أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عمّا إذا كان استخدام الهواتف الذكية وقضاء الوقت أمام الشاشات الرقمية قد يتراجع بسبب إدراك المراهقين أنهم أصبحوا يقضون أوقاتاً أكثر من اللازم أمام شاشات هواتفهم الذكية.
وفي عصر التطور التكنولوجي السريع وزيادة ارتباط الأشخاص أكثر وأكثر بهواتفهم الذكية للتعامل مع كل أمورهم الحياتية، أجرى مركز أبحاث أميركي دراسة حديثة لبحث سلوكيات المراهقين وأولياء الأمور في تعاملهم مع شاشات الأجهزة والهواتف الذكية وقياس مدى استخدامهم إياها والوقت الذي يقضونه في تصفحها.
وشملت الدراسة 1453 مراهقاً أميركياً تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً وأولياء أمورهم، وجرى استطلاع الرأي في الفترة من 26 سبتمبر أيلول إلى 23 أكتوبر تشرين الأول من عام 2023.
وكان السؤال الأهم الذي دار حوله الاستفتاء هو «كيف يتعامل المراهقون وأولياء الأمور مع قضاء الوقت أمام شاشات الهواتف والأجهزة الذكية؟»، لتجيب عن هذا السؤال الدراسة الحديثة من مركز أبحاث ( بيو) الأميركي، وهو مركز أبحاث مستقل يُعرِّف العامة بالقضايا والمواقف والاتجاهات السائدة التي من شأنها أن تشكل العالم.
ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التكنولوجيا، فضلاً عن الهواتف والأجهزة الذكية، والقطاع التكنولوجي ككل، باتت محركات أساسية في قطاعات الأعمال والاقتصاد العالمي، فهي عوامل مؤثرة على خطط الأعمال، والخطط التسويقية، وأهداف عائدات الاستثمار للشركات في مختلف القطاعات.
ويأتي هذا الاعتماد على القطاع التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الاتجاهات وأخذ القرارات، لما تتمتعان به من عدد أغلبية المستخدمين والمتابعين من كل الأنماط والفئات في شتى المجتمعات.
وترى التقارير أن أي تغير لسلوكيات هؤلاء المستخدمين سيُحدِث أثراً على الاتجاهات العالمية لمختلف القطاعات.
تحول رؤية المراهقين وجهود لتقليص الوجود أمام الشاشات
كشفت الدراسة الحديثة عن مفاجأة في توجهات المراهقين ورؤيتهم لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أشار عدد أكبر من المراهقين المشاركين في الاستفتاء إلى إدراكهم أنهم يقضون أوقاتاً أطول على المنصات الاجتماعية، منوهين بضرورة تقليص هذا الوقت، في حين يرى عدد أقل من المراهقين المشاركين أنهم لا يقضون وقتاً كافياً على هذه الوسائل الرقمية.
وخلص التقرير إلى أن 38 في المئة من المراهقين يقضون الكثير من الوقت على هواتفهم الذكية، بينما قال ربع المراهقين المشاركين الشيء ذاته في ما يتعلق بمعدلات استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن العدد الأكبر من المراهقين قالوا إن مقدار الوقت الذي يقضونه على هواتفهم (51%) أو على وسائل التواصل الاجتماعي (64%) مناسب إلى حد بعيد، بينما يقول عدد قليل نسبياً من المراهقين إنهم لا يقضون وقتاً كافياً في استخدام هذه التقنيات.
كما تختلف وجهات النظر حول هذا الموضوع وفقاً للنوع، إذ توضح الدراسة أن الفتيات أكثر إدراكاً لزيادة استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالفتية، فمن المرجح أن تقول الفتيات المراهقات أكثر من الفتية المراهقين إنهن يقضين الكثير من الوقت على هواتفهن الذكية (44% مقابل 33%) أو وسائل التواصل الاجتماعي (32% مقابل 22%).
واتخذ عدد من المراهقين خطوات لتقليل الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات، إذ يقول ما يقرب من أربعة من كل عشرة مراهقين (39%) إنهم قلصوا وقتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك حصة مماثلة تقول الشيء نفسه عن استخدام هواتفهم الذكية (36%).
وتشير الدراسة أيضاً إلى أن الفتيات أكثر ميلاً لاتخاذ خطوات للحد من استخدام وسائل التواصل أو الهواتف الذكية من الفتية.
كيف يشعر المراهقون مع عدم وجود هواتفهم؟
عبّر المراهقون المشاركون في الاستفتاء عن مشاعر مختلفة إزاء الفترة التي يقضونها بعيداً عن هواتفهم، لكن الدراسة ركزت على خمسة مشاعر محددة وتوجهت بالأسئلة للمشاركين على أساسها.
وقال نحو ثلاثة أرباع المراهقين إن عدم وجود هاتف يجعلهم يشعرون بـ«السعادة» وكانت نسبتهم 74 في المئة، وأجمع نحو 72 في المئة منهم على شعور بـ«السلام».
وبالنسبة للمشاعر السلبية سجلت الدراسة نسباً أقل، ولكنها لا تزال ملحوظة، إذ يقول المراهقون إن عدم امتلاك هواتفهم في بعض الأحيان على الأقل يجعلهم يشعرون بالقلق (44%)، والانزعاج (40%)، والوحدة (39%).
ردود فعل الآباء في عصر الهواتف الذكية
مما لا شك فيه أن تربية الأبناء هي من أكبر التحديات التي تواجهها الأسر والمجتمعات ككل، لكن في عصر التطور السريع والوصول السهل لكل وسائل التكنولوجيا والمنصات الاجتماعية الشاشات الرقمية فقد أصبح الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لأولياء الأمور.
ومع ظهور الهواتف الذكية، أصبح واجباً على الآباء اليوم الإجابة عن العديد من الأسئلة التي لم تكن موجودة في الأجيال السابقة؛ إلى أي مدى يجب عليهم مراقبة استخدام هواتف أبنائهم عن كثب؟ ما مقدار الوقت الذي يقضيه الأبناء أمام الشاشة فيعتبر أكثر من اللازم؟ وكم مرة تؤدي الهواتف إلى الخلافات الأسرية؟
تقول الدراسة إن تفتيش الآباء هواتف أبنائهم المراهقين أمر شائع وإن العديد من الأبناء يكونون على دراية بذلك.
يقول نصف آباء المراهقين إنهم يفحصون هواتف أبنائهم، وعندما سئل المراهقون عمّا إذا كانوا يعتقدون أن آباءهم قاموا بتفتيش هواتفهم، قال 43% منهم إن هذا حدث بالفعل.
وتشير الدراسة إلى أن المناقشات بين الآباء والأبناء حول استخدام الهاتف تؤدي في كثير من الأحيان لنشوب الخلافات الأسرية، إذ يقول ما يقرب من أربعة من كل عشرة آباء ومراهقين (38%) إنهم على أقل تقدير يتجادلون في ما بينهم بشأن مقدار الوقت الذي يقضيه الابن المراهق على الهاتف.
وتشير الدراسة إلى شيء مثير للاهتمام وهو أن الأسر الأميركية الأعلى دخلاً تعتقد أنها أقل قدرة على السيطرة على أبنائها في ما يتعلق بمعدلات استخدام الهاتف الذكي والمنصات الإلكترونية.
ولم يَنجُ الآباء من دائرة الاتهام في ما يتعلق بالاستخدام المتزايد لهواتفهم الذكية وقضاء الوقت أمام الشاشات ما يشتت انتباههم وتركيزهم ويجعلهم منشغلين عن الالتفات للتفاعل أو الحديث مع أبنائهم.
إذ يقول ما يقرب من نصف المراهقين (46%) إن الوالدين يتشتت انتباههما في بعض الأحيان بسبب هاتفيهما عندما يحاول الأبناء التحدث إليهما، بما في ذلك 8% يقولون إن هذا يحدث كثيراً.
وتقول الدراسة إن الآباء الأعلى دخلاً يعتقدون أنهم يقضون وقتاً أطول أمام شاشات هواتفهم.
فوائد الهواتف الذكية تفوق الأضرار
هذا ما يعتقده معظم المراهقين، إذ يقول سبعة من كل عشرة مراهقين إن الهواتف الذكية لها فوائد أكثر من الأضرار للأشخاص في سنهم، في حين أن نسبة أصغر (30%) تتبنى وجهة نظر معارضة تقول إن الأضرار أكثر من الفوائد.
ويظهر الاستطلاع أيضاً أن المراهقين يرون تأثيرات هذه الأجهزة على جوانب معينة من الحياة بشكل مختلف.
فعلى الصعيد الإبداعي، يعتقد المزيد من المراهقين أن الهواتف الذكية تجعل الإبداع وممارسة الهوايات وتحقيق أداء جيد في المدرسة أسهل، وليس أصعب.
ويقول أغلب المراهقين إن الهواتف الذكية تجعل من الأسهل على الأشخاص في سنهم ممارسة الهوايات والاهتمامات (69%) والإبداع (65%)، ويقول ما يقرب من النصف (45%) إن هذه الأجهزة سهلت على الشباب أداءً أفضل في المدرسة.
في المجمل، أثبتت الإحصائيات أن أكثر من يؤثر على اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي هم الجيل زد أي جيل الألفية الثالثة.
ووفقاً لدراسة (بيو)، هناك مؤشرات على وجود تغير في سلوكيات هذا الجيل وزيادة الوعي والإدراك لفوائد وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ينعكس على معدلات الاستخدام ونسب المستخدمين لتلك المنصات التي من شأنها التأثير على الشركات وتحريك الأسواق المختلفة لقطاعات مختلفة.