تعمل الحكومة المصرية على تنفيذ خطة لتوطين صناعة الأدوية محلياً لتوفير دواء مُصنع داخل البلاد بجودة وكفاءة عاليتين ليكون قادراً على المنافسة في الأسواق العالمية.
قال مدير عام شركة روش في مصر محمد سويلم، إن الشركة تعمل على توطين صناعة الأدوية الحيوية لتتماشى مع هدف استراتيجي للدولة المصرية، هو نقل المعرفة إلى الكفاءات الطبية الموجودة بالفعل، ونقل إمكانات عملية تصنيع «مُعقدة» إلى مصانع الأدوية المصرية.
في عام 2022 وقّعت الحكومة المصرية من خلال مدينة الدواء المصرية «جيبتو فارما» مع شركة روش السويسرية العاملة في مجال تصنيع الأدوية الحيوية، اتفاقية لنقل وتوطين البايوتكنولوجي، بالإضافة إلى إنتاج مشترك للأدوية.
كما وقعت شركة إيفا فارما المصرية في عام 2023 اتفاقية مع روش لتوطين إنتاج الأدوية المتطورة للمرضى الذين يخضعون لعمليات زراعة الأعضاء، وتشمل الاتفاقية توطين التصنيع في مصر والتصدير إلى الأسواق الناشئة في إفريقيا.
وأضاف سويلم، في مقابلة خاصة مع «CNN الاقتصادية»، أن عملية التوطين هدفها توفير العلاج بشكل مستدام للمريض المصري، وتحول مصر من سوق مستهلكة للمُنتَج النهائي إلى موطن لتكنولوجيا التصنيع ومُنتِج للدواء، ومعقباً «تصنيع الدواء بشكل جزئي أو كلي في مصر سيحقق توفراً مستداماً للمنتج في مصر، فإن نجحنا في امتلاك القدرة على تصنيع تلك الأدوية، سواء الأدوية الحيوية، أو الكيميائية المعقدة، والتوسع في تصنيعها، فأعتقد أن هذا سيؤثر ليس فقط في توافر الدواء ولكن أيضاً سيكون له عائد مادي واقتصادي».
شركاء التوطين
ولتحقيق هذا الهدف عقَدَت روش شراكة مع مدينة الدواء المصرية لتبدأ في تصنيع دواء حيوي لعلاج مرضى سرطان الكبد الأكثر انتشاراً في مصر، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج خلال العام الحالي، وفقاً لسويلم.
كما عقدت روش شراكة مع شركة الأدوية المصرية إيفا فارما، لإنتاج علاج مثبط للمناعة، ضروري في عمليات زراعة الأعضاء، ومن المتوقع أن تنتهي الشركة من إنتاج أول دفعة من الدواء خلال النصف الأول من 2025.
قبل إمضاء العقود تمر الشركات المصرية بعدد من الخطوات التجهيزية لضمان ضبط كفاءة المنتج ليقابل المعايير العالمية.
مصر تقود إفريقيا في زراعة الأعضاء
أعرب سويلم عن وجود خطة لتصدير الدواء إلى إفريقيا، وقال «نحن نحاول أن نتماشى مع خطة الدولة في أن تبرز مصر رائدةً في مجال صناعة الأعضاء في القارة»، مضيفاً «لدى مصر الآن بنية تحتية ومستشفيات وأطباء وخبراء في مجال زراعة الأعضاء، لذا تفخر شركة روش في مصر بمساهمتها في تحقيق هذا الهدف».
وتابع سويلم أنه حتى الآن أُجريت زراعة 14 ألف كلية وألفي كبد، بمعدل يصل إلى 1500 حتى 1800 زراعة كل عام، ويستخدم نحو 60 في المئة من المرضى الذين يخضعون لعملية زراعة الأعضاء أدوية روش لتثبيط المناعة.
كانت الدولة المصرية طورت معهد ناصر الطبي، ليضم أكبر مركز لزراعة الأعضاء في الشرق الأوسط بطاقة 300 سرير و12 غرفة عمليات، بحسب وسائل إعلام محلية.
لماذا وقع الاختيار على مصر؟
وأضاف «السوق المصرية هي ثاني أكبر سوق قيمة في الشرق الأوسط بعد السعودية، وتحتوي على عدد المرضى الأكبر بسبب تعداد السكان الذي يصل إلى 109 ملايين مواطن، وهي السوق الأسرع نمواً وفقاً للحسابات بالعملة المحلية، إذ تنمو الأسواق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل 7 في المئة، في حين يصل معدل النمو في السوق المصرية إلى 15 في المئة»
واستدرك سويلم «لكن تظل الأزمة الاقتصادية تشكل التحدي الأكبر للسوق، فإذا أخذنا في الاعتبار انخفاض قيمة العملة المحلية نجد أن حجم السوق يقل للنصف، لذا أستطيع القول إن السوق المصرية تشهد أحداثاً ساخنة»، وأكد سويلم أنه في حال تخطي التحديات الاقتصادية فإن السوق المصرية واعدة، وتمثل واحدة من أهم الأسواق، إن لم تكن الأهم على الإطلاق، في المنطقة.
تعمل روش في السوق المصرية منذ ما يزيد على أربعين عاماً، وبلغ حجم استثمارات الشركة 660 مليون جنيه مصري، أي ما يزيد على 21 مليون دولار.
التحديات الاقتصادية في مصر
تقع مصر تحت وطأة أزمة اقتصادية أودت بقيمة عملتها المحلية، إذ تخطى سعر الدولار في السوق الموازية 40 جنيهاً، في حين لا تتخطى قيمته 31 جنيهاً مصرياً في البنوك، الأمر الذي يتسبب في فوضى الأسعار، وصعوبة الاستيراد بسبب تعثر الحصول على العملة الصعبة.
في هذا الصدد يشير سويلم إلى التحديات التي تواجههم الآن في مشروع التوطين «بالفعل تؤثر التحديات الراهنة على جميع القطاعات وبالتالي على قطاع الدواء، لكن هناك أولوية توليها أجهزة الدولة لقطاع الدواء، سواء في توفير الاحتياجات أو تيسير الاستيراد، الأمر الذي يقلل من التأثير السلبي للتحديات الراهنة على القطاع».
ويشير سويلم، إلى النقلة النوعية التي شهدتها عملية وصول الأدوية المبتكرة إلى السوق المصرية «في الماضي كانت رحلة الدواء المُكتشف حديثاً في الخارج تأخذ ثلاثة أو أربعة أعوام حتى يُسجل الدواء في مصر، ثم ينتظر المرضى ما قد يصل إلى عشرة أعوام حتى يُتاح الدواء في منظومة التأمين الصحي، لكن الآن قد يحتاج الدواء إلى أقل من عام واحد ليُسجَّل في مصر، وأصبح يصل في غضون عام أو اثنين إلى القطاع الحكومي ومنظومة التأمين الصحي».