يبدأ شهر رمضان 2024 وتبدأ معه العادات والتقاليد المرتبطة بهذا الشهر للأسر العربية في شتى بقاع العالم، فبجانب ارتباط هذا الشهر بالعبادة والتقرب إلى الله، فهو يشهد كذلك رواجاً في صناعة الدراما والمحتوى التلفزيوني، فضلاً عن صناعة الإعلانات التي تزدهر خلال الشهر.

وفي الآونة الأخيرة، انضمت لهذا السباق الرمضاني منصات البث الرقمي القائمة على الاشتراكات مثل شاهد وواتش ات وغيرهما من منصات المشاهدة عبر الإنترنت.

وبطبيعة الحال، تهتم كبرى شركات الإنتاج الدرامي بالوجود وبقوة خلال موسم رمضان، الذي يتسابق المنتجون فيه على تقديم المحتوى المتميز، الذي يجذب المشاهدين، وبالطبع الإعلانات التي تجلب العائد الاستثماري الأكبر للقنوات، ليمثل بذلك شهر رمضان فرصة استثمارية كبيرة لكلٍ من القنوات التلفزيونية وشركات الإنتاج التلفزيوني ومنصات المشاهدة، لا سيما شركات الدعاية والمعلنين أنفسهم الذين يفوزون بالحصيلة الأكبر من المشاهدين ويحصلون على فرصة أكبر لوصول منتجاتهم مباشرةً للفئات المستهدفة من الجمهور.

دراما رمضان تحرك قطاعات واقتصادات الدول

يقول جمال العدل، المنتج المصري ورئيس مجلس إدارة شركة العدل جروب مالتي ميديا، وهي شركة رائدة في الإنتاج الفني في مصر والوطن العربي، متحدثاً عن أهمية الوجود في موسم رمضان لـ«CNN الاقتصادية»، «صناعة الدراما مهمة جداً في مصر وفي الوطن العربي»، وتابع حديثه قائلاً إنها صناعة بدأت أولاً في مصر منذ بداية الستينيات لتنتشر بعد ذلك في باقي الدول العربية.

وقال العدل إن صناعة الدراما «لا تقوم على يسرا وعادل إمام فحسب»، مشيراً بذلك إلى حجم الصناعة الذي يعتمد على آلاف الأفراد لإنتاج العمل الواحد، وأضاف «تضم صناعة الدراما مئات المهن ما بين ممثلين ومهندسي ديكور ومصورين ومخرجين وفنيين، مروراً بالترزية، وعمال البلاط وغيرهم».

وأكد أنه «على أقل تقدير كل مسلسل -عمل درامي- به ما لا يقل عن ألف شخص» يعملون على إنتاج هذا العمل الفني، ما يعني «ألف بيت مفتوح بسبب هذا العمل»، وأوضح أن صناعة الأعمال الدرامية تقترن دائماً بصناعة الإعلانات التي تعتمد على وجود المحتوى الفني لعرض الإعلانات خلال مشاهدتها، ما يخلق أيضاً مجالاً أوسع لمهن أكثر في قطاع الدعاية والإعلانات كامتداد لصناعة الدراما، مشيراً بذلك لأهمية صناعة الدراما في فتح فرص أكثر للعمل.

ويرى العدل أن صناعة الدراما «من أهم الصناعات في مصر».

أما صادق الصباح المنتج اللبناني ورئيس مجلس إدارة شركة سيدرز آرت برودكشن (صباح أخوان)، وهي شركة رائدة في الإنتاج الفني في لبنان والوطن العربي، فقال لـ«CNN الاقتصادية» في مقابلة عبر تطبيق زووم، إنه «بالرغم من الظروف الصعبة في لبنان ووجود شبه حرب على الحدود الجنوبية اللبنانية فإن الحياة في الداخل مستمرة».

وأضاف أنهم كشركة إنتاج ذات خبرة طويلة في المنطقة، فهم يعرفون كيف يُصرفون أمورهم الإنتاجية لتخطي الصعوبات والظروف غير الاعتيادية، مؤكداً أن العنصر الأهم في الدورة الإنتاجية هو «الكوادر الفنية المحترفة»، وأوضح الصباح أن شركته معنية بالإنتاج العربي بشكل عام وليست محصورة في لبنان فقط.

وقال الصباح إن الدورة الاقتصادية في لبنان شهدت انخفاضاً بالأرقام بالنسبة لقطاع الإنتاج في الفترة بين 2019 و2021، لكن الوضع عاد ليستقر بدايةً من عام 2021، وقال المنتج اللبناني «إن الإنتاج الدرامي الآن في أحسن حالته، وهناك طلب مرتفع على الأعمال الدرامية من كل الأنماط، سواء مسلسلات قصيرة أو متوسطة أو طويلة الحلقات».

كما أكد العدل أن الظروف الاقتصادية الصعبة قد تؤثر على عدد الأعمال المطروحة لكنها «لن تؤثر بأي حال من الأحوال على جودة العمل»، وأضاف أن جودة إنتاج العمل أمر «لا تتهاون فيه أي شركة إنتاج».

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فيقدر حجم سوق الترفيه والتسلية بنحو 2.55 مليار دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 4.20 مليار دولار أميركي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.44 في المئة خلال الفترة المتوقعة (2024-2029)، وذلك وفقاً لتقرير حديث من وكالة الأبحاث موردر انتلجنس.

ووفقاً للتقرير نفسه، فيُقدر حجم سوق الإعلام والترفيه في منطقة الشرق الأوسط ككل بنحو 42.72 مليار دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 66.99 مليار دولار أميركي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 9.41 في المئة خلال الفترة المتوقعة (2024-2029).

ويشير تقرير حديث من وكالة بي دبليو سي إلى أن المسلسلات هي أفضل البرامج التلفزيونية تصنيفاً والأكثر مشاهدة في المملكة العربية السعودية، وفقاً لبيانات مجموعة إم بي سي السعودية.

ما الذي يميز الإنتاج في شهر رمضان عن باقي السنة؟

يتحدث العدل عن اختلاف الدورة الإنتاجية في موسم رمضان عن باقي شهور السنة، قائلاً إنه «بالطبع يختلف الإنتاج في رمضان لأن العائد من الإعلانات يكون بنحو 33 في المئة في شهر رمضان وحده، أما الأحد عشر شهراً الباقية من العام فيتوزع عليها 66 في المئة من إيرادات الإعلانات»، مشيراً إلى ارتفاع كثافة المشاهدة في رمضان، لذلك يحبذ المعلنون هذه الفترة من السنة، ما يعود على القنوات التلفزيونية والقطاعات المتعددة الأخرى بالأرباح والعائدات الاستثمارية الأعلى.

وتسهم مشاهدة التلفزيون على نحو متكرر خلال شهر رمضان في زيادة وصول الإعلانات؛ حيث بُث أكثر من 100 إعلان تلفزيوني على قنوات مجموعة إم بي سي في عام 2020 وعام 2021 أثناء الإفطار أو بعده مباشرة، وبالتالي تُباع الإعلانات خلال شهر رمضان بثلاثة أضعاف السعر العادي، ويميل منتجو وناشرو المحتوى المتميز إلى تخصيص ميزانيات أعلى لعروض رمضان، ما يزيد من قيمة إنتاجهم، وذلك وفقاً لتقرير أداء مجموعة إم بي سي.

ويقول الصباح «يتبقى في رمضان عن باقي أيام السنة ميزة معينة، وهي أن العائلة العربية -سواء الموجودة في الوطن العربي أو في المهجر- عادة ما تفضل التجمع لمشاهدة المسلسلات، لذلك نعتبره سباقاً مثل سباق الخيل».

لكنه أوضح أن السوق أصبحت مفتوحة وبها طلب على مدار العام، حتى في موسم الصيف، معللاً بذلك دخول منصات المشاهدة إلى الساحة.

بروز منصات المشاهدة مقابل اشتراك في الآونة الأخيرة

تعد صناعة الإعلام والترفيه واحدة من أول قطاعات الأعمال التي قادت التحول الرقمي، ولا تزال مستمرة في تطويرها.

ويشهد قطاع منصات المشاهدة مقابل اشتراك نمواً مستمراً، إذ أصبح استخدام مجموعة كاملة من المحتوى ممكناً عبر اشتراك الفيديو عند الطلب (SVOD)، الذي يفرض رسوم اشتراك محددة، عادةً مرة واحدة شهرياً، أو سنوياً.

وتستثمر دول مثل مصر ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير في تطوير التكنولوجيا بفضل مبادرات النطاق العريض التي قامت بها مختلف الدول لدعم منصات المشاهدة عبر الانترنت، إذ يقدم عدد متزايد من شبكات البث، مثل شاهد وواتش ات ونتفليكس وأمازون برايم العاملة عالمياً ومحلياً، خدمات (VOD فيديو أون ديماند) أي منصات المشاهدة القائمة على الاشتراك للمشاهدين في المنطقة.

ويقول الصباح إن هذا الأمر أتاح لشركات الإنتاج الفني أن تستمر في العمل طوال السنة بغزارة أكثر في الإنتاج الدرامي وليس فقط في مواسم الذروة مثل رمضان.

ويرى العدل أن وجود المنصات أمر إيجابي للصناعة وللمنتجين، وللمشاهدين وللشركات القائمة على المنصات، وأن هذا الأمر لا شك أنه يعود بالنفع الاقتصادي على جميع الأطراف.

على سبيل المثال، ووفقاً لتقرير بي دبليو سي الذي يحلل أداء مجموعة إم بي سي، وصل عدد مستخدمي شاهد، المنصة التي أطلقتها إم بي سي في عام 2009 إلى 9.5 مليون مشاهد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وارتفع متوسط عدد المشاهدين شهرياً للفيديوهات حسب الطلب المستندة إلى الإعلانات بنسبة 28 في المئة من معدل النمو السنوي المركب في العامين الماضيين ليصل إلى 3.4 مليون مشاهد في المتوسط.

وفي عام 2021، دون احتساب شهر رمضان، وصل عدد مشتركي منصة شاهد في.أي.بي التي تقوم على نظام الاشتراكات إلى 2.25 مليون مشترك إجمالاً في رمضان 2022.

وارتفعت معدلات استخدام الهواتف المحمولة في المملكة بسبب استخدام 77 في المئة من متابعي شاهد من السعوديين لهواتفهم المحمولة في مشاهدة محتوى المنصة.

ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات اشتراك الفيديو حسب الطلب (SVOD) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 1.77 مليار دولار أميركي بحلول عام 2023، وفقاً لآخر تحديث من ستاتيستا في فبراير شباط 2024.

وأعلنت شاهد، الشركة الرائدة في اشتراك الفيديو حسب الطلب خلال السنوات الماضية، عن تمديد شراكة توزيع المحتوى بين إم بي سي ووارنر بروس، كان هذا بالإضافة إلى (ديسكوفري) الذي سمح لـ شاهد بالحفاظ على ريادتها من خلال المزيد من محتوى الأطفال على المنصة.

يعتقد العدل أن منصات المشاهدة تجذب الجيل الأصغر سناً أكثر من الكبار، وهذا ما يؤكده تقرير بي دبليو سي الذي يقول إن مشاهدي الفيديو عبر شاهد أصغر سناً من مشاهدي قناة إم بي سي.

ويرى الصباح أن هذه المنصات وفرت مرونة أكبر للمشاهدين في اختيار التوقيت المناسب والظروف المناسبة لمشاهدة ما يفضلونه دون التقيد بالمواعيد الثابتة مثلما هو الوضع مع قنوات التلفزيون.

هل ستسحب المنصات البساط من تحت القنوات التلفزيونية؟

يقول العدل إنه لا يعتقد أن المنصات ستسحب البساط من تحت القنوات التلفزيونية، لأنه يؤمن أن «لشاشة السينما والتلفزيون بريقها وسحرها الخاص» الذي يجعلها تستمر ولا تختفي، والعديد من فئات المجتمع المختلفة دائماً ما سيفضلون متابعة مسلسلاتهم المفضلة عن طريق شاشة التلفزيون ضمن مواعيد محددة تتخللها الإعلانات.

ويشير تقرير بي دبليو سي إلى أن سوق التليفزيون لا تزال مهيمنة على بقية أسواق قطاع الفيديو، وذلك على الرغم من نمو استهلاك الفيديو حسب الطلب.

ومن المتوقع أن يحافظ التلفزيون على هذه المكانة، إذ يحقق نحو 50 في المئة من إجمالي إيرادات سوق التلفزيون والفيديو، ففي عام 2019 حقق التلفزيون 54 في المئة من إجمالي إيرادات التلفزيون والفيديو، ومن المتوقع أن يحقق 47 في المئة من إجمالي الإيرادات في عام 2025.

ويرى الصباح أن موسم رمضان 2024 سيتمتع بالتنوع في الدراما بين عدة لهجات وأنماط، وسيكون «سباقاً مهماً جداً على نطاق الوطن العربي».

كما يرى العدل أن رمضان هذا العام سيشهد العديد من الأعمال الجيدة المتنوعة بين التاريخي والاجتماعي والكوميدي، ويتمنى أن يكون هذا الموسم أفضل من السابق.

وتقدم شركتا الإنتاج المصرية واللبنانية أعمالاً درامية مميزة لهذا العام، خلال موسم رمضان 2024، على شاشات التلفزيون الأرضي بالإضافة لمنصات المشاهدة مثل شاهد و واتش ات و جوّي.