هل تساءلت يوماً عن نوع البيانات التي تجمعها عنك منصات التواصل الاجتماعي؟ وهل تعرف كيف يتم جمع هذه البيانات؟ وفيم تُستخدم؟ فمن حق مستخدمي تلك المنصات معرفة الإجابة عن تلك الأسئلة؛ للتأكد من حماية بياناتهم الشخصية.
وبعد اتهام ميتا الأخير بجمع بيانات المستخدمين من قبل بعض جماعات المستهلكين الأوروبية، عاد التساؤل من جديد حول مدى خطورة جمع البيانات وخرق الخصوصية.
وبشكل عام، يمثل تنظيم أنشطة المنصات الإلكترونية صداعاً مستمراً في رأس الدول والحكومات التي تتسابق لمواجهة الآثار السلبية لتلك المنصات.
ومع اقتراب تفعيل قانون الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن حماية المنافسة في الأسواق الرقمية هذا الأسبوع، تزداد الشكوك حول قدرة الشركات على الالتزام بالشروط الجديدة، بل إن بعض الشركات الأصغر أعربت عن خشيتها من أن تمنح القوانين الجديدة كبار المنافسين قدرة أعلى على المنافسة بفضل قوة إمكاناتها التكنولوجية.
اتهام جديد لميتا يثير الشكوك
أعلنت منظمة المستهلك الأوروبية (بي.إي.يو.سي)، وهي هيئة شاملة تضم 45 مجموعة لحماية المستهلكين، في بيانٍ لها في أواخر شهر فبراير شباط الماضي، أن ثماني مجموعات قدمت شكاوى إلى سلطات حماية البيانات الوطنية الخاصة بها.
وتتضمن تلك الشكاوى اتهامات لميتا بالقيام بعملية ضخمة لجمع ومعالجة بيانات المستخدمين خلف «ستار زائف يعطي للمستخدمين حق الخيار بين الدفع أو قبول الشروط لجمع البيانات».
واعتبرت المنظمة ذلك بمثابة تحايل لجمع ومعالجة البيانات بشكل غير قانوني، وفقاً لوصف البيان.
كيف بدأت المشكلة؟
هذه ليست الأزمة الأولى بين ميتا والمستخدمين وسلطات حماية المستهلك، إذ دفعت أحكام قضائية وقرارات رسمية سابقة شركة ميتا إلى تغيير الأساس القانوني لجمع ومعالجة البيانات من خلال الحصول على موافقة مستخدميها على جمع البيانات ومعالجتها.
ونتيجة لذلك، بدأت الشركة في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي تعرض على مستخدمي فيسبوك وإنستغرام «خياراً مضللاً وغير عادل، إما الدفع مقابل رؤية خدمة يفترض أنها خالية من الإعلانات، أو الموافقة على المراقبة التجارية الكاملة للشركة بالإعلانات».
وفي مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، قالت الدكتورة تارا القاضي، أستاذة أخلاقيات الإعلام وعلوم الاتصالات التسويقية المتكاملة في كلية الإعلام الجامعة الأميركية، إن هناك مشكلتين بخصوص الخيارات التي تمنحها ميتا والمنصات الاجتماعية الكبرى للمستخدمين.
وأضافت القاضي أن المشكلة الأولى تتمثل في «أن الشروط والسياسات التي يُطلب من المستخدم الموافقة عليها تكون طويلة ومعقدة للغاية، وأن معظم المستخدمين ليس لديهم القدرة على استيعاب البنود المكتوبة أو حتى الوقت الكافي لقراءة كل هذه التعليمات بتمعن».
أما المشكلة الثانية، فتتمثل في التعدي على خصوصية المستخدم و«المبالغة في الإعلانات التي تصبح بعد ذلك مزعجة، بل ومنفرة أيضاً».
وفي سياق مشابه، قالت أورسولا باشل، نائبة المدير العام لمنظمة المستهلكين الأوروبية، «لقد حاولت شركة ميتا تبرير المراقبة التجارية التي تمارسها على مستخدمي منصاتها»، لافتة إلى أن «الخيار غير العادل بالدفع أو الموافقة هو أحدث جهود الشركة لإضفاء الشرعية على نموذج أعمالها».
ما أنواع البيانات التي تجمعها منصات التواصل الاجتماعي؟
هناك أنواع مختلفة من البيانات التي يمكن جمعها عن طريق منصات التواصل الاجتماعي عن المستخدمين، مثل البيانات الديموغرافية التي تشمل العمر والجنس والموقع الجغرافي واللغة والسلوكيات، وكذلك البيانات التي تعكس تفاعلات المستخدمين كعدد المشاركات والنقرات والتعليقات.
وتساعد تلك البيانات الشركات في الوصول للعملاء المناسبين وتحقيق المبيعات والأرباح المطلوبة.
وقالت القاضي إن هذا الأمر يتيح للشركات والمعلنين «الوصول للشريحة التي يرغب فيها الجمهور المستهدف من العملاء عن طريق البيانات الديموغرافية وما تشير له مثل السن، والثقافة، والسكن، والمنطقة الجغرافية، والاهتمامات والميول».
تقول ميتا في نص سياسة الخصوصية على موقعها الرسمي إن الهدف من جمع بيانات المستخدمين هو فهم المستخدمين وخدمتهم بشكل أفضل، مشيرة لنوع المعلومات التي تستخدمها وتشاركها على النحو التالي:
– نشاطك والمعلومات التي تقدمها
– الأصدقاء والمتابعون والاتصالات الأخرى
– معلومات التطبيق والمتصفح والجهاز المستخدم
– معلومات من الشركاء والبائعين والأطراف الثالثة الأخرى
ماذا لو لم تسمح لميتا بجمع معلومات معينة عنك؟
تقول ميتا إن بعض المعلومات تكون ضرورية لكي تعمل منتجاتها بشكل مناسب والبعض الآخر قد يكون اختيارياً، لكن بدونها قد تتأثر جودة تجربة المستخدم، مشيرة بذلك لضرورة جمعها لبيانات المستخدمين على أوسع نطاق.
وتعلل ميتا جمعها للبيانات بأنها توفر بذلك تجربة فريدة وخاصة لكل مستخدم مثل الدفع بالإعلانات المناسبة له.
وأشارت الشركة على موقعها إلى أنها تقوم -في بعض الحالات- بإلغاء خاصية تحديد هوية المعلومات، ما يعني أنه يمكنها جمع معلومات خاصة للغاية تمثل خرقاً لخصوصية المستخدمين.
كما تؤكد الشركة أنها لا تبيع معلومات المستخدمين مطلقاً، إذ تقول على موقعها «نحن لا نبيع أياً من معلوماتك لأي شخص ولن نفعل ذلك أبداً، نطلب أيضاً من الشركاء والأطراف الثالثة الأخرى اتباع القواعد المتعلقة بكيفية استخدام المعلومات التي نقدمها والكشف عنها».
وتُمد ميتا المعلنين بتقارير حول عدد وفئات الأشخاص الذين يشاهدون إعلاناتهم ويتفاعلون معها، ما يمكّن المعلنين من فهم جمهورهم بشكل أفضل.
وتؤكد ميتا أيضاً أنها لا تزود هؤلاء المعلنين بمعلومات تسمح لهم بتحديد هوية المستخدمين أو التواصل معهم مثل أسمائهم وعناوين البريد الالكتروني الخاص بهم «دون موافقة مسبقة من المستخدم».
فخ منح الموافقة
يقع العديد من المستخدمين في فخ إعطاء الإذن بمشاركة المعلومات عند النقر على علامة الموافقة مع استخدام أي من الألعاب التي تظهر للمستخدمين أو عند تصفح تطبيقٍ ما على منصات ميتا، وذلك دون دراية كافية منهم بمدى مشاركة هذه المعلومات.
هذا هو الأمر الذي تستند له الشكاوى المتلاحقة ضد ميتا، إذ تشير بعدم وضوح الشركة في التعامل مع المستخدمين، فضلاً عن عدم إتاحة خيار حقيقي بعدم مشاركة المعلومات، فمع التمعن في قراءة الشروط والسياسات، نجد أنه لا مفر من مشاركة البيانات خلال رحلة التصفح واستخدام منتجات ميتا المختلفة «حتى في حالة عدم إنشاء حساب».
وتنصح الدكتورة تارا القاضي بأمرين لتجنب ذلك، أولاً، «يجب أن تكون الشروط والسياسات التي يوافق عليها المستخدم مبسطة وقصيرة وواضحة وصريحة» بحيث يفهمها المستخدم بسهولة، ويستطيع قراءتها كلها بدون استهلاك وقته.
ودعت لضرورة تمرير التشريعات الرادعة للمنصات الاجتماعية لضبط ممارساتها وضمان حقوق المستخدمين، وأوصت بتنظيم حملات توعية خاصة للشباب والأطفال باعتبارهم الجيل الجديد الذي يستخدم تلك المنصات بصورة كبيرة دون إدراك الجانب السلبي فيها.
كيف تسير تشريعات حماية البيانات والخصوصية في جميع أنحاء العالم؟
مع تزايد الأنشطة الاجتماعية والمعاملات التجارية عبر الإنترنت، أصبح هناك اعتراف عالمي متنامٍ بأهمية حماية الخصوصية والبيانات.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو آلية جمع المعلومات الشخصية واستخدامها ومشاركتها مع أطراف ثالثة دون إشعار مسبق أو موافقة من جانب المستخدم، ما دفع 137 دولة من أصل 194 إلى وضع تشريعات لضمان حماية البيانات والخصوصية.
جاءت معظم الشكاوى الأخيرة ضد ميتا وغيرها من المنصات الإلكترونية من دول وكيانات تابعة للاتحاد الأوروبي، إذ يختلف مدى جدوى التشريعات التي تحكم حماية البيانات من منطقة لأخرى.
ووفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في عام 2021، تعتمد إفريقيا هذه التشريعات بنسبة 61 في المئة مقابل 57 في المئة لآسيا.