمي التطبيق إلى 34.1 مليون مستخدم نشط يومياً، وفقاً لأحدث تحليلات «آب توبيا».

انعكست هذه العملية على الأرباح، إذ حقق التطبيق نحو 9 ملايين دولار في أغسطس آب 2023، حسب تحليلات «سنسورتاور»، علماً أن إيراداته بلغت نحو 80 مليون دولار في 2022.

هل كانت كل التجارب ناجحة؟

على الرغم من نجاح الكثير من الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فإنها سلاح ذو حدين، فالثغرات التي تصيب التكنولوجيا في بعض الأحيان شكّلت سبباً في فشل العديد من الشركات، أو بالأحرى كبدتها الخسائر.

«بارد» وجهاً لوجه أمام مساعد «غوغل»

أطلقت شركة «غوغل» مساعدها الافتراضي المدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عام 2016، وحقق نجاحاً مدوياً حتى وصفه البعض بأنه أفضل من «سيري».

توقع الخبراء أن تجني شركة «غوغل» الأرباح بسبب مساعدها الآلي، إلا أن الشركة حتى 2017، لم تظهر الأرباح فعلياً بسبب هذه الأداة على الرغم من نجاحها وانتشارها على نظامي «أندرويد»، و«آي أو إس».

وعلى عكس «سيري» الذي أبصر النور بهدف تعزيز أرباح شركة «أبل»، فإن خدمة «غوغل» لم تستهدف تحقيق إيرادات كبيرة، وفقاً لما قاله نائب الرئيس الأول للإعلانات والتجارة آنذاك، سريدهار راماسوامي.

كانت تجربة مساعد «غوغل» مذهلة إذ يُستخدم في 90 دولة حول العالم، بأكثر من 30 لغة مختلفة، ويبلغ عدد مستخدميه أكثر من 500 مليون شخص شهرياً.

بعد نجاح تجربة «غوغل» مع مساعدها الافتراضي، تمكنت شركة «ألفابت» الأم من الاستعانة بالذكاء الاصطناعي من جديد، لتطلق « بارد» حتى تلحق بركب السباق الذي أشعله «تشات جي بي تي».

استطاع «بارد» أن يجذب انتباه الملايين حول العالم في انتظار برنامج الدردشة من شركة عُرفت بالإنجازات التكنولوجية، وذهب البعض إلى حد التفكير في إمكانية استبداله لمحرك البحث الأشهر؛ لكن البداية لم تكن وفق التوقعات.

انخفضت أسهم شركة «ألفابت»، بنسبة 9 في المئة في فبراير شباط 2023، بعدما أعطى برنامج الدردشة الآلي الخاص بها إجابة غير صحيحة في العرض التقديمي الأول له، وتكبدت الشركة خسائر بنحو 100 مليار دولار من قيمتها السوقية.

«أليكسا» وفشل الأوامر الصوتية

طوّرت «أمازون» مساعداً آلياً ذكياً كان الأول من نوعه عام 2014، واستهدف «أليكسا» مساعدة العملاء في الحصول على مبتغاهم على موقعها، إضافة إلى تسهيل عملية البحث وتسريع عمليات الشراء عن طريق الأوامر الصوتية، ووصل عدد مستخدميه، نحو 200 مليون مستخدم شهرياً.

لكن بعد مرور ما يقرب من عقد على إطلاقه، يبدو أن نموذج «أمازون» كان عبارة عن أوامر تشغيل الموسيقى أو ضبط مؤقت، والتي لا تدر أي إيرادات تذكر.

وعلى الرغم من بيع أكثر من 100 مليون جهاز يدعم «أليكسا»، واستحواذ المساعد الآلي على حصة سوقية تبلغ 25 في المئة بين المساعدين الصوتيين، فإن الأمر تحول إلى استنزاف أموال ضخمة للشركة.

تشهد «أمازون» أكبر عملية تسريح للعمال في تاريخ الشركة في الوقت الحالي، مع خطة لإلغاء نحو 10 آلاف وظيفة، والمتضرر الأكبر هو وحدة «أليكسا» التي لم تحظَ بشعبية لدى عملاق التجارة الإلكترونية.

ووفقاً لتقرير «بيزنس إنسايدر»، فإن «أليكسا» فشل في جذب الإيرادات لشركة «أمازون»، بل إن الشركة في طريقها لخسارة 10 مليارات دولار هذا العام.

لم تسلم هذه التطبيقات من الجدل، لكن المؤكد أن التكنولوجيا تنعكس بالضرورة على أرباح الشركات بفضل الذكاء الاصطناعي، كما يمكن للسوق أن تستوعب تطور المزيد منها سعياً لجذب العملاء، وتقديم أفضل تجربة للمستخدم، وذلك في وقت هرعت أيضاً العديد من الشركات البارزة إلى حظر استخدام « تشات جي بي تي» داخلياً كلياً، بما في ذلك «جيه بي مورغان تشيس» و«نورثروب غرومان» و«أبل» و«فيريزون» و«سبوتيفاي» و«أكسنتشر»، لأن سلاح الذكاء الاصطناعي قد يكلفهم ثمناً باهظاً.