في عالم يشهد تحولات متسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ، يُثار السؤال حول إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة لمكافحة التغيرات المناخية.
يعد تغير المناخ تحدياً عالمياً يستدعي تضافر جهود العلماء والمهندسين والخبراء في مختلف التخصصات لتسخير معارفهم ومهاراتهم لابتكار حلول لحماية كوكب الأرض، وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي لعب دور غاية في الأهمية، وتسعى شركة غوغل لأن تكون رائدة في ربط الذكاء الاصطناعي بتغير المناخ بهدف التقليل من الانبعثات الكربونية.
غوغل والذكاء الاصطناعي
في مقابلة مع CNN الاقتصادية تحدثت كبيرة مسؤولي الاستدامة في غوغل، كيت برندت، عن عدة مشاريع تعمل عليها الشركة لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتقليل من أضرار التغير المناخي.
وقالت برندت إن غوغل أصدرت تقريراً بالتعاون مع شركة بوسطن للاستشارات كشفت فيه عن إمكانية تسخير الذكاء الاصطناعي في تسريع العمل المناخي من خلال استخدام التقنيات والحلول الحالية، مضيفة أن ذلك قد يؤدي إلى خفض الانبعاثات العالمية بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة بحلول عام 2030، وهو ما يعادل تقريباً جميع انبعاثات الاتحاد الأوروبي.
التكنولوجيا وتغير المناخ
تتميز بيانات المناخ بحجمها الضخم، وتتطلب وقتاً طويلاً لجمعها وتحليلها والاستفادة منها لاتخاذ قرارات وخطوات فعلية لمكافحة آثار التغير المناخي.
على الجانب الآخر لدينا تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة التي يمكنها إجراء تنبؤات أكثر دقة حول التغيرات البيئية المحتملة، وأكدت برندت وجود فرص كبيرة في هذا المجال.
وأضافت برندت أن استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، لتحليل وتنظيم مجموعات البيانات المختلفة يمكن أن يستخرج رؤى أكثر فائدة، ما يوفر فرصة هائلة للشركات ومشرعي السياسات والأفراد.
ويمكن الاستعانة بتلك التقنيات لتخفيف آثار تغير المناخ بعدة طرق، مثل تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الناتجة عن قطاعات النقل والزراعة والصناعة، ليس هذا فقط، بل يمكن أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي للتكيف مع آثار تغير المناخ، من خلال تحسين قدرتنا على التنبؤ بالأحداث الجوية المتطرفة واتخاذ القرارات المناسبة وتوفير الأدوات التي تساعد على الاستجابة بشكل أفضل لتلك الأحداث.
وأشارت برندت إلى بعض المجالات التي حددتها الشركة لتطبيقات «التحسين» مثل تسلسل إشارات المرور وتقليل انبعاثات نفاثات الطائرات و«حلول التنبؤ» التي تشمل توفير تحذيرات مبكرة للفيضانات وحرائق الغابات.
وبدورها تحاول غوغل تحقيق الريادة في هذا الصدد عبر أنظمة مبتكرة يمكنها التنبؤ المسبق بالفيضانات، وتقليل الانبعاثات الناجمة عن الطائرات والسيارات.
مشروع الضوء الأخضر
ترى برندت أن «مشروع الضوء الأخضر» مثال ناجح على استخدام التعلم الآلي في تحسين كفاءة إشارات المرور، هذا المشروع يعتمد على البنية التحتية الموجودة بالفعل، بما في ذلك المعلومات المتاحة في خرائط غوغل حول التدفقات المرورية.
وتُحلَّل هذه البيانات لتحسين تسلسل أضواء الإشارات وتوفير رؤى قيمة لمهندسي المرور في المدن. وبالفعل، أظهرت النتائج الأولية للبرامج التجريبية في 12 مدينة -بما في ذلك أبوظبي- تقليل عمليات تشغيل وإيقاف السيارات بنسبة 30 في المئة، وتقليل الانبعاثات بنسبة 10 في المئة.
التنبؤ بالفيضانات
وأضافت أن فريق أبحاث غوغل طوَّر نموذجاً هيدرولوجياً عالمياً يتيح التنبؤ بالفيضانات قبل سبعة أيام من وقوعها، وتُنشر هذه المعلومات عبر منصة Flood Hub، كما تضاف أيضاً إلى «تنبيهات SOS» في محرك بحث غوغل وخرائط غوغل.
وهذه التكنولوجيا متوفرة في أكثر من 80 دولة حول العالم، وتخدم أكثر من 470 مليون شخص، والهدف المقبل للشركة هو توفير هذه الأداة في جميع الدول لتمكين السكان من الاستجابة بشكل أفضل للكوارث وتجنب الضرر.
وتعمل غوغل مع منظمات دولية وإغاثية مثل الصليب الأحمر لتدريب المجتمعات المحلية، خاصةً في المناطق التي قد لا يتمكن سكانها من الوصول بسهولة إلى الهواتف الذكية، على استخدام هذه التكنولوجيا لتلقي تحذيرات مبكرة عن الكوارث الطبيعية، ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز الوعي والاستعداد لمواجهة الطوارئ البيئية.
تقليل انبعاثات الطائرات
يستهدف برنامج التعاون مع شركتي بريكثرو إنرجي وأميركان آيرلاينز فهم وتقليل انبعاثات نفاثات الطائرات، ويتضمن تحليل صور الأقمار الصناعية لفهم تأثير درجات الحرارة ومستويات الارتفاع وأنماط الطقس على هذه النفاثات، مع تقديم نصائح بسيطة للطيارين حول كيفية تغيير ارتفاع الطائرة وطريقة تحليقها لتقليل خطوط نفاثات الطائرات بنسبة تزيد على 50 في المئة.
في الختام تكشف هذه الرؤى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية متقدمة، بل هو أداة قوية يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في مكافحة تغير المناخ وحماية كوكب الأرض، ويبقى التحدي هو إيجاد التوازن بين التقدم التكنولوجي والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عليه.