يعاني مارك من عدم القدرة على الحركة بسبب مرض التصلب الجانبي الضموري الذي يمنعه من التحكم في عضلاته، لكنه أصبح الآن قادراً على ترجمة أفكاره إلى أفعال دون حركة منه، من خلال زرعة داخل دماغه تقوم بترجمة نشاطه العصبي إلى أوامر على جهاز كمبيوتر.

بفضل هذه التكنولوجيا التي يطلق عليها «واجهة الدماغ والحاسوب BCI»، كل ما يحتاج إليه مارك هو الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، والتركيز بعمق، ووضع ذراعيه بجانبه، ثم فجأة يرن تنبيه من الشاشة أمامه، لتكون رسالة إلى مقدم الرعاية بأنه يحتاج إلى المساعدة، أو أي أمر آخر.

مارك هو الشخص العاشر في العالم الذي قام بزراعة هذا النوع المحدد من واجهة الدماغ والحاسوب، من خلال في تجربة بشرية مع الشركة الناشئة لإنتاج الأجهزة القابلة للزراعة الدماغية «سينكرون»، وخضع لهذا الإجراء في أغسطس آب، بعد تشخيص إصابته بالتصلب الجانبي الضموري في عام 2021.

وقال مارك، الذي تحدث لشبكة CNN، إن فرصته في أن يكون من بين أوائل من اختبروا هذه التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد الآخرين كانت مهمة بالنسبة له، خاصة أنه لا يوجد علاج لمرض التصلب الجانبي الضموري، لذا رأى مارك أن الاشتراك في التجربة بدا وكأنه الخيار الوحيد بالنسبة له.

وأضاف «اعتقدت أن أمامي خيارين؛ إما أن أغرق في الشفقة على الذات، أو أن أتمكن من استعادة نفسي وأقوم بكل ما بوسعي للمساعدة».

تقنية واجهة الدماغ والحاسوب

تُسمى زراعة دماغ (سينكرون) تلك التي يمتلكها مارك، بـ«ستينترود»، والتي تتكون من دعامة مزودة بأجهزة استشعار قطب كهربائي يمكنها اكتشاف نشاط الدماغ الكهربائي.

وحصلت شركة سينكرون على براءة اختراع هذه الزرعة، ما يجعلها أول شركة تحصل على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية لبدء التجارب البشرية على أجهزة تقنية واجهة الدماغ والحاسوب القابلة للزرع بشكل دائم.

ولا يتطلب هذا النوع جراحة مفتوحة للدماغ، وبدلاً من ذلك، يتصل الجهاز بالدماغ عبر شبكة الأوردة الطبيعية في الجسم، لذا كانت نقطة الدخول هي الوريد الوداجي لمارك.

استطاعت الشركة توصيل الجهاز بدماغ مارك من خلال عملية جراحية أدخلت الجهاز عبر الأوعية الدموية وصولاً إلى الجزء العلوي من دماغه، حيث يقع في الجيب السهمي، وهو أحد الأوردة الرئيسية في الدماغ، والموجود في القشرة الحركية، وهو جزء الدماغ المسؤول عن الحركة.

والآن عندما يفكر مارك في حركة معينة، مثل النقر في مكان ما على شاشة الكمبيوتر، يقرأ جهاز «ستينترود» إشارة الدماغ تلك ويتعرف على الحركة المقصودة، ثم تنتقل تلك الرسالة عبر كابل رفيع جداً إلى جهاز إرسال داخلي، يشبه جهاز تنظيم ضربات القلب، زُرع جراحياً في صدره.

ونظراً لأن كل إجراء يقوم به الشخص يرتبط بتوقيع كهربائي محدد من موجات دماغه، يتعلم جهاز «ستينترود» كيفية التعرف على تلك الأنماط الكهربائية وينشئ قاموساً مخصصاً للحركة.

قد يكون هناك توقيع كهربائي عام لحركات مختلفة، ولكن كل شخص سيختلف قليلاً، ما يجعل الجهاز مخصصاً للغاية لكل شخص دون الآخر.

وفي الوقت الحالي، يجب توصيل مارك بالكمبيوتر حتى يتمكن من استخدام الجهاز، ولكن الهدف هو أن تحتوي أجهزة الجيل التالي في النهاية على عملية لاسلكية، وبالتالي سيحتاج المريض فقط إلى جهاز «ستينترود» وجهاز الإرسال داخل الصدر.

مستقبل واعد للتكنولوجيا

على مدار العام الماضي، تصاعدت النقاشات حول إمكانات تقنية واجهة الدماغ والحاسوب، مدفوعة جزئياً بالدعم الكبير من الملياردير إيلون ماسك عبر شركته (نيورالينك)، بالإضافة إلى الدراسات العديدة الواعدة من شركات أخرى في هذا المجال المتنامي.

وأظهرت دراستان منفصلتان نشرتا في مجلة «ناتشر» في أغسطس آب، كيف أن زراعة الدماغ باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مكنت المرضى المصابين بالشلل من التواصل عن طريق ترجمة الإشارات العصبية إلى نص أو كلام عبر الصورة الرمزية بسرعة لم يحققها هذا النوع من التكنولوجيا من قبل.

ومع ذلك، لا تزال الجهود المبذولة لتسويقها محفوفة بالعقبات التنظيمية والمخاوف الأخلاقية والمخاوف المتعلقة بالخصوصية، كما تواجه التكنولوجيا الناشئة نفسها العديد من القيود المرتبطة بانتشارها، بمعنى آخر، لن تصل هذه الإجراءات إلى العيادات المحلية في أي وقت قريب.

ويظهر المستثمرون إقبالاً على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العصبية والشركات العاملة في مجال (واجهة الدماغ والحاسوب)، إذ قالت (سينكرون) في ديسمبر كانون الأول 2022 إنها جمعت نحو 145 مليون دولار منذ إنشائها.

كما جمعت شركة (نيورالينك) التابعة لشركة إيلون ماسك، أكثر من 323 مليون دولار، وفقاً لإيداع تنظيمي العام الماضي لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.

(كاثرين ثوربيك وأماندا سيلي وناديا كونانج- CNN).