يؤثر تغير المناخ على الجميع، لكنه لا يؤثر على الجميع بالتساوي. وتتفاقم قابلية التأثر بتغير المناخ بسبب عدم المساواة والتهميش المرتبط بالجنس، والانتماء العرقي، وانخفاض الدخل، وغيرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.

وبسبب المسؤوليات التي تحملها على عاتقها تجاه الأسرة، والأدوار التي تلعبها في المجتمع، كثيراً ما تدفع المرأة ثمناً باهظاً بسبب التغيرات المناخية مقارنة بالرجل، خاصة في حالات الفقر.

وعندما تؤخذ تلك الحقيقة في الحسبان، يمكن التوصل إلى حلول أكثر فاعلية.

النساء يَدفعنَّ الثمن

على الصعيد العالمي، يشهد العالم حالات جفاف وفيضانات متكررة بشكل متزايد.. بجانب العواقب الاقتصادية شديدة الوطأة، تتسبب تلك الكوارث في معضلات اجتماعية عميقة، غالباً تتحملها النساء.

ذكر بحث نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة تحت عنوان (النساء يواجهن التغير المناخي من الصفوف الأمامية)، أن النساء كنّ على رأس ضحايا الاتجار بالبشر من قِبل المنظمات الإجرامية خلال الكوارث الطبيعية مثل الجفاف أو الفيضانات، نتيجة لتشتت المجتمعات المحلية وتعطل أنماط الحماية في الأسر والمجتمع.

وخلال فعاليات مؤتمر الأطراف العالمي، قالت صفاء الجيوسي، مستشارة العدالة المناخية في منظمة «أوكسفام»، لـ «CNN الاقتصادية» إن النساء والأطفال واليافعين يشكلون الحلقة الأضعف في مواجهة تبعات التغير المناخي، وتسترسل قائلة «سواءٌ على المستوى الصحي، أو العنف المبني على النوع الاجتماعي أو البحث عن الموارد، إذ تفتقر العديد من المناطق للمياه، فيكون على المرأة أن تبحث عن الموارد»، كما أشارت في حديثها إلى تأثير التغير المناخي على الصحة الإنجابية والصحة الجنسية للنساء خصوصاً في المناطق التي تعاني شح المياه.

فبعد وقوع كارثة طبيعية، قد تدفع التحديات الاقتصادية والأمنية النساء المعيلات إلى البحث عن الإغاثة المؤقتة والمأوى وظروف معيشية وسط انعدام الأمن، ما يجعلهن أهدافاً محتملة للاستغلال والاتجار بالبشر.

كان منشور خاص للأمم المتحدة صدر تحت عنوان ( لحماية الأجيال القادمة)، قال إن تعرض المرأة لتغير المناخ ينبع من عدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وسبعون في المئة ممن يعيشون تحت خط الفقر في العالم من النساء، وفي المناطق الحضرية، تُعيل النساء 40 في المئة من الأسر الأكثر فقراً.. كما تهيمن النساء على إنتاج الغذاء في العالم بمعدل يتراوح بين 50 و80 في المئة.. وعلى الرغم من ذلك فهن يمتلكن أقل من 10 في المئة من الأراضي، ولديهن مشاركة ضئيلة في صنع القرار.. وبالتالي، فإن النساء أقل قدرة على مواجهة تغير المناخ.

في العديد من المجتمعات، تمنع الأعراف الاجتماعية والثقافية ومسؤوليات رعاية الأطفال النساء من الهجرة أو البحث عن ملجأ عند وقوع كارثة، الأمر الذي يُلزم النساء بأماكنهن المنكوبة ويصَعِّب مهامهن اليومية تجاه أسرهن، وبالتالي يقلل فرصهن في الحصول على التعليم المناسب والتعرض لقدر ملائم من التوعية البيئية.

على الرغم من أن النساء هن أكثر المتضررين من تبعات الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي، فإنهن يضربن مثالاً حياً على التكيف، وأملاً في إحداث فارق.

النساء أكثر اهتماماً بالبيئة

تعبر النساء عن نية أقوى للاستهلاك المسؤول بيئياً، ويُفضلن شراء المنتجات الصديقة للبيئة أكثر من الرجال، وفقاً لبحث نُشر بواسطة الناشر العلمي ( فرونتيرز) تحت عنوان (علاقة المعتقدات المتعلقة بالجنسين بالاستهلاك الأخضر).

إذ بحسب التقرير، يُظهر الرجال قبولاً أقل للمنتجات الخضراء ويشكون في فاعلية هذه المنتجات وفوائدها البيئية.. فعادة ما يحدد الرجال ما إذا كانوا سيشترون المنتجات الخضراء بناءً على وظيفتها واستخدامها.

أما بالنسبة للنساء فيُدفعن بواسطة التأثيرات البيئية للمنتجات ذاتها بغض النظر عن كونها عملية أو لا.. من ناحية أخرى، يُعزز تأييد القضايا البيئية هويتهن الذاتية، ويظهر هذا التأثير في الأعمار الصغيرة أيضاً، إذ تُظهر الفتيات المراهقات نية أقوى للاستهلاك الأخضر مقارنة بأقرانهن الذكور، ويُشجعن بعضهن بعضاً على أداء بيئي أفضل، وفقاً للبحث.

وذكر البحث أن دراسات سابقة أثبتت أن الرجال عادة ما يتسببون في انبعاثات كربونية أكثر من النساء، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بطرق سفرهم وعاداتهم الغذائية واستخدام المواد مثل التبغ أو الكحول.. وتميل النساء في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية إلى تناول المزيد من الخضار أو الفواكه، وإنفاق المزيد من المال على شراء الأطعمة العضوية، كما يهدر الرجال طعاماً أكثر من النساء.

عمل جماعي

وفقاً لموقع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المُناخ (كوب 28)، فإن تمكين المرأة له دور محوري في التصدي لأزمة المناخ التي تتطلب عملاً جماعياً يضم 100 في المئة من البشر.

تشكل النساء ما يقرب من نصف القوة العاملة الزراعية في البلدان النامية، وعندما تتاح للمرأة فرصة الوصول إلى الموارد مثل الرجل، يمكنها زيادة إنتاجها الزراعي بنسبة 20 إلى 30 في المئة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة 2.5 إلى 4 في المئة، والحد من الجوع في العالم بنسبة 12 إلى 17 في المئة، وفقاً للأمم المتحدة.

كما أن النساء يلعبن دوراً محورياً في بناء مرونة المجتمع للتكيف مع تغيرات المناخ، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نسب نجاح المجتمعات في التكيّف تتوقف على إدماج المرأة في عملية التخطيط، إذ عادة ما تكون النساء أول المشاركين في استجابات المجتمع للكوارث الطبيعية، كما يسهمن في مرحلة ما بعد التعافي من خلال تلبية احتياجات التعافي المبكر لأسرهن وتعزيز بناء المجتمع.

العالم يدرك أهمية دور المرأة

تدعو خطة العمل المتعلقة بالمساواة بين الجنسين التي وافقت عليها الحكومات بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية في العمل المناخي الدولي، وضمان دور بارز للمرأة في صنع القرار وفي العمل المناخي.

وتقدم أمانة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ تقارير سنوية عن عدد الرجال والنساء في الوفود الوطنية وهيئات صنع السياسات وصنع القرار في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس.

يبقى أن تسعى البلدان إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في السياسات المناخية المحلية والوطنية والدولية وأدوار صنع القرار.

(شاركت في التغطية دانا العمر)