تشتعل المنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي المحموم بين العديد من أكبر الشركات التكنولوجية في العالم، من مايكروسوفت وميتا إلى أبل، وبالطبع شركة أوبن إيه آي التي لمع اسمها عالمياً بفضل أداة تشات جي بي تي.
منذ أواخر عام 2022، شكّل الذكاء الاصطناعي هاجساً لدى الشركات، خاصة مع انتشار تشات جي بي تي، ومعرفة قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء محتوى جديد من نصوص أو صور أو رموز برمجية.
في سباق التسلح للذكاء الاصطناعي يعمل المنافسون، سواء شركات عملاقة أو ناشئة، على بناء نماذج لغوية قوية بشكل متزايد تعمل على تشغيل برامج الدردشة الآلية، ويمكن استخدامها لتوظيف تقنية الذكاء الاصطناعي في العديد من المنتجات الأخرى، وبالطبع يمكنها التغلب على الشهرة الواسعة التي حققها تشات جي بي تي.
مؤخراً، أعلنت شركة أنثروبيك المدعومة من غوغل عن برنامج كلود تشاتبوت في جميع أنحاء أوروبا، ليكون منافساً مباشراً لبرنامج تشات جي بي تي، إذ يتمتع بإجابات مكتوبة بشكل أفضل وأسهل في القراءة.
في الواقع، أصبح تشات جي بي تي معياراً لمدى قوة أداة الذكاء الاصطناعي المطروحة، فكل شركة تطلق برنامجها الجديد يجب أن تقارنه به، لتؤكد أنها صممت البرنامج الأفضل الذي تغلب على الثغرات الموجودة فيه، إن وجدت.
ولم يسلم هذا السباق من بصمة الملياردير إيلون ماسك، المعروف بهوسه التكنولوجي، الذي أعلن عن إطلاق برنامج (غروك) الذي يعني بالإنجليزية العامية الفهم العميق والحدسي، وهو أول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي لشركته الناشئة الجديدة (إكس إيه آي)، ويمكنه ولوج شبكة إكس في الوقت الفعلي، بينما نشر في عدة منشورات على حسابه الرسمي، مقارنة بين أجوبة برنامجه مع ما يمكن لتشات جي بي تي أن يقدمه.
من جهتها، أتاحت شركة ميتا المالكة لأشهر منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي من فيسبوك، وإنستغرام إلى واتس آب وثريذز، برنامجها الذي يحمل اسم (ميتا إيه آي تشاتبوت)، في 14 دولة حول العالم.
هذه الأداة الجديدة، أطلقتها ميتا بهدف منافسة تشات جي بي تي، فحتى الآن، لم توضح أهميتها بالنسبة للمستخدمين، أو الميزة الجديدة التي قد تقدمها.
أما شركة مايكروسوفت -الداعمة لشركة أوبن إيه آي– فقد أطلقت برنامج كوبايلوت الذي يمكن المستخدم من الحصول على إجابات واقعية وإلهام وحلول أسئلتهم، أو وضع قائمة مهامهم، وهو الأمر الذي بدأ يؤتي ثماره، إذ ارتفعت إيرادات الشركة بنحو 17 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري، بما يتجاوز التوقعات، إلى 61.9 مليار دولار.
وجاء الدعم الرئيسي من أداة الذكاء الاصطناعي كوبايلوت التي أطلقتها الشركة في نوفمبر تشرين الثاني مقابل 30 دولاراً شهرياً؛ ما أسهم في رفع مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصية والبرامج الخاصة بمايكروسوفت.
بدورها، حرصت غوغل على خوض غمار هذه المنافسة، لتتحدى قدرات تشات جي بي تي 4 من أوبن إيه آي، ببرنامجها جيميني الذي يدعم الوسائط المتعددة.
وكشفت الشركة عن ثلاثة إصدارات للبرنامج، وهي نانو، وبرو، وألترا؛ وهو الإصدار الأكثر كفاءة الذي خصصته غوغل للمهام المعقدة، لكن حتى الآن كان التحدي مخيباً لآمال الشركة.
وتعقد غوغل مؤتمراً للمطورين دون أن تغفل أهمية الذكاء الاصطناعي، إذ تعتزم استعراض تحديثات مدعومة بهذه التكنولوجيا لتطبيقاتها، وخدماتها المتنوعة.
أما شركة أبل، فقد اُتهمت بالتخلف عن هذا السباق، مع عدم الإعلان عن أي منتجات أو استثمارات في هذا المجال الصاعد، فإن الأمر ترك تأثيراً سلبياً في المستثمرين الذين باتوا يفضلون هذه التكنولوجيا.
على الرغم من عزمها الإعلان عن استعانتها بالذكاء الاصطناعي في الإصدارات الجديدة من هواتفها آيفون 16، رجح بعض الخبراء أنه حتى لو نجحت أبل في إدخال ميزات جديدة تجعل الشركة أكثر تنافسية في هذا المجال، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيسهم بشكل كبير في زيادة مبيعاتها.
أوبن إيه آي لا تكف عن التطوير
تأتي هذه المحاولات لمنافسة تشات جي بي تي، في الوقت الذي لم تكف فيه شركة أوبن إيه آي، عن تطوير برنامجها صانع الطفرة.
وأطلقت إصداراً جديداً من نموذج الذكاء الاصطناعي يُسمى ( جي بي تي 4 أو) الذي تقول إنه أكثر سهولة في الاستخدام، وهو تحديث لروبوت الدردشة (جي بي تي-4).
ومن المقرر أن تتيح الشركة نموذجها المطور الجديد لجميع المستخدمين -بمن في ذلك المجّانيون منهم- وأيضاً عبر واجهة برمجة التطبيقات الخاصة بأوبن إيه آي لكي يتمكن المطورون من بناء تطبيقاتهم باستخدامه.
ووفقاً لإعلان الشركة، فإن نموذجها الجديد سيكون قادراً على تحويل الإصدار القديم إلى مساعد شخصي رقمي يمكنه المشاركة في المحادثات المنطوقة في الوقت الفعلي، إضافة إلى التفاعل باستخدام النص والصوت، وما يسمى بالرؤية؛ ما يعني أنه يمكنه عرض لقطات الشاشة أو الصور أو المستندات أو المخططات التي حمّلها المستخدمون وإجراء محادثة حولها.
تعزيز الأرباح بفضل الذكاء الاصطناعي
بعض الشركات الأخرى، تضع الأرباح نصب أعينها، خاصة الشركات الكبيرة، فمنذ فبراير شباط، كشفت مايكروسوفت النقاب عن استثمارات في الذكاء الاصطناعي على مدار عامين، بقيمة 3.4 مليار دولار في ألمانيا، و2.1 مليار دولار في إسبانيا، و2.9 مليار دولار في اليابان.
وتحت قيادة الرئيس التنفيذي للشركة ساتيا ناديلا، تعتزم مايكروسوفت بناء مراكز بيانات جاهزة للذكاء الاصطناعي، والمساعدة في تدريب ملايين الأشخاص على الذكاء الاصطناعي، وتمويل البنية التحتية لدعم موارد منشآتها.
وارتفعت القيمة السوقية لشركة مايكروسوفت إلى 3.07 تريليون دولار، وفقاً لتحليلات كومبانيز ماركت كاب، لتصبح الشركة الأكبر عالمياً، بينما تراجعت شركة أبل إلى المركز الثاني وتبلغ قيمتها السوقية نحو 2.85 تريليون دولار.
ومن منطلق العودة إلى تحقيق الأرباح وتعزيز الإيرادات، تجري أبل محادثات مع أوبن إيه آي وغوغل لإضافة ميزات الذكاء الاصطناعي لهواتف آيفون التي يمكن الكشف عنها فيما يُتوقع أن يكون أكبر مؤتمر سنوي للمطورين على الإطلاق في يونيو حزيران المقبل.
يعتقد المحللون أن مثل هذا التكامل مع الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب على سلسلة هواتف آيفون التي من المتوقع الإعلان عنها في الخريف.
واعترافاً بتأثير الذكاء الاصطناعي الإيجابي على الأرباح، قالت مجموعة سوفت بنك اليابانية العاملة في الاستثمار بقطاع التكنولوجيا، إنها حققت ربحاً قدره 328.9 مليار ين (2.11 مليار دولار) في الفترة من يناير كانون الثاني إلى مارس آذار، مقارنة بخسارة 32 مليار ين قبل عام، إذ تركّز على الذكاء الاصطناعي للمساعدة على تعزيز العودة إلى النمو.
أين الدول العربية من هذا السباق؟
شهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة زخماً واسعاً في مجال الابتكار التكنولوجي بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إذ عكفت الدولتان على تطوير البيئة التشريعية والبنية التحتية والشراكات المناسبة لجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم، ما أكسبهما ثقة كبرى الشركات التكنولوجية أمثال أوراكل وغوغل وأمازون.
وفي أغسطس آب الماضي، اشترت السعودية والإمارات، آلاف الرقائق الإلكترونية الذكية من إنفيديا في إطار طموح الدولتين للتوسع في مجال الذكاء الصناعي، وفقاً لما أوردته صحيفة فاينانشال تايمز حينها.
ففي منتصف أبريل نيسان الماضي، أعلنت مايكروسوفت عن استثمار 1.5 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي الإماراتية جي 42، في صفقة يُنظر إليها باعتبارها لحظة فارقة في مستقبل الشرق الأوسط.
كما أعلنت كل من أدنوك وجي 42 وبريسايت عن شراكة ثلاثية لتسريع تبني ابتكارات الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة.
وكشفت الشركات الثلاث عن عملية إعادة هيكلة لملكية إيه آي كيو للذكاء الاصطناعي (مشروع مشترك بين أدنوك وجي 42)، التي ستحصل بريسايت بموجبها على 51 في المئة من المشروع مقابل 49 في المئة لأدنوك، وتهدف العملية لدمج إمكانات الذكاء الاصطناعي الخاصة بإيه آي كيو وقدرات تحليل البيانات الضخمة التي تتمتع بها بريسايت لخلق كيان تكنولوجي مؤثر يركز على قطاع الطاقة.
من جانبه، أطلق معهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي الإصدار الثاني من نموذجه اللغوي الكبير باسم فالكون 2 وهو مجموعة جديدة تضم نسختين متطورتين، (فالكون 2 11 بي) للنصوص، و(فالكون 2 11 بي في إل إم) الذي يحول الصور المرئية إلى نصوص مكتوبة.
كما كشفت شركة كور 42، التابعة لشركة جي 42، عن إطلاق تطبيق جايس تشات، وهو برنامج دردشة سهل الاستخدام لنحو 400 مليون مستخدم ناطق بالعربية حول العالم، على أن يمنح مستخدمي الهواتف المحمولة حلاً مريحاً، يعزز مستوى الكفاءة، إمكانية الوصول للنظام بسهولة، بالإضافة إلى توفير المساعدة المعززة بالذكاء الاصطناعي أثناء التنقل.
أما السعودية، فقد انضمت في أواخر عام 2022، إلى الشراكة العالمية للتنمية الرقمية في البنك الدولي، الذي يهدف إلى توظيف الذكاء الاصطناعي.
وفي فبراير شباط 2023، أعلنت مايكروسوفت عن خطة لإنشاء مركز بيانات جديد في السعودية لمنح الشركات داخل المملكة قدرة أكبر على الوصول للبيانات والحلول السحابية والأمنية المتطورة.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت أن السعودية تخطط لإنشاء صندوق بنحو 40 مليار دولار للاستثمار في مجال الذكاء الصناعي.
وتعمل السعودية وفقاً للاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي تقودها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وتستهدف جذب الاستثمارات في هذا المجال بنحو 75 مليار ريال، فضلاً عن ترسيخ مكانة المملكة ضمن أعلى 15 دولة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك بحلول 2030.
وعلى الرغم من تباين التقديرات لحجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي، فإنها تتفق في الإجماع على نشاطها خلال السنوات المقبلة، وقد ينمو من مليارات الدولارات إلى تريليون دولار خلال خمس سنوات.
ومع تضاعف الاستثمارات في هذا القطاع من 48.2 مليار دولار في 2020 إلى 93.5 مليار دولار في 2021، فمن المتوقع ارتفاعها إلى ما يقرب من 200 مليار دولار بحلول 2025، وفقاً لتقديرات غولدمان ساكس، ما يؤكد أن المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي مستمرة، والفائز الأكبر في هذه الحرب هو التطور التكنولوجي.