في أجواء مشحونة بالحرب والقصف المستمر على غزة من قبل الجيش الإسرائيلي عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول، ظهرت وجوه جديدة بالنسبة للكثيرين وأصبحت بارقة الأمل الوحيدة وسط الدمار الشامل الذي يشهده القطاع.

شباب حملوا على عاتقهم نقل صورة الهجوم الإسرائيلي، وسط عالم يشوبه ما يراه البعض تحيزاً إعلامياً وانتشاراً للمعلومات المضللة، ليعكف هؤلاء الشباب الفلسطينيون على ممارسة الصحافة المستقلة، والتي غالباً ما تُعرف بصحافة المواطنين، ويصبحوا النافذة الأكثر شفافية والأكثر صدقاً في الكشف عن مجريات الحرب على غزة.

من صانع محتوى إلى صحفي حرب

تحول صانعو المحتوى من الشباب الفلسطينيين إلى صحفيين يصورون وينقلون الصورة القاتمة في غزة تحت نيران القصف الإسرائيلي.

ويقول خالد عز العرب، الأستاذ المساعد بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأميركية في القاهرة لـ«CNN الاقتصادية»، إن أهمية صحافة المواطنين باتت أشد وضوحاً في الوقت الراهن «خصوصاً في حالة غزة والسبب الرئيسي في هذا وجود درجة العنف الحالية جداً الحاصلة في هذه الحرب، لذلك فهناك مشكلة كبيرة تتعلق بإمكانية الوصول لأماكن الحدث وفي قدرة الصحفيين على الوصول إلى موقع الخبر».

وأضاف أنه أصبح هناك فراغ أو ثغرة ما في تغطية بعض الأحداث، «فبالتالي أصبح وجود المواطنين العاديين الذين يقومون بدور الصحفي أمراً مهماً لسد هذه الثغرة».

وترى لينا الغضبان، وهي صحفية مستقلة، وأستاذ غير دائم للصحافة التلفزيونية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أن أهمية صحافة المواطن تكمن في كونها «تُعطي بدائل وخيارات إضافية بجانب الصحافة التقليدية التي من الممكن أن تكون موجهة أو تابعة لدول وبالتالي مقيدة بأجندات تلك الدول أو تابعة لمؤسسات وبالتالي مقيدة بسياسة تحريرية محددة».

أما عز العرب، فيرى أنه ليس شرطاً أن يكون الشخص تابعاً لمؤسسة كي يمتلك أجندة معينة، إذ يمكن للفرد العادي أو الشخص الذي ينتج محتوى مستقلاً أن يتبنى أجندة ما، وأضاف موضحاً، «امتلاك أجندة ليس بالضرورة معناه أن هذا الشخص لا يحمل مصداقية، ولكن ما أعنيه بالأجندة هو اتخاذ موقف معين، ولكن لا يعني هذا تغطية مضللة».

ومن بين هؤلاء الصحفيين المواطنين المستقلين ظهر شباب في مقتبل العمر، منهم أسماء اعتاد سماعها مؤخراً كل من يتابع الأحداث الجارية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

معتز عزايزة

هذا الشاب الفلسطيني الذي تخرج حديثاً من جامعة الأزهر في غزة بعد أن درس اللغات والترجمة وحصل على شهادة الآداب للغة الإنجليزية، وجد نفسه ضمن الآلاف ممن يعانون في تصور كيفية مستقبلهم داخل القطاع المحاصر الذي يعاني من بطالة هائلة، ليقرر أن يتبع شغفه بالتصوير الفوتوغرافي وينشئ صفحة على إنستغرام يلتقط فيها بشكل أساسي صوراً للحياة اليومية في غزة.

كان حلمه البسيط أن يجوب العالم ويوثق كل ما هو جميل بعدسته، لكن تشاء الأقدار أن يتحول من صانع محتوى يعكس الأمل والبهجة إلى صحفي مستقل يصور وينقل المشاهد القاسية الناتجة عن قصف غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يغطي فيها معتز أحداث الحرب على غزة، فقد قام بتغطية الهجمات الإسرائيلية في 2014 و2021، وبالرغم من ذلك لم تكن تغطيته تتلقى المتابعة الهائلة التي حصل عليها هذه المرة، ففي السابع من أكتوبر تشرين الأول كان عدد المتابعين لصفحة معتز على الإنستغرام لا يتعدى الـ25 ألف متابع، لكن الآن بلغ عدد متابعيه أكثر من 14 مليوناً.

بيسان عودة

شابة فلسطينية كانت تعمل صانعة محتوى ومخرجة أفلام، عُرفت بـ)الحكواتية(، أي من تحكي الحكايات، وهو أيضاً اسم أحد برامجها الدائمة التي تصنعها لصفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي، لتحكي فيه تراث بلدها وحكايات أخرى كثيرة لكل الأماكن التي سافرت إليها.

كانت تملك استوديو صغيراً تصنع منه المحتوى، لكنها فقدته في القصف الإسرائيلي الذي بدأ على غزة في أكتوبر تشرين الأول 2023، ليتحول كل محتواها إلى الصورة الدامية القادمة من أنحاء غزة.

بلستيا العقاد

مثلها مثل باقي زملائها، كانت هذه الصحفية الفلسطينية الشابة المفعمة بالحياة تنقل صورة مشرقة عن بلدها المحاصر وتظهر جماله بالرغم من كل الآلام والمعاناة، لكنها وجدت نفسها منذ بداية الحرب الأخيرة تنشر معاناة أبشع وأكثر مرارة من أي شيء سبق.

ينقل هؤلاء الشباب بالإضافة لكثيرين غيرهم بكل بسالة وصمود الوضع الكارثي المتفاقم في غزة، حيث يمسي ويصبح العالم كل يوم على تطورات أكثر ضراوة من اليوم السابق.

كل هذا وأكثر أصبح يراه العالم عبر نافذة هؤلاء المواطنين الفلسطينيين الذين تحولوا لصحفيين ناقلين للمشهد الحالي في غزة من خلال منصات التواصل الاجتماعي.

مهمة ليست سهلة

يتعرض هؤلاء الصحفيون في نقلهم المشهد الكامل في غزة إلى العديد من العقبات والمشكلات، فهم محاصرون بالقصف المتواصل الذي يحول بينهم وبين الوصول لأماكن تغطية الأحداث، ناهيك عن المخاطر الدائمة التي تهدد حياتهم إثر التعرض للانفجارات المحيطة بهم والقريبة منهم.

هم أيضاً يعانون لإيجاد أبسط السبل والوسائل للقيام بعملهم، فشحن الهواتف أصبح رفاهية غير متوفرة لعدم وجود الكهرباء، طاقتهم أصبحت تتلاشى مع استمرار شح الموارد من ماء وغذاء، صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي تتعرض لمحاولات الحذف والحجب وحتى الاختراق، بالإضافة لاتهامهم الدائم من قبل الطرف الإسرائيلي بانتمائهم أو دعمهم لحركة حماس.

وقد أُجبروا كذلك على النزوح إلى الجنوب تاركين كل شيء خلفهم في شمال القطاع، وظل القليل جداً منهم ليستمروا في تغطية الكوارث الإنسانية التي تجري في شمال غزة.

ما هي صحافة المواطنين؟

صحافة المواطن هي اشتراك المواطن في نقل الصورة والأحداث وقيامه بدور الصحفي، حتى إن كان ليس دارساً لمهنة الصحافة أو علوم الإعلام، وذلك باستخدام أدوات بسيطة مثل كاميرا الهاتف وغيرها من الأدوات المتاحة.

ويعتقد عز العرب أن لقب صحفي مواطن لا يجب منحه لأي شخص، بل من الأجدى أن يُطلق على من يقومون بتغطية مستمرة ومتسقة للأحداث وليس فقط كصورة عابرة لمرة أو مرتين. فعلى سبيل المثال يمكن لأي مواطن أن يقوم بتوثيق حدث ما أو واقعة محددة عن طريق كاميرا الهاتف المحمول، و«في هذه اللحظة قام هذا الشخص بدور الصحفي في توثيق الأمر أو نقل الصورة لكن لا يمكنني أن أطلق عليه بشكل عام لقب صحفي مواطن لأن هذا ليس بالشيء المعتاد الذي يقوم به الشخص».

ويرى أيضاً أن أمثلة مثل معتز عزايزة وبيسان وبلستيا وغيرهم ممن يقومون بالدور نفسه هم بالأحرى صحفيون مواطنون لما يتصف به محتواهم من ديمومة.

وكشفت دراسة حديثة عن أهمية صحافة المواطن أثناء الهجمات الإسرائيلية على غزة، والتي تم توثيقها بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق ممارسة صحافة المواطن من قبل عدد من الشباب الفلسطينيين وصناع المحتوى.

تضمن هذا البحث النوعي تجميعاً ووصفاً وتحليلاً واضحاً لواقع تأثير صحافة المواطن على التغطية الإخبارية للهجمات الإسرائيلية على غزة.

واقتصرت الدراسة الحديثة التي نُشرت في أغسطس آب الماضي، تحت عنوان (أثر صحافة المواطن في التغطية الإخبارية للاعتداءات الإسرائيلية على غزة)، على الممارسات الصحفية على وسائل التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن خلال الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ عام 2008.

ومن وجهة نظر الغضبان فإن صحافة المواطن والصحافة المستقلة التي يقدمها صحفيون محترفون لكنهم مستقلون عن أي مؤسسات، قد شهدت إقبالاً «خلال هذا العدوان بشكل كبير جداً مقارنة بمرات سابقة، بسبب إخفاق الصحافة التقليدية المؤسساتية».

وأضافت «الصحافة الغربية خاصة مؤسسة عريقة مثل بي بي سي التي طالما بحث عنها الجمهور خلال الأحداث الساخنة لم ترقَ للمستوى المهني المطلوب وقدمت مثل كثير من الصحافة الغربية تعاطفاً مع الجانب الإسرائيلي وتبنت الروايات الإسرائيلية دون تدقيق وابتعدت عن أي موضوعية في الطرح».

ويقول عز العرب إن صحافة المواطنين بالرغم من أهميتها، ولكنها لا بد من أنها تحمل بعض السلبيات أيضاً، «فهناك دائماً علامة استفهام على درجة المصداقية التي يمكن أن تمنح لمحتوى الصحفيين المواطنين» وأوضح أنه يمكن قياس درجة المصداقية لهؤلاء ممن يقومون بإنتاج كمية مناسبة وجيدة من المحتوى، ولكن إذا رأينا أشخاصاً عابرين لا يقومون بالنشر بشكل مستمر فستكون هناك علامة استفهام على درجة المصداقية.

وتابع قائلاً «على عكس القنوات الإعلامية التي يمكن الحكم عليها بسبب كميات الإنتاج الكبيرة، لذلك يمكن تحديد ما إذا كانت هذه القنوات تتمتع بالمصداقية أم لا وأيضاً سيتكمن المشاهد من تحديد درجة الثقة التي سيعطيها لهذه القناة».

واستعرضت دراسة صحافة المواطن أثر وسائل التواصل الاجتماعي في قيادة صحافة المواطن، بالإضافة لدور صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي في تعبئة وتوجيه الرأي السياسي العام، الأمر الذي وظفه الصحفيون المستقلون لمساعدتهم في تغطية الأحداث في غزة.