أطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة 5 نماذج لغوية كبيرة لتحفيز إنتاج الذكاء الاصطناعي وتبنيه من قبل الشركات، وتزامن ذلك مع حدثين بارزين شهدتهما المنطقة خلال الشهر الجاري.

يتمثل الأول في إعلان مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة استراتيجية عالمية شاملة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء شركة «إم جي إكس» للاستثمار التكنولوجي، بمساهمة كلٍّ من مبادلة للاستثمار و«جي 42»، أمّا الثاني فهو إعلان السعودية تأسيس صندوق للاستثمار في الذكاء الاصطناعي بقيمة 40 مليار دولار.

وشرح تيموثي بالدوين، عميد الجامعة، وأستاذ معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لـ«CNN الاقتصادية»، أن النماذج اللغوية الكبيرة الخمسة الجديدة نموذج «BiMediX» (بايميدكس) ونموذج «GLaMM» (جلام إم)‏ و«PALO» (بالو) «GeoChat» (جيوتشات) و«MobiLLaMA» (موبايل لاما) تغطي نطاقاً واسعاً من المجالات المحتملة بما في ذلك الرعاية الصحية والزراعة والحفظ وأي عدد من التطبيقات التجارية بها حساسيات البيانات أو الحلول التي تحتاج إلى استضافة بسعر رخيص على أنظمة الشركات المحلية.

وأضاف أته تم تصميم النماذج بشكل عام ليتم تطبيقها في السيناريوهات حيث يكون الوصول إلى البيانات وقدرات الحوسبة ومصادر الطاقة محدوداً «وبهذه الطريقة، فإنه يمكن إتاحة النماذج اللغوية الكبيرة أمام المؤسسات ومجموعات الأفراد ممن يفتقرون إلى مثل هذه الحلول».

وتابع «نأمل أن تسهم النماذج الجديدة في توفير الذكاء الاصطناعي في مناطق أوسع من العالم، وتقليل العوائق التي تحول دون اعتماد الذكاء الاصطناعي في المناطق التي تعاني نقص الخدمات تقليدياً».

التكلفة والاستثمار

تحفظ بالدوين على الإجابة عن سؤال حول التكلفة المرتقبة لهذه التطبيقات على الشركات موضحاً أن الاستثمارات الواجب ضخّها في تطوير حلول قائمة على هذه النماذج تعتمد بالدرجة الأولى على المؤسسات واحتياجاتها.

وتختلف قيمة التكلفة بناء على متطلبات الشركة وفيما إذا أرادت بناء نماذج مستقلة بنفسها أو استخدام النماذج اللغوية الكبيرة التي يتم البناء عليها.

وفي هذا السياق يعتبر «MobiLLaMA» (موبايل لاما) المطور بالتعاون مع مبادرة LLM 360 هو النموذج الوحيد المفتوح المصدر أي أنه يتيح للأطراف كافة استخدام بيانات التدريب مع النموذج كلها، بالإضافة إلى الرمز المصدر والسجلات والمقاييس.

ويهدف هذا النموذج وفق بالدوين إلى تحسين الشفافية والتعاون في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، كما يتيح للمؤسسات تطوير حلول مخصصة وبتكلفة أقل بكثير مقارنة بحالة لو أرادت المؤسسات البدء من الصفر.

واستطرد بالدوين «نأمل أن يساعد هذا النموذج في تعزيز روح ريادة الأعمال وتشجيع الأفراد والمؤسسات على استطلاع التطبيقات والحلول المحتملة التي يمكن تصميمها بناء على هذه النماذج وذلك من أجل إيجاد حلول للتحديات المجتمعية الفعلي».

ويبقى الإفصاح عن هذه التكاليف حتى اليوم عملية متحفظة من قبل الصانعين، وتعتمد التكاليف عدة نقاط من بناء وتدريب وتشغيل النماذج اللغوية الكبيرة وتدخل فيها عدة عناصر مثل الموارد الحسابية واستهلاك الطاقة وتخزين البيانات وغدارتها.

ويقدر الباحثون وصول تكلفة تدريب GPT-3 من OpenAI بنحو 5 ملايين دولار فيما قدر تقرير صادر عن ديلان باتيل، كبير المحللين في SemiAnalysis وصول التكلفة التشغيلية لـChatGPT إلى أكثر من 700,000 دولار يومياً.

فوائد جمة

شرحت رشا عبدالصمد المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لـ«CNN الاقتصادية» أهمية استخدام هذه النماذج القائمة على اللغات الكبيرة (LLMs) والمدعومة بقدرات معالجة اللغات الطبيعية (NLP) المتقدمة، بكونها تزيد إنتاجية الشركات وترفع فاعلية أدائها لأنها تساعد على تقديم خدمات عملاء مخصصة وسريعة الاستجابة كروبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين وأنظمة الاستجابة الآلية.

وأضافت «يمكن للشركات التفاعل مع العملاء في الوقت الفعلي ومعالجة الاستفسارات وحل المشكلات وتقديم توصيات مخصصة بسرعة وكفاءة، كما تضمن هذه النماذج توفر الاستجابة على مدار الساعة وجودة خدمة متسقة، ما يؤدي إلى جودة عالية في تقديم الخدمات وزيادة رضا العملاء وولائهم».

وأشارت إلى أن الاستثمار بهذه التقنيات يمكّن الشركات من الاحتفاظ بقاعدة عملائها من خلال الاستفادة من تاريخ البيانات وسلوكيات العملاء وتوقع احتياجاتهم فتكون الشركات التي تستخدم هذه التطبيقات أكثر استباقية واستجابة لمتطلبات الزبائن، الأمر الذي يضمن لها الولاء والدعم الطويل الأمد.

وحول رفع كفاءة عمليات الشركات قالت إن هذه النماذج تلعب دوراً مهماً في تحسين العمليات التجارية المختلفة وذلك من خلال الأتمتة واتخاذ القرار الذكي؛ فهي تبسّط سير العمل وتقلل التدخل اليدوي وتتخلص من المهام المتكررة عبر وظائف متنوعة مثل دعم العملاء وتحليل البيانات وإنشاء المحتوى سواء كان الأمر يتعلق بأتمتة استجابات البريد الإلكتروني أو تصنيف تذاكر الدعم أو إنشاء تقارير مفيدة، تعمل نماذج اللغة على تعزيز الكفاءة التشغيلية، ما يسمح للشركات بتخصيص الموارد بشكل أكثر فاعلية والتركيز على المبادرات الاستراتيجية التي تدفع النمو.

وشددت عبدالصمد على الآثار الاقتصادية لدمج نماذج اللغة في العمليات التجارية واصفة إياها بالكبيرة والعميقة.

وقالت «فمن خلال أتمتة المهام الروتينية وتسريع العمليات، يمكن للشركات تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف المرتبطة بالعمل والوقت والموارد، علاوة على ذلك فإن خدمة العملاء المحسنة وعملية الحفاظ على العملاء التي تسهلها نماذج اللغة تترجم إلى فوائد مالية ملموسة، بما في ذلك زيادة المبيعات، وزيادة قيمة عمر العميل، وانخفاض تكاليف الاستحواذ، بينما تقوم الشركات بتسخير قوة نماذج اللغة لدفع الكفاءة التشغيلية والتميز، وتعزيز ولاء العملاء، فإنها تفتح طرقاً جديدة لتوليد الإيرادات والنمو المستدام».

ومما لا شك فيه أن هذه التطبيقات ستساعد على تعزيز موقع الإمارات كمنتج للذكاء اصطناعي حيث تتماشى الجهود المحلية والابتكار مع مثيلاتها في العالم وفق بالدوين الذي شدد على أهمية إدراك حقيقة الاختلاف الكبير في التحديات التي تواجه الأفراد في الأنحاء المتفرقة من العالم بسبب التباينات الاقتصادية والثقافية، والهدف يبقى أن يتمكن الأفراد من تصميم حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي تلبي احتياجاتهم الخاصة أكثر من مجرد اعتمادهم على منتجات ذكاء اصطناعي ذات استخدامات عامة.