انشغل عالم التكنولوجيا ووادي السيليكون خلال الآونة الأخيرة، بدراما إقالة سام ألتمان من منصبه في شركته التي أسسها أوبن إيه آي -التي أطلقت طفرة تشات جي بي تي- ورحلته المكوكية إلى مايكروسوفت وعودته من جديد إلى شركته.
أكدت رحلة ألتمان أهمية الاستثمارات في الشركات الناشئة، وقوة دور المستثمر، وهو ما يظهر في رد (تشات جي بي تي) إذا ما طُرح عليه سؤال حول هذا يقول «عادةً ما يتمتع المستثمر في شركة ناشئة بحقوق وصلاحيات معينة كمساهم، بما في ذلك الحق في التصويت على بعض الأمور المتعلقة بالشركة، والحق في الحصول على أرباح، والحق في المشاركة في أصول الشركة».
قبل انتشار حمى تشات جي بي تي، كان سام ألتمان شغوفاً بالتكنولوجيا وعالم ريادة الأعمال، بينما جاب العالم بأسره من الشرق إلى الغرب، ليكشف دور شركته الناشئة -التي بلغت قيمتها السوقية نحو 80 مليار دولار- ما لفت الانتباه العالمي إلى ما قدمته في صناعة الذكاء الاصطناعي، المتوقع أن تصل سوقها إلى نحو تريليوني دولار بحلول عام 2030.
من هو سام ألتمان؟
وُلد ألتمان عام 1985، ونشأ في سانت لويس بميزوري، منذ عمر الثامنة كان ملماً بأمور البرمجة التي استكشفها على جهاز ماكنتوش الذي أطلقته شركة أبل للاستخدام المنزلي، حتى أصبح المخترع والشريك المؤسس للشركة ستيف جوبز قدوته في عالم الأعمال والابتكارات.
درس ألتمان علوم الحاسب الآلي في جامعة ستانفورد، وتركها بعد عامين فقط، إذ حرص على اقتحام عالم ريادة الأعمال، وفقاً لما أوردته ذا نيويوركر.
في عمر الـ19، أطلق بالتعاون مع اثنين من زملائه، تطبيق (لوبت) للتواصل الاجتماعي، بتمويل بلغ نحو 6 آلاف دولار، ليصبح جزءاً رئيسياً من المجموعة الأولى المكونة من ثماني شركات في مسرعة الأعمال التكنولوجية واي كومبناتور التي شملت أيضاً موقع ريديت.
وعلى الرغم من وصول التطبيق إلى نحو 175 مليون دولار، فإنه بيع بمقابل 43 مليون دولار لصالح شركة غرين دوت المصرفية، بسبب عدم قدرته على الانتشار عالمياً، والحصول على المزيد من اهتمام المستخدمين، وفقاً لما أوردته مسرعة الأعمال التكنولوجية، وصحيفة وول ستريت.
قوة ريادة الأعمال والاستثمارات
لم يفقد ألتمان شغفه بريادة الأعمال عقب فشل لوبت، بل غلبه الاهتمام بالاستثمارات، حتى أسس صندوق (هيدرازين كابيتال) الاستثماري، وجمع نحو 21 مليون دولار، استثمر 75 في المئة من هذه الأموال في شركات مسرعة واي كومبناتور، وقاد جولة لصالح ريديت لجمع التبرعات.
في عام 2014، اختاره مؤسس مسرعة الأعمال بول غراهام، ليخلفه في الرئاسة، ليعود ألتمان إلى جامعة ستانفورد مجدداً بعد تسع سنوات منذ كان طالباً، لكن هذه المرة كمحاضر حول كيفية تأسيس الشركات الناشئة.
وأوضح ألتمان في محاضرته أنه على الرغم من الكلام الأكاديمي النظري حول ريادة الأعمال، فإن 30 في المئة يمكن تطبيقه بالفعل على أرض الواقع، مؤكداً أن مسرعة واي كومبناتور موّلت 725 شركة، ما يؤكد قوة النصائح النظرية التي يقدمها في المحاضرة.
وفي عام 2015، ازدهر نجم ألتمان، حتى أصبح واحداً ضمن قائمة فوربس للمؤثرين تحت سن الثلاثين.
ومع مرور الوقت، ازداد اهتمامه بريادة الأعمال، وأراد السماح لمزيد من الشركات الناشئة في مجال العلوم والهندسة والطاقة النووية بالانضمام إلى مسرعة الأعمال.
وحول نشاط ألتمان في مسرعة الأعمال، قال مارك أندريسن، المؤسس المشارك لشركة رأس المال الاستثماري أندريسن هورويتزن، لصحيفة ذا نيويوركر إن طموح المسرعة ارتفع بنحو عشرة أضعاف منذ توليه رئاستها.
وفي عام 2020، عمل ألتمان مع شقيقيه جاك وماكس، لإطلاق صندوق تمويل للشركات التي تطمح إلى تحقيق نتائج غير مسبوقة.
وفي أكتوبر تشرين الأول 2021، أطلق ألتمان مشروعاً عالمياً للعملات المشفرة، أراد من خلاله منح الجميع في العالم إمكانية الوصول إلى العملات المشفرة عن طريق مسح قزحية العين.
ميلاد أوبن إيه آي
في عام 2015، تعاون ألتمان مع إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتَي تسلا وسبيس إكس، لإطلاق شركة أوبن إيه آي، كشركة غير ربحية للذكاء الاصطناعي، هدفها الحد من مخاطره على البشر.
ترك ماسك الشركة في 2018، وبحلول عام 2019 تنحَّى ألتمان عن منصبه كرئيس لمسرعة الأعمال، بهدف التركيز على شركته الناشئة للذكاء الاصطناعي، ليحولها إلى شركة ذات ربح محدود.
ويُنسب إليه الفضل كاملاً في إقناع الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا بتقديم نحو 10 مليارات دولار للشركة، كما قاد العطاءات الخاصة بالشركة، ما عزز من القيمة السوقية للشركة إلى أكثر من 80 مليار دولار، وفقاً لما أوردته رويترز.
جذب ألتمان -كرئيس تنفيذي للشركة- أغلب المواهب الهندسية في مجال الذكاء الاصطناعي في هذه السوق الأكثر تنافسية ضمن القطاع التكنولوجي، ومع إطلاق أداة تشات جي بي تي أثارت هذه التكنولوجيا الجدل حول تهديدها الوظائف والبيانات وإجاباتها على أصعب الأسئلة.
الرئيس التنفيذي الرابع في 3 أيام
حتى مع سفره حول العالم، تمكن ألتمان من جذب الانتباه لدقته في طرح الأفكار التي تخص الذكاء الاصطناعي، وحصل على تأييد الكونغرس الأميركي أيضاً، بعدما أبدى مخاوفه من تشات جي بي تي، ورغبته في تلبية تطلعات الحكومات والرد على كل مخاوفها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
ولأن مجلس الإدارة يحق له إقالة مؤسسي الشركات، إذ تتمثل مهمته الأساسية في تعيين الرئيس التنفيذي المناسب، كشف مجلس إدارة شركة أوبن إيه آي عن إقالة رئيسها التنفيذي ومؤسسها، ما شكّل صدمة في صناعة الذكاء الاصطناعي في العالم.
وأوضحت الشركة في بيان، أن تحقيقاً داخلياً وجد أن ألتمان لم يكن دائماً صادقاً مع مجلس الإدارة، قائلة «إن رحيل ألتمان يأتي بعد عملية مراجعة تداولية من قبل مجلس الإدارة خلصت إلى أنه لم يكن صادقاً باستمرار في اتصالاته مع مجلس الإدارة، ما أعاق قدرته على ممارسة مسؤولياته، وبالتالي لم يعد مجلس الإدارة يثق في قدرته على مواصلة قيادة الشركة».
في الوقت الذي عكف مجلس الإدارة على طرح العديد من الأسماء التي ستخلف ألتمان، انضم مؤسس أوبن إيه آي إلى شركة مايكروسوفت، التي تعتبر أحد الداعمين الماليين للشركة الناشئة، وصاحبة المصلحة بنسبة 49 في المئة في الشركة، ما تسبب في ارتفاع أسهمها إلى مستويات قياسية.
امتلك ألتمان ذكاءً مكنه من تحويل الأزمة إلى حلول، ومع تهديد أكثر من 700 شخص بالرحيل إلى مايكروسوفت بعد إقالته، كانت عودته السيناريو الأكثر منطقية.
انتهت هذه الدراما التي شببها البعض بمسلسل صراع العروش، بعودة الملك إلى منصبه السابق منتصراً، و تعيين مجلس إدارة جديد عوضاً عن الذي قرر إقالته، ليصبح الرئيس التنفيذي الرابع للشركة خلال ثلاثة أيام، ليؤكد قوة تفكير رائد الأعمال الشاب، واستغلاله عنصر الاستثمار، فمع رحيله لم تكن أوبن إيه آي لتخسر مؤسسها فحسب، بل كانت ستخسر أكبر داعميها.