منذ أكثر من عام، تلقى ألفونزو تيريل بريداً إلكترونياً يُبلغه بتسريحه من منصة إكس (تويتر سابقاً).
كان تيريل، الذي أمضى ثلاث سنوات في رئاسة الفرق الاجتماعية والتحريرية للمنصة، من بين ما يقرب من 3700 موظف تم تسريحهم من الشركة في 4 نوفمبر تشرين الثاني 2022، بعد أسبوع واحد فقط من إتمام إيلون ماسك استحواذه على تويتر، (اسم المنصة وقتها)، بقيمة 44 مليار دولار أميركي.
في ذلك اليوم، نشر تيريل تغريدة قائلاً إن «الوقت قد حان لبناء شيء جديد»، ثم اتصل هاتفياً بصديقه وزميله السابق ديفاريس براون.
وقال تيريل، المعروف أيضاً باسم «فونز» على الإنترنت، لشبكة CNN في مقابلة أجريت معه في سبتمبر أيلول الماضي، «اتصلت به وقلت: أعتقد أن الوقت قد حان للبناء، وإذا فعلنا ذلك معاً أعتقد أن هذا يمكن أن يكون ناجحاً حقاً».
وفي غضون ساعات، وضع تيريل وبراون خططاً لإطلاق تطبيق جديد للاستفادة من خبرتهما في بناء المجتمعات عبر شبكات التواصل باستخدام الإنترنت فضلاً عن معرفتهما بكيفية تفادي بعض المشكلات النموذجية المعروفة التي تعاني منها منصات الوسائط الاجتماعية القديمة.
أرادا أن يصبح هذا التطبيق الجديد يمتاز بكل ما تسعى إليه كل منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، بما في ذلك أن يكون تطبيقاً إيجابياً، آمناً، ويضمن شمول الجميع.
وقد أطلقا عليه اسم سبيل (Spill)، أي انسكب بالإنجليزية، اختارا هذا الاسم تيمناً بالمثل الأجنبي «اسكب الشاي» وهو يعني بداية تداول أطراف الحديث ورواية الأحداث في جلسات النميمة.
ما هو (سبيل) وكيف يختلف عن التطبيقات الأخرى؟
يعمل تيريل منذ سنوات في قطاع بمثابة نقطة وصل بين التكنولوجيا والإعلام والثقافة، إلى حد كبير خلف الكواليس.. وهو الآن يراهن بشكل كبير على مفهوم جربته شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى من قبل، ولكنه فشل باستمرار، ألا وهو إنشاء منصة آمنة ومجزية وناجحة مالياً للمجتمعات المهمشة من وجهة نظره، مثل الأشخاص ذوي البشرة السوداء وغيرهم من المستخدمين المهمشين تاريخياً.
ويقول إن هؤلاء المستخدمين غالباً ما يلعبون دوراً كبيراً في قيادة الثقافة عبر الإنترنت، ولكنهم أكثر عرضة لمواجهة المضايقات، مثل التهديد بالعنف أو الهجمات على هويتهم، أو جعل الآخرين يستفيدون على حساب أفكارهم دون إعطائهم التقدير المستحق.
منصة سبيل ستكون مفتوحة للجميع، ولكن من خلال التركيز على خدمة المجتمعات المهمشة عادةً عبر الإنترنت، بما في ذلك الإشراف على المحتوى الجديد واستراتيجيات الدفع لمنشئي المحتوى، لذلك يعتقد تيريل أن التجربة على المنصة ستكون أفضل لجميع مستخدميها.
وتعتقد قيادة سبيل أن مثل هذه المنصة ستكون أكثر أهمية في أعقاب استحواذ ماسك على إكس؛ إذ أدت تحديثات السياسة والتغييرات في ممارسات الإشراف التي أحدثها على المحتوى -بالإضافة للتصريحات المثيرة للجدل من ماسك نفسه- إلى ارتفاع خطاب الكراهية على المنصة وتركت العديد من المستخدمين يبحثون عن بدائل.
وقال تيريل، الذي يشغل الآن منصب المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة سبيل، «بعد أن عملت في تويتر كنت على دراية تامة بالتحديات التي تواجهها تلك المنصة».
وأضاف «كانت أطروحتنا الأساسية مع سبيل هي التركيز على الدوافع الثقافية، النساء ذوات البشرة الداكنة، والجماعات المضطهدة، والمجتمعات الأخرى التي تقود الثقافة حول العالم والتي غالباً ما تحدد النغمة، والاتجاهات، والمفردات، وكل السحر المذهل الذي يحدث على المنصات الاجتماعية، ولكنهم في نهاية الأمر يحصلون على نصيب الأسد من الكراهية والإساءة ولا يحصلون على المكافأة بالطريقة التي يستحقونها مقابل مساهماتهم».
المنافسة الشرسة
مع مرور وقت كبير من الزمن على إنشاء المنصات الاجتماعية المختلفة، ومع تعلم المنصات القديمة مراراً وتكراراً بالطريقة الصعبة، فإن بناء شبكة اجتماعية آمنة ليس بالأمر السهل، خاصة أن الجهات الفاعلة السيئة أصبحت أكثر تطوراً، وبعيداً عن عوامل الأمان تواجه شركة سبيل أيضاً منافسة شديدة من عشرات المنصات الجديدة التي أُطلقت خلال العام الذي أعقب شراء ماسك لتويتر.
ولكن تيريل يرى أن منصته تختلف جوهرياً عن باقي المنصات على الساحة، ويقول إن كل ما يهمه هو التركيز على أهداف منصته الأساسية وعدم الانشغال أو التشتت بالضجيج الخارجي، وهو يعلم جيداً أن «الجميع يقوم بالشيء نفسه، ولكن منصته سبيل تقوم بشيء مغاير جذرياً».
خبرات متراكمة
خلال الفترة التي قضاها في تويتر، عمل تيريل بشكل فعّال كصوت للعلامة التجارية، إذ كان فريقه مسؤولاً -من بين أمور أخرى- عن إدارة حسابات الشركة الخاصة على المنصة.. وقبل انضمامه إلى تويتر، عمل في مجال التسويق الرقمي والاجتماعي لعلامات تجارية كبرى مثل إتش بي أو، وشو تايم.
في تلك الأدوار، رأى تيريل أنواع المحتوى والمبدعين الذين يقودون المحادثات على المنصات، وهو ما يقول إنه يمنحه فرصة في إنشاء تطبيق جديد لوسائل التواصل الاجتماعي.
ويؤكد تيريل في حديثه أنه يعلم جيداً الفراغ الموجود في المنصات الموجودة حالياً وسابقاً، ألا وهو التركيز على المجتمعات التي في الأصل تقود الاتجاهات السائدة التي يتبعها الجميع بعد ذلك، أي ما يعرف بالترند، لذلك فهو واثق أن لديه ميزة تنافسية ستجعل منصته تتميز وتنجح.
تقابل تيريل مع المؤسس المشارك براون، وهو مطور قضى بعض الوقت في عمالقة التكنولوجيا مثل إنتل، وسيسكو، ومايكروسوفت، وساعد في تأسيس العديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، خلال جولتهما في اليوم الأول من عملهما في إكس، حيث كانا اثنين من الأشخاص القلائل ذوي البشرة الملونة ضمن فريق عملهما في المنصة.
منذ تلك المحادثة الأولى حول إطلاق تطبيق جديد في العام الماضي، قام تيريل وبراون ببناء فريق قوي في وقت قصير لإدارة مشروعهما.
معايير الأمان
وبالحديث عن معايير الأمان يرى تيريل أن معظم الشركات -إن لم تكن جميعها- قد فشلت في تفادي الوقوع في مخاطر الأمان التي تواجه المستخدمين، وهو يرى أيضاً أن هذا ناتج عن عدم إيلاء المسؤولية لأشخاص ممن ينتمون للمجتمعات الأكثر عرضة لهذه التحرشات والمخاطر.
أيضاً من ضمن الأسباب بناء الخوارزميات بصورة قد تجعل التفاعل الأكبر والانتشار على المحتوى المليء بالجدل، والذي بطبيعة الحال يمكن أن يحمل آراء مضادة وأكثر عدوانية؛ لذلك فإن مستخدمي سبيل يتواصلون بالفعل مع ثقافتها، والتي يقول البعض إنها تبدو متميزة على إكس، حيث غالباً ما يكون المحتوى التحريضي أو الاستقطابي هو الأكثر احتمالاً لاكتساب تفاعل قوي ويتم الترويج له بواسطة خوارزميات المنصة.
حرب المستخدمين
منذ إطلاق النسخة التجريبية لنظام التشغيل أي أو إس في يونيو حزيران، قام أكثر من 200 ألف مستخدم بالتسجيل في سبيل وانضم 200 ألف آخرين إلى قائمة الانتظار.
وصل تطبيق سبيل في شهر يوليو إلى أعلى قائمة التطبيقات الاجتماعية الأكثر شعبية في متجر تطبيقات أبل.
لا تزال قاعدة مستخدمي سبيل أصغر بكثير من المنافسين مثل إكس (التي تضم نحو 250 مليون مستخدم نشط يومياً) وثريدز من ميتا (التي تضم 100 مليون مستخدم نشط شهرياً)، لكن عمليات الاشتراك تجاوزت التوقعات الأولية لسبيل، إذ كان الهدف الأصلي للشركة هو أن يكون لديها 100 ألف مستخدم بحلول نهاية عام 2023.
وقال تيريل إن 44 في المئة من مستخدمي سبيل قاموا بالفعل بالنشر على المنصة في غضون 12 ساعة من الانضمام، وينشئ المستخدمون، في المتوسط، 14 مشاركة (تسمى «سبيلز»، أي انسكابات)، وتعليقاً يومياً.
وقد جمعت سبيل أيضاً أكثر من خمسة ملايين دولار من المستثمرين بما في ذلك مركز كابور للتأثير الاجتماعي، وماك فينشر كابيتال.
وقد أبرمت الشركة، التي تخطط في الوقت الحالي لأن يكون لديها نشاط تجاري قائم على الإعلانات إلى حد كبير، صفقات إعلانية مع شركات مثل نتفليكس، وديزني، وأمازون برايم، وفي إتش 1.