لطالما أبرزت مؤتمرات المناخ والفعاليات البيئية انقسامات عميقة بين فريقين حول كيفية مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، فمن ناحية تسعى الحكومات والعاملون في مجال البيئة من أجل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، في حين تُوجَّه إليهم أصابع الاتهام بالتقاعس من قِبل الناشطين البيئيين.
وفي مؤتمر الأطراف كوب 28 الذي تستضيفه دبي، اقترب الفريقان أكثر من ذي قبل، ليجتمعا على الطاولة نفسها، المشهد الذي يراه البعض فرصة للتوصل لحلول فعّالة، بينما يراه آخرون غسلاً أخضر، أي مُحاولة جديدة لإحداث دعاية إعلامية بشأن أزمة المُناخ دون اتخاذ أي مسار حقيقي للتصحيح.
الصوت المُحذِّر
تزايد إنتاج النفط سنوياً على مدار العقدين الماضيين، فخلال العام الماضي أنتج العالم 93.9 مليون برميل من النفط الخام يومياً، وبالمثل ارتفع الاستهلاك العالمي من النفط عاماً بعد عام، باستثناء أعوام 2008 و2009 و2020، وباحتراق الوقود الأحفوري تُطلَق غازات تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
بدأت التحذيرات منذ عقود، وبالفعل شملت اتفاقية باريس عام 2015 تعهدات بالحد بشكل كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية للحد من ارتفاع درجة الحرارة لئلا تتخطى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
حتى الآن ارتفعت درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.1 درجة مئوية مقارنة بعهد ما قبل الصناعة، وترتب على ذلك عدد كبير من الظواهر المتطرفة التي شهدناها مؤخراً، فخلال الصيف الماضي وصلت درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة لتجعل العام الجاري أشد الأعوام حرارةً.
تتسبب الحرارة المرتفعة في ظواهر مناخية شديدة القسوة، مثل الجفاف و العواصف الترابية والفيضانات وحرائق الغابات، كما تؤثر على التنوع البيولوجي، وتتسبب الحرارة في الوفيات، إذ رجحت أبحاث منظمة الصحة العالمية أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق شديدة التعرض لتغير المناخ، ومن المتوقع أن يتسبب تغير المناخ بين عامي 2030 و2050 في نحو 250 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً، بسبب نقص التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري التي تتسبب فيها الحرارة شديدة الارتفاع.
كما ارتفع كم الانبعاثات الكربونية بشكل مجحف منذ عام 1995، حين انعقد مؤتمر الأطراف لأول مرة، وحتى الآن، ما يؤجج غضب النشطاء البيئيين ويسحب ثقة العالم في جدوى الاتفاقيات التي تُبرم والوعود التي تُعلن من قبل المسؤولين في القطاعَين العام والخاص، ويشير إلى أهمية التحول الطاقوي ووقف استخدام الوقود الأحفوري بأسرع وقت ممكن.
الصوت الحَذِر
من ناحية أخرى، من الصعب أن نتخيل عواقب التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري بشكل مفاجئ.
فمنذ أكثر من 150 عاماً اعتمدت البشرية على الوقود الأحفوري في حياتها اليومية، ولا نستطيع أن ننكر أن البشرية مدينة للوقود الأحفوري كونه كان اللبنة الأساسية للتقدم، بدءاً من الاستخدام واسع النطاق للفحم واختراع المحرك البخاري في أواخر القرن الثامن عشر، وآبار النفط الأولى في منتصف القرن التاسع عشر، وتطوير المرافق الكهربائية في أواخر القرن التاسع عشر، زوّد الوقود الأحفوري العالم بالطاقة الصناعية التي انتشلت البشرية من عيش الكفاف ودشنت عصراً جديداً من الازدهار التكنولوجي غير المسبوق.
كانت وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية مريم المهيري قالت في مقابلة لرويترز، في مايو أيار الماضي، إن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري سيضر بالدول التي تعتمد عليه في إيراداتها، وتلك التي لا تستطيع استبداله بمصادر متجددة بسهولة.
وفضلت التخلص التدريجي من انبعاثات الوقود الأحفوري باستخدام تقنيات الاحتجاز والتخزين مع تكثيف الطاقة المتجددة، قائلة إن هذه الاستراتيجية تتيح للدول مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري مع الاستمرار في إنتاج النفط والغاز والفحم، وهي بذلك تردد أصداء شريحة كبيرة من الدول الغنية، ومصنعي النفط.
وخلال فعاليات مؤتمر الأطراف هذا العام، صرح وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي، في لقاء مع «CNN الاقتصادية»، بأن التوقف عن إنتاج الوقود الأحفوري الآن سيتسبب في ارتفاع الأسعار، وتعطيل الانتقال السلس نحو الطاقة النظيفة.
كوب 28.. طاولة تجمع الغريمين
مؤتمر المناخ ببساطة هو فرصة لاجتماع قادة العالم للاتفاق على طرق لمعالجة أزمة المناخ بشكل تدريجي.
قد تتحقق تلك الرؤية أكثر من أي وقت مضى هذا العام، فلأول مرة منذ بدء انعقاده يقع الاختيار على رئيس شركة نفط كبرى ليترأس الحدث المناخي الأبرز في العالم، فاختيار سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات، يشحن تفاؤل البعض كونه يُحضِر صوت الطرف المُلام عادةً، في مثل تلك الفعاليات، إلى الطاولة، ما يساعد على طرح نقاشات أوسع قد تُسهم في حل فعّال.
يبقى الوقت هو الحكم الأهم في هذا الموقف، فبعد عامٍ من الآن، وخلال مؤتمر الأطراف كوب 29، سيكون من السهل النظر إلى الوراء ومعرفة ما إذا كان كوب 28 نجح في مقاربة الآراء للتوصل إلى حلول مُجدية وقابلة للتنفيذ، أم كان مجرد محاولة أفشلها التشدد وقضت عليها المصالح.