في ظل أزمة تغير المناخ يواجه العالم مشكلات متزايدة في توفير الأمن الغذائي لعدة دول ومناطق، لا سيما الفئات المختلفة، وينعكس ذلك في صورة سوء التغذية على معظم السكان، إما على شكل الجوع، أو انعدام الأمن الغذائي، أو السمنة أو الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي، ولعل أكثر من يتأثر بانعدام الأمن الغذائي هم الأطفال، الأمر الذي يؤثر بالفعل على معدلات النمو والتعلم لديهم.

واستضاف مؤتمر الأطراف ( كوب 28) ضمن فاعلياته في دولة الإمارات جلسة نقاشية حول دور المدارس كمحور أساسي في قضية الأمن الغذائي وتوفير الغذاء الصحي للطلاب، ويتبنى النقاش أهمية توافر الوجبات الصحية جنباً إلى جنب مع التعلم.

وقد أنشأ برنامج الغذاء العالمي تحالف الوجبات المدرسية الذي يهدف إلى عمل وتنفيذ إجراءات لتحسين برامج الوجبات المدرسية وتوسيع نطاقها بشكل عاجل لضمان حصول كل طفل على فرصة الحصول على وجبة صحية ومغذية في المدرسة بحلول عام 2030.

الوجبات المدرسية.. نقطة فارقة لمواجهة تحديات النظام الغذائي المتعددة

تؤثر الأزمات البيئية والمناخية على الأطفال بشكل مباشر، إذ إن ما يقرب من مليار طفل معرضون بشدة لخطر المعاناة من انعدام الأمن الغذائي والآثار الأخرى لأزمة المناخ، وذلك وفقاً لتقرير اتحاد أبحاث الصحة والتغذية المدرسية الصادر في سبتمبر 2023، الناتجة عن مبادرة من ائتلاف الوجبات المدرسية.

ويؤكد هذا التقرير على مدى تهديد الأزمات البيئية والمناخية، لا سيما انعدام الأمن الغذائي على تعليم ونمو وتطور الأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض والوفيات.

ويتزايد التوجه نحو الاعتراف بأهمية الوجبات المدرسية كآلية فعالة واستثمار رئيسي للحكومات لمعالجة هذه التحديات التي يواجهها الأطفال وتوفير منصة عالمية للعمل على النظم الغذائية.

ووفقاً لتحالف الوجبات المدرسية فإن برامج الوجبات المدرسية من بين الإجراءات الأكثر اتساعاً في أنظمة الغذاء العامة في جميع أنحاء العالم، وتصل حالياً إلى 418 مليون طفل يومياً في جميع أنحاء العالم طبقاً لأحدث الإحصائيات من قبل التحالف الغذائي.

وتتجاوز فوائد الوجبات المدرسية مبدأ التغذية، فهي تعمل على تحسين معدلات الالتحاق بالمدارس والحضور والتحصيل والتنمية المعرفية وتقليل معدل التسرب من المدارس، خاصة بالنسبة للفتيات.

وتساعد برامج الوجبات المدرسية على سد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ما يضمن حصول جميع الأطفال -بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية- على فرص متساوية للحصول على التغذية والتعليم الجيدين، وذلك وفقاً لأهداف تحالف الوجبات المدرسية.

الأنظمة الغذائية وتغير المناخ

واتساقاً مع أهداف التنمية المستدامة، فإن المبادرة تدعم الوجبات المدرسية الصديقة للكوكب، بالإضافة إلى تسيير التثقيف الغذائي المتسق والموجه نحو العمل، الأمر الذي سينعكس على الأجيال القادمة من خلال تعزيز عادات غذائية أكثر صحة واستدامة في سن مبكرة، وذلك عن طريق تشكيل التفضيلات الغذائية والمواقف الاجتماعية التي تعزز الحفاظ على البيئة والمناخ.

يناشد تحالف الوجبات المدرسية الجهات الفاعلة المتعددة عبر نظام الغذاء المدرسي إلى ضرورة التعاون وإحداث تغييرات منهجية للتحرك نحو وجبات مدرسية صحية ذات تأثير بيئي أقل، وذلك من خلال البدء بالوجبة والعمل بشكل عكسي من خلال سلسلة التوريد وصولاً إلى المزارع، في إمكانية لدفع الابتكار عبر النظام الغذائي بأكمله نحو استخدام نهج «من المزرعة إلى المائدة».

ويشير التقرير الصادر عن التحالف الغذائي للوجبات المدرسية إلى ضرورة إجراء التغييرات في سياسات الحكومات التي تنظم الوجبات المدرسية عن طريق تحفيز أربعة إجراءات رئيسية، ألا وهي؛

1) عمل التغييرات اللازمة في قوائم الطعام نحو التحولات الغذائية التي تعزز صحة الكوكب والسكان.

2) دعم وتوفير طرق الطهي النظيفة والموفرة للطاقة.

3) التوعية والعمل على منع فقد الأغذية وهدرها، والحد من استخدام البلاستيك.

4) إيجاد تعليم غذائي شامل وموجه نحو العمل للمساعدة في إنشاء ممارسات غذائية صحية وأكثر استدامة مدى الحياة.

انضمام الإمارات لتحالف الوجبات المدرسية

انضمت الإمارات لتحالف الوجبات المدرسية في عام 2022، وهو التحالف الذي أُطلق خلال قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية في عام 2021، وقد انضمت حتى الآن 94 دولة من الشمال إلى الجنوب إلى التحالف، بالإضافة لـ115 شريكاً لدعم الحكومات في تحقيق أهدافها في مكافحة أزمة الغذاء.

وقد تعهدت دولة الإمارات عند انضمامها لهذه المبادرة بالتزامها بتوفير الغذاء الكافي والصحي والمغذي والآمن لجيلها الشاب، ومساعدة الدول الأخرى على القيام بالمثل.

ومنذ عام 2007، استثمرت الإمارات ما يقرب من 55 مليون دولار أميركي في محفظة الصحة المدرسية والتغذية، وصولاً إلى 6.9 مليون مستفيد في 17 دولة، من خلال المؤسسة الخيرية دبي العطاء، وفقاً لتصريح سابق لمريم بنت محمد المهيري وزيرة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات.

وتسعى دولة الإمارات لدعم تحالف الوجبات المدرسية من خلال المساعدة في إنشاء سلاسل إمدادات غذائية مستدامة ومشاركة خبراتها في الحد من فقد وهدر الغذاء من خلال المبادرة الوطنية للفقد والهدر الغذائي (Nema)، وتشجيع مبيعات المنتجات المحلية والاستفادة من التكنولوجيا لمعالجة هذه المشكلة، كما تسعى إلى تشجيع الدول الأخرى في منطقة مجلس التعاون الخليجي على الانضمام إلى التحالف وتسليط الضوء على عمله خلال اللقاءات رفيعة المستوى ذات الصلة.

الاجتماع الدولي الأول لتحالف الوجبات المدرسية

عُقد الاجتماع الدولي الأول لتحالف الوجبات المدرسية في باريس خلال شهر أكتوبر تشرين الأول الماضي، وقد جمعت القمة التي استمرت ليومين ممثلين من 55 دولة، بما في ذلك رؤساء الدول والحكومات المحلية والمشرعون ومحركات التحالف الرئيسية، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي.

ويرى برنامج الغذاء العالمي أن تغطية الوجبات المدرسية آخذة في الارتفاع، لكنها ليست كافية بعد، ودعا برنامج الغذاء العالمي إلى تمويل جديد والتزام طويل الأجل بالتغذية المدرسية في قمة باريس.

وتوصل التحالف في نهاية أول قمة منعقدة له إلى إنه، وبالرغم مما حققه التحالف من نتائج كبيرة حتى الآن، فإنه لا يزال هناك المزيد الذي يتعين القيام به، واتفق التحالف في بيانه الصادر عن اجتماعه العالمي الأول إلى أن تحقيق الهدف العالمي المتمثل في ضمان حصول جميع أطفال المدارس الابتدائية البالغ عددهم 724 مليون طفل على وجبات مدرسية غذائية بحلول عام 2030، يتطلب التزاماً سياسياً مستمراً وموارد إضافية وتمويلاً على المستويين العالمي والوطني.

وامتداداً لتوصيات التحالف في قمة باريس يتناول المشاركون في كوب 28 سبل وآليات تنفيذ الأهداف العالمية المعنية بالأمن الغذائي والاستدامة.