أصبحت منصة تيك توك، المعروفة بالترفيه السريع والمحتوى المبتكر، أكثر من مجرد مكان للفيديوهات القصيرة؛ فبحسب استطلاع أدوبي 2024 الصادر في مارس آذار الجاري، فإن شباب الجيل زد في الولايات المتحدة يتجهون الآن إلى تيك توك بحثاً عن المعلومات، ما يعيد تشكيل منظومة البحث على الإنترنت ويضع تحديات جديدة أمام محركات البحث التقليدية مثل غوغل.

وبحسب الاستطلاع، قال نحو واحد من كل عشرة من أفراد الجيل زد إنهم أكثر ميلاً للاعتماد على تيك توك للبحث أكثر من غوغل، كما تظهر مؤشرات عادات البحث المتطورة لدى الأميركيين أن أكثر من اثنين من كل 5 استخدموا تيك توك كمحرك بحث.

هذا التحول يشير إلى تغير جذري في سلوكيات البحث والاستهلاك، ما يثير تساؤلات حول مستقبل البحث على الإنترنت والتأثيرات المحتملة على صناعة المعلومات والإعلان.

التطبيق المفضل للجيل زد

لم يقتصر تيك توك على مجال معين، فقد باتَ المنصةَ التي ينتقل إليها المستخدمون قاصدين مجموعة واسعة من المجالات، والموضوعات، بدءاً من وصفات الطبخ، التي يفضلها جيل زد بنسبة 29 في المئة أكثر من جيل الألفية، إلى الموسيقى وأفكار الأعمال اليدوية والأزياء والمزيد من الأشياء الأخرى الكثيرة، ليلبي تيك توك بذلك جميع الاهتمامات.

لكن كيف يرى المتخصصون هذا الإقبال المتزايد على تيك توك كمحرك بحث في الحصول على المعلومات؟

يقول كريم الدمنهوري، أستاذ الإعلام والصحافة بجامعة دنفر في الولايات المتحدة الأميركية، في حديثه مع «CNN الاقتصادية» إن استخدام تيك توك كمحرك بحث «شيء خطر جداً»، وتابع الدمنهوري أنه في ظل انتشار المعلومات المغلوطة على منصات التواصل الاجتماعي، يصبح الاعتماد على تيك توك للحصول على المعلومات أكثر خطورة.

وأشار أستاذ الإعلام والصحافة إلى نتائج لبعض الإحصائيات التي صدرت في أواخر عام 2022 والتي تقول إن «واحداً من كل خمسة فيديوهات على تيك توك كان فيه معلومات مغلوطة»، وتابع الدمنهوري «بالطبع هذا الأمر خطير جداً عندما يتعلق الأمر بمعلومات صحية خاصة بالصحة النفسية أو الصحة الجسدية وما إلى ذلك».

واستطلعت الدراسة الحديثة من أدوبي رأي 808 من مستخدمي تيك توك للحصول على رؤى حول سلوكهم في البحث على المنصة، كما شمل الاستطلاع 251 من أصحاب الأعمال بغرض استكشاف الطرق المبتكرة التي يستخدمونها لتعديل استراتيجياتهم التسويقية لتلبية اهتمامات بحث المستهلكين على تيك توك.

وتؤكد الدراسة أن مقاطع الفيديو التعليمية هي الخيار الأفضل لـ62 في المئة من مستخدمي تيك توك، مع تفضيل 39 في المئة فيديوهات التوصيات والنصائح سواء لمنتجات أو خدمات أو تجارب مختلفة، و38 في المئة السرد القصصي والحكايات الشخصية.

كان هذا التحول واضحاً بشكل خاص بين الأجيال الشابة، إذ قال 64 في المئة من جيل زد و49 في المئة من جيل الألفية إنهم استخدموا تيك توك كمحرك بحث.

ويقول الدمنهوري إن هذه الأرقام الحديثة تبدو «متوافقة مع ما قاله نائب رئيس غوغل في 2022 عندما قال إن الشباب يستخدمون إنستغرام وتيك توك كمحركات بحث بنسبة وصلت لنحو 40 في المئة، مؤكداً أن هناك منافسة شديدة لغوغل من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة».

اعتماد تيك توك كمحرك بحث

وعند سؤال المتخصص الإعلامي كريم الدمنهوري عن إمكانية اعتماد تيك توك كمحرك بحث عن طريق فرض سبل تدقيق معينة لضمان سلامة المعلومات، أجاب «هذا وارد، ولكن عملية التدقيق في المحتوى لن تحدث إلا نتيجة لضغطٍ ما من الحكومات أو المعلنين».

وبالإشارة للمنافسة الشرسة بين المنصات الاجتماعية المختلفة وتهديد عرش غوغل من قبل بعض المنصات، يقول الدمنهوري إن تيك توك عندما دخل السباق كلاعب جديد لينافس فيسبوك، وإنستغرام، وتويتر، ويوتيوب وغيرها، تميز عن كل هؤلاء بمحتوى الفيديو القصير الذي جذب الكثير من الشباب بحكم تفضيلهم هذا النوع من المحتوى الذي يتناسب مع سرعة إيقاعهم وقلة معدلات التركيز بينهم.

وأضاف أنه بعد هذا النجاح الكبير، سارعت المنصات المنافسة مثل إنستغرام ويوتيوب لإدخال خاصية مقاطع الفيديو القصيرة، أما الآن وتحديداً منذ ديسمبر كانون الأول الماضي، فتحول تيك توك نحو مقاطع الفيديو المطولة، بل ويحث مستخدميه على إنشاء محتوى فيديو طويل وكسب المال عن طريق هذا النوع من المقاطع المطولة.

ووسط هذا السباق الضاري، يحوم في الأفق تهديد جديد لتيك توك، بعد أن أقر مجلس النواب الأميركي مشروع حظر تيك توك في الولايات المتحدة.

فماذا يمكن أن يحدث إذا طُبق هذا القرار وتم الحظر بالفعل، وكيف يمكن أن يؤثر هذا القرار على التطبيقات المنافسة الأخرى وخاصة أكبر المنافسين مثل غوغل وميتا؟

مصائب قوم عند قوم فوائد

يقول كريم الدمنهوري إن «أي حظر لتطبيق ما يصب بطبيعة الحال في مصلحة باقي المنصات المنافسة»، سواء في عدد المستخدمين أو المعلنين وغيرها من الفوائد.

ويرى الدمنهوري أنه «إذا تم حظر تيك توك في أميركا فلن تتأثر الشركات الكبرى والعلامات التجارية الضخمة، لأنه في النهاية سيكون من السهل عليها الانتقال إلى المنصات الأخرى».

وتابع بقوله «أما الضرر الأكبر فسيقع على الشركات الصغيرة والمتوسطة وصانعي المحتوى» مشيراً إلى أن بعض هذه الشركات تضع نحو 60 في المئة من خططها التسويقية على تيك توك سواء من خلال مقاطع الفيديو أو خاصية البث المباشر.

ووفقاً لاستطلاع أدوبي، فإن 54 في المئة من أصحاب الأعمال الذين شملهم الاستطلاع استخدموا تطبيق تيك توك للترويج لأعمالهم، بمعدل نشر 9 مرات شهرياً.

كما أفاد الاستطلاع بأن أكثر من 53 في المئة من الشركات تعتزم في المستقبل تعزيز استثماراتها في التسويق عبر تيك توك، مع الاعتراف بفاعليته على الرغم من تحديات المشاركة وإنشاء المحتوى.

ولا يعتقد الدمنهوري أن قرار حظر تيك توك سينال موافقة مجلس الشيوخ الذي تهيمن عليه أغلبية ديمقراطية والتي تحتاج لفئة الشباب في دعمها خلال موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية الجاري.

ويقول «أشك أنه سيتم حظر تيك توك من المتاجر الإلكترونية في أميركا، حتى إن حدث ذلك سيستطيع الأشخاص تحميله عن طريق حيلة اتصال الإنترنت بالـ(في بي إن) أي الاتصال بشبكة إنترنت خارجية».