عند تصفحنا عناوين الأخبار يومياً، تبرز أمام أعيننا حقيقة أن العالم لن يعود كما كان، فمع التطورات التكنولوجية الكثيرة، وأهمها الذكاء الاصطناعي من ناحية، وتغيّر المناخ ومحاولات التحول إلى الاقتصاد الأخضر من ناحية أخرى، نجد أن شكل التركيبة الوظائفية للمجتمع ستتغير بالتأكيد.
يلعب التعليم دوراً حاسماً في تجهيز الشباب ليعيدوا تعريف وظائف الغد ويعملون فيها من خلال إعادة تشكيل مهارات الطلاب. بهذا الشكل، يمكن توفير ملايين الوظائف الجديدة في الاقتصادات المستدامة، وأن يمكّن أولئك الذين تم استبعادهم من الوظائف المندثرة البدء بوظائف مجزية الأجر، ولكن الفشل في تمكين الشباب لمواجهة الواقع الذي لا يزال قيد التشكيل قد يؤدي إلى بطالة هيكلية، وتعطيل العمل المناخي، وإثارة الاضطرابات المجتمعية.
في لقاء خاص مع «CNN الاقتصادية»، قالت ليلى حطيط، مديرة مفوضة وشريكة أولى والرئيسة العالمية لشؤون قطاع التعليم والتوظيف والرعاية الاجتماعية في مجموعة بوسطن للاستشارات «عندما نتحدث عن المهارات الخضراء، يذهب فكر الناس إلى فنيي توربينات الرياح وفي المهارات اللازمة لبناء بطارية الليثيوم. إنهم يفكرون في أهمية المهارات اللازمة للانتقال من محركات الاحتراق إلى السيارات الكهربائية، ولكن في الواقع، المهارات الخضراء هي أكثر من ذلك بكثير. إذ تتعلق بعاملي الفحم المهددين بفقد وظائفهم، إذ يحتاجون إلى إعادة بناء مهاراتهم لتناسب وظائف المستقبل. لذلك من المهم للغاية بالنسبة لنا أن نكون قادرين على إعادة صقل مهارات هؤلاء الأفراد».
التعليم والمناخ
هناك روابط واضحة بين التعليم وتغيّر المناخ، سواء كانت روابط مباشرة أو غير مباشرة. فمن ناحية، يشكّل تغيّر المناخ خطراً على قطاع التعليم من حيث قدرته على تقديم تعليم جيد؛ إذ تزايدت الأضرار المادية التي تلحق بالمباني بسبب الفيضانات والعواصف في العديد من البلدان، كما أدى التحذير من الحرارة الشديدة في المملكة المتحدة في يوليو تموز الماضي إلى إغلاق المدارس مؤقتاً، وفي حالة التعرض لأحداث مناخية متطرفة تُستخدم المدارس كملاجئ للإخلاء.
ومن ناحية أخرى، يلعب التثقيف في مجال تغيّر المناخ دوراً في زيادة الوعي بأسباب تغير المناخ وعواقبه، كما يمكن للتدريب على مهارات محددة أن يبني قوة عاملة قادرة على العمل في وظائف خضراء تخفف من انبعاثات الغازات الدفيئة، وقد يشمل ذلك إنشاء بنية تحتية للطاقة المتجددة أو الترويج للحلول القائمة على الطبيعة للحد من مخاطر الأحداث المتطرفة.
في هذا الشأن، علقت حطيط: «يحتاج الجميع إلى معرفة ما هو تغير المناخ. ويتعين على الجميع أن يفهموا أهمية العمل المناخي، لأنه إذا كنت لا تعرف ما هو تغير المناخ، فلن تقوم بالتصويت لصالح السياسات الخضراء الصحيحة. لن تسهم في التمويل الأخضر، ولن نتمكن أبداً من الوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، الذي من المفترض أن ينقذ الكوكب من المخاطر البيئية بشكل فعّال».
لسنا على الطريق الصحيح
في عام 2015، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة فيما يُعرف باسم خطة عام 2030 (أجندة 2030).
جمعت قائمة التنمية المستدامة 17 هدفاً تتلخص في: القضاء على الفقر، والقضاء على الجوع، والصحة الجيدة والرفاهية، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة والصرف الصحي، وتوفيرهما بأسعار معقولة.. الطاقة النظيفة، العمل اللائق والنمو الاقتصادي، الصناعة والابتكار والبنية التحتية، الحد من عدم المساواة، المدن والمجتمعات المستدامة، الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، والعمل المناخي، والحياة تحت الماء، والحياة على الأرض، والسلام والعدالة والمؤسسات القوية، والشراكات من أجل الأهداف.
مع اقترابنا لعام 2030، من الواضح أننا لسنا على الطريق الصحيح، فوفقاً لساعة المهارات العالمية (World Skills Clock) فإن عدد الشباب الذين يفتقرون لمعرفة أساسيات التكنولوجيا يتخطى 814 مليون شاب، بنسبة تتخطى 67 في المئة من مجموع الشباب في العالم، ويتخطى عدد الشباب الذين لا يتمتعون بدرجة تعليم ثانوية 837 مليوناً.
من حسن الحظ برز على الساحة عددٌ من الحلول التكنولوجية التي تُسهّل عملية التعلم ومن أبرزها:
منصات التعلم عن بُعد
أصبحت منصات التعلم الإلكتروني أكثر شعبية بعد أن ضربت جائحة كوفيد-19 العالم، إذ توفر المنصات للطلاب إمكانية الوصول إلى محتوى تعليمي عالي الجودة ومدرسين من أي مكان في العالم.
وهناك منصات تعلم مخصصة لرفع الوعي المناخي مثل مشروع العمل المناخي، و مشروع التعليم المفتوح، و برنامج تمكين المهارات «رايز».
تسمح تلك البرامج بالوصول إلى الخبراء العالميين، وتسمح أيضاً لكل فرد بإجراء تغيير فعلي بشكل فردي. إذ تفتح المجال للكل بالتواصل مع أشخاص لهم نفس الاهتمامات ليتمكن جيل المستقبل بشكل جماعي من العمل من أجل تغير المناخ، وفقاً لحطيط.
بيئات التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي
من الآمن أن نقول إن الذكاء الاصطناعي يُدمج سريعاً في الأدوات التعليمية، ومن المؤكد أن تأثيره سيكون محسوساً في السنوات المقبلة.
يمكن لبيئات التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تزود الطلاب بتجارب تعليمية مخصصة، وتمكّن المعلمين من تصميم الدروس لتلبية احتياجات الطلاب الفردية.
الواقع المعزز والواقع الافتراضي
يمكن أن يساعد الواقع المعزز والواقع الافتراضي على إنشاء تجارب تعليمية جذابة، بغض النظر عن البيئة المحيطة، وسيتم استخدامها بشكل متزايد كأداة للتعلم التجريبي.
يتيح ذلك للطلاب استكشاف العوالم الافتراضية وممارسة المهام والمشاركة في عمليات المحاكاة المصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم الفردية.
دمج اللعب مع التعلم
إن أسلوب اللعب في التعلم هو اتجاه شوهد بالفعل في العديد من المؤسسات التعليمية.. الهدف الأساسي من دمج عناصر تصميم اللعبة في بيئة تعليمية هو جعل التعلم أكثر متعة وجاذبية. الأمر الذي يُمكن الطلاب من الاحتفاظ بمزيد من المعلومات وبناء المهارات بطريقة ممتعة وجذابة.
التمويل المناخي والتعليم
لكن على الرغم من نجاح التكنولوجيا في تيسير عملية التعلم في العديد من البلدان، فإن البلدان الفقيرة والنامية لا تزال تعاني نقص التعليم حتى بالطرق البدائية.
فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته المؤسسات التعليمية منذ عام 2000، لا يزال هناك نحو 10 في المئة من سكان العالم يفتقرون للتعليم الابتدائي، وحصل 66 في المئة فقط على التعليم الثانوي. تقول حطيط «هناك العديد من الدول في العالم التي لا تستطيع الوصول إلى هذه التكنولوجيا. لذا، أولًا وقبل كل شيء، اسمحوا لي أن أبدأ بالقول إن هناك 250 مليون طفل في العالم لا يحصلون على التعليم الأساسي».
كانت الأرقام أقل من ذلك في التعليم العالي، حيث حصل نحو 40 في المئة من سكان العالم على نوع ما من التعليم العالي، وكان معظمهم من النساء، إذ تقلصت الفجوة بين الجنسين في تعلم القراءة والكتابة بين الأجيال الشابة في العالم في السنوات الأخيرة، وفقاً لمقالات ستاتيستا.
توجد مصادر مختلفة لتمويل المناخ الدولي، بما في ذلك صندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيُّف، وهناك معايير معينة للأهلية للحصول على تمويل المناخ، تتلخص في الروابط المباشرة بين التعليم وتغير المناخ.
ووفقاً للمبادرة الإماراتية المهتمة بالتعليم (ريوايرد – Rewired)، ستتمكن الحكومات من إنشاء 11 مليون وظيفة تدريس جديدة حال قامت جميع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بزيادة الإنفاق على التعليم بمتوسط 0.5 في المئة فقط.