يهيمن الذكاء الاصطناعي أكثر فأكثر على عدة قطاعات في عالم الأعمال، إذ تعلن الشركات كل يوم عن إضافة المزيد من ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر عملياتها وخدماتها المختلفة.
أعلنت عدة شركات رائدة في القطاع التكنولوجي، خلال شهر مارس آذار الجاري، عن توسعها في دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالها، مثل «أوراكل» التي أعلنت عن إضافة ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر مجموعة برامج الشركة، وتكثيف المنافسة مع مايكروسوفت وشركات التكنولوجيا الأخرى لبيع التكنولوجيا لعملاء الشركات.
وقالت مايكروسوفت «إنها ستوسع نطاق إتاحة أداتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمحترفي الأمن السيبراني بدءاً من أول أبريل نيسان القادم مع اعتماد استراتيجية الدفع أولاً بأول لأداة الذكاء الاصطناعي».
وعلى الصعيد الاستثماري للذكاء الاصطناعي، تبنت شركة فوكسكون، الموردة لـ شركة أبل، توقعات أكثر تفاؤلاً بكثير لهذا العام، قائلة إنها تتوقع زيادة كبيرة في الإيرادات مدفوعة بالطلب المتزايد على خوادم الذكاء الاصطناعي.
كما قالت شركة «توجذر إيه آي – Together AI» المدعومة من ” انفيديا – Nvidia”، إنها جمعت 106 ملايين دولار في جولة تمويل جديدة، ما ضاعف قيمتها منذ الخريف الماضي، حين سارع المستثمرون إلى دعم الشركات الناشئة التي تستفيد من طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
تأثير الذكاء الاصطناعي على نماذج الأعمال
من المتوقع أن تعيد ثورة الذكاء الاصطناعي المستمرة تشكيل مشهد الصناعات العالمية بشكل كبير، تماماً مثلما كان التأثير الجذري الذي أحدثته ثورة الإنترنت منذ أكثر من عقدين من الزمن.
هذا ما يقوله التقرير الحديث الذي أصدرته رولاند بيرغر، شركة الاستشارات الإدارية العالمية، تحت عنوان «التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي على نماذج الأعمال وديناميكيات القوى العاملة»، والذي يركز على تحليل أثر دمج الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات وقطاعات الأعمال.
ويقول إلياس عاد، رئيس القسم الرقمي في «رولاند بيرغر» ومؤلف التقرير، لـCNN الاقتصادية «التقرير الذي طورناه يعتمد على مؤشر الضعف وهو نهج خاص نستخدمه لتحليل تأثير الذكاء الاصطناعي على نماذج الأعمال واختلالها أو اضطرابها وكذلك إنتاجية القوى العاملة مع الذكاء الاصطناعي».
وأشار عاد إلى أن الشركة حللت من خلال هذه الدراسة الحديثة 21 قطاعاً مختلفاً لقياس أثر الذكاء الاصطناعي عليها وتحديد القيمة التي أضافها لنماذج الأعمال هذه.
ومن ضمن القطاعات الأساسية الأكثر تأثراً بثورة الذكاء الاصطناعي هو القطاع التكنولوجي، إذ يقول عاد إن شركات التكنولوجيا تتمتع باكتساب «أكبر قيمة مضافة من قبل الذكاء الاصطناعي»، وتحدث على وجه الخصوص عن أنظمة البرمجة التي نالت النصيب الأكبر من الاضطراب الناشئ بسبب هذه الطفرة التكنولوجية.
ومن المنطلق نفسه، حلل رئيس القسم الرقمي في «رولاند بيرغر» إنتاجية القوى العاملة بالنظر إلى جميع المهام المعرفية سواء كانت التصميم الجرافيكي، أو تطوير المحتوى، أو دعم العملاء، وما إلى ذلك.
وخلص التقرير إلى التوجه إلى أتمتة كل هذه المهام بفضل الذكاء الاصطناعي.
وأكد عاد أن أي تحول يتطلب العمل على إدارة التغيير التي تركز على العاملين والموظفين في أي قطاع، ولكن هناك الكثير من التخوفات إزاء سيطرة الذكاء الاصطناعي لدرجة أنه حل محل العاملين، ويقول عاد إن هذا أكثر ما يؤرق العملاء والشركات التي يتعاملون معها، مشيراً إلى أن «هناك الكثير من الخوف من القوى العاملة، فهي تتساءل هل سيعطل الذكاء الاصطناعي وظيفتي ويستولي عليها؟».
ولكنه يوضح أنه في حقيقة الأمر، فإن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا أداة جديدة، وطريقة جديدة للعمل، إذ يرى أنه سيكون بمثابة المساعد للموظفين لإنجاز العمل والمهام بشكل أسرع وأكثر فاعلية وكفاءة، ويرى أن فرق العمل يجب أن «تتكيف بسرعة كبيرة» مع هذا التطور التكنولوجي.
وأوضح أن شركته تعمل مع العديد من المنظمات والشركات لتحسين المهارات والتأكد من أن المواهب والموارد البشرية معدة ومدربة جيداً على اعتماد الذكاء الاصطناعي حتى لا يشكل هذا التطور التكنولوجي تحدياً للقوى العاملة.
وعند تحليل نماذج الأعمال المختلفة وإنتاجية القوى العاملة التي ستتأثر بدمج الذكاء الاصطناعي، توصل التقرير إلى قائمة قصيرة من القطاعات التي ستكون الأكثر تأثراً، مثل الخدمات المهنية والترفيه، وكذلك النشر والخدمات المالية، كذلك سيحدث تحول في قطاعات أخرى، ولكن ليس بشكل كبير، مثل الرعاية الصحية على سبيل المثال.
أمثلة وتطبيقات
غالباً ما تحتاج الشركات إلى المساعدة في مواجهة تحديات مثل التدفق الزائد للبيانات، واتخاذ القرارات غير المتسقة، وعدم كفاءة تخصيص الموارد، والحاجة إلى رؤى في الوقت الفعلي، إذ يمكن أن تعوق هذه التحديات تنفيذ الأهداف والوصول إلى التقدم المنشود، لذلك فإن تكامل الذكاء الاصطناعي يخفف من هذه التحديات ويدفع الشركات نحو مستويات غير مسبوقة من التميز.
الذكاء الاصطناعي يحد من الانبعاثات
وبالحديث عن قطاع الطاقة، يقول دان جيفونز، نائب الرئيس للابتكار الرقمي في شركة شل متحدثاً لـ«CNN الاقتصادية»، إنه «يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة خاصة في قضية تحول الطاقة، خاصةً أن شركة شل ملتزمة بصافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050»، لذلك فإن للذكاء الاصطناعي دوراً محورياً وفعالاً في تحقيق الاستدامة البيئية.
ويوضح جيفونز أن للذكاء الاصطناعي تطبيقات متعددة في قطاع الطاقة، إذ يمكن استخدامه في قياس الغازات الدفيئة، وأضاف أن شركته أتاحت إطار العمل الذي ابتكرته لتتبع غاز الميثان.
وأوضح، «نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي للسماح لنا بتحديد الانبعاثات الهاربة، وهي انبعاثات أدق من أن تُرصد في الوقت الفعلي ومن ثم التصرف بناء على ذلك، ونحاول تمرير هذه الآلية، والعمل مع باقي القطاع لتطبيق الشيء نفسه».
في قطاع الصحة.. الذكاء الاصطناعي سيسهل الرصد
يقول جون كليبر الرئيس التنفيذي لشركة «بيبرا» للرعاية الصحية في حديثه مع «CNN الاقتصادية» «نستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالمرض والوقاية منه وتشخيصه، ونحن نركز الآن على منطقة مرضية تسمى الهذيان، والتي تشبه الخرف».
ويقول إلياس عاد عن استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية ضمن تحليله عن الصناعات التي تأثرت بالذكاء الاصطناعي، «هذه هي الصناعات التي ستستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل أمراض معينة والتنبؤ بها في تقارير الإشاعات وعمليات الفحص».
دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الرياضة
وفي حين يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء اللاعبين في الرياضة، فإن لنجم منتخب البرازيل لكرة القدم جيلبرتو سيلفا رأياً مغايراً، إذ يقول لاعب كرة القدم العالمي لـ«CNN الاقتصادية» «أعتقد أنه في السنوات القليلة الماضية أصبحت التكنولوجيا جزءاً من كرة القدم».
ولكنه تماشياً مع عبارة «خير الكلام ما قل ودل»، يرى أنه يجب عدم إثقال اللاعبين بالكثير من المعلومات، بل إعطاؤهم القدر القليل المفيد من المعلومات التي تعينهم لإتمام دورهم الرياضي في الملعب بدون تشتيت، مشيراً إلى دور الذكاء الاصطناعي في إدارة تدفق المعلومات.
وأضاف، «أعتقد أنه من المهم وجود التكنولوجيا في الرياضة إذ يمكننا ذلك من قياس الأداءِ وحالة اللاعب وهو أمر مهم للغاية حتى يتمكن المدير الفني من العمل مع اللاعبين».
في قطاع النقل.. العبرة بتحسين الكفاءة
أمّا في مجالِ النقل، فتستخدمُ شركة بولت الذكاء الاصطناعي باعتباره «أكثر كفاءة».
يقول ماركوس ويليج مؤسس شركة «بولت»، متحدثاً لـ«CNN الاقتصادية» إن شركته «تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل منذ سنوات وربما تقتصر حالات الاستخدام على التعريف الشخصي للسائقين، ودعمِ العملاء، وتعزيزِ الردود المختلفة للعملاء لتسريع وتيرة العمل».
وأكد أن الشركة تعمل دائماً على مواكبة التطور التكنولوجي فمع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من قبل إلا أن الشركة مستمرة في التطور، «نحن نستخدمه منذ سنوات ونستمر مع تطورِ التكنولوجيا.. إنه جزء مهم لجعل الشركة أكثر كفاءة، وتقدّم خدمة أفضل».
المدن السعودية تقود تطبيق الذكاء الاصطناعي
تحول مدينة الدرعية الخيال العلمي إلى واقع، إذ تدمج المدينة السعودية البنى التحتية للذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة الترفيه والسياحة في عرض تاريخ المدينة.
ويقول جيري إنزيريلو، الرئيس التنفيذي لمجموعة هيئة تطوير بوابة الدرعية، في حديثه مع «CNN الاقتصادية» «من خلالِ استخدام الذكاءِ الاصطناعي والواقع الافتراضي، أصبح بإمكانِ الناس الآن الرجوع إلى التشريعات التي توضّح كيف كانت تبدو المدينة».
وتابع موضحاً، «يمكنكَ المشي إلى أحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، والاستمتاع برؤية ما كان عليه، ولكن بعد ذلك في غضونِ دقائق، يمكنك الذهاب إلى المسيجات والتفاعل فعلياً مع المجتمع خلال الدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، والدولة السعودية الثالثة، والتعرفِ على الملوك، والمحاربين، والأئمة، والحرفيين».
الذكاء الاصطناعي إلى أين؟
تكشف النتائج التي توصل إليها تقرير «رولاند بيرغر» الأحدث أن قطاعات مثل الإعلام والبرمجيات والرعاية الصحية تقف في طليعة القطاعات الأكثر تأثراً أمام زحف الذكاء الاصطناعي، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على كل من القوى العاملة ونماذج الأعمال لديها، وتواجه هذه الصناعات حاجة ملحة للتكيف، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتكوين مزايا تنافسية جديدة مع التخفيف من آثاره المدمرة.
وحدد التقرير صناعات مثل البنوك والتأمين وتجارة التجزئة والاتصالات على أنها معرضة بشكل خاص لاضطرابات القوى العاملة، وتُنصح هذه القطاعات بتبني أدوات الإنتاجية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مع التركيز على رفع مهارات موظفيها نحو أدوار ذات قيمة مضافة أكبر.
ومن المتوقع أن تبلغ القيمة السوقية لقطاع الذكاء الاصطناعي نحو 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2032، ويقول التقرير إن قطاع الذكاء الاصطناعي سيشهد نمواً كبيراً على مدى السنوات العشر المقبلة من حجم سوق بلغ 40 مليار دولار فقط في عام 2022، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة الأبحاث «بلومبيرغ إنتليجنس».