منذ أن أسست الإمارات وكالة الفضاء في عام 2014، تحولت الدولة إلى لاعب أساسي في سباق الفضاء العالمي، لم تقتصر الطموحات الإماراتية على مجرد إطلاق أقمار صناعية، بل تجاوزت ذلك إلى استكشاف الفضاء العميق وتحقيق إنجازات غير مسبوقة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، تسعى الإمارات لبناء اقتصاد معرفي يعتمد على الابتكار، والفضاء يمثل إحدى ركائز هذه الرؤية الطموحة.
مسبار الأمل: بداية رحلة الإمارات إلى الفضاء العميق
في عام 2020، أطلقت الإمارات «مسبار الأمل»، الذي مثل نقلة نوعية في تاريخ استكشاف الفضاء العربي. كانت هذه المهمة أول مبادرة عربية تصل إلى كوكب المريخ، لتضع الإمارات في مصاف الدول الكبرى في هذا المجال، مسبار الأمل كان ثمرة جهود كبيرة وتعاون وثيق مع مؤسسات علمية وبحثية عالمية، منها جامعة كولورادو بولدر وجامعة ولاية أريزونا، هذا التعاون أتاح للإمارات تقديم مساهمة علمية حقيقية للعالم في دراسة الغلاف الجوي لكوكب المريخ، وهو إنجاز علمي فريد لدولة من الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، تحدث عمران شرف، مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي لشؤون العلوم والتكنولوجيا المتقدمة لدولة الإمارات، لـ«CNN الاقتصادية» عن هذه الإنجازات قائلاً:
«التعاون العلمي مع الجامعات الأميركية في مشروع مسبار الأمل كان حجر الزاوية في تحقيق هذا الإنجاز، هذا التعاون يعكس قدرة الإمارات على الانخراط في مشاريع فضائية معقدة والاستفادة من الخبرات الدولية لتطوير برنامج فضائي عربي يعد الأول من نوعه».
وأضاف شرف أن إطلاق «مسبار الأمل» لم يكن مجرد إنجاز علمي، بل خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون الدولي ونقل المعرفة إلى الإمارات.
رواد الفضاء الإماراتيون: قصة نجاح مشتركة مع وكالة ناسا
إلى جانب إنجازاتها في مجال الأقمار الصناعية، تسعى الإمارات إلى تطوير قدراتها البشرية في استكشاف الفضاء، واحدة من أبرز مظاهر التعاون الإماراتي الأميركي تمثلت في تدريب رواد الفضاء الإماراتيين لدى وكالة ناسا، حيث أصبحت الإمارات شريكاً رئيسياً في هذا المجال، سلطان النيادي، رائد الفضاء الإماراتي، شارك في مهمة Crew-6 التابعة لوكالة ناسا إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2023، وهي المهمة التي استمرت ستة أشهر وشملت تجارب علمية متقدمة بالتنسيق مع علماء ناسا.
في حديثه عن هذه الشراكة، أوضح عمران شرف أن مشاركة سلطان النيادي في أطول مهمة فضائية لرائد عربي لم تكن ممكنة لولا التعاون الوثيق مع وكالة ناسا وأن هذه التجربة العلمية الكبيرة تعكس مستوى الثقة والتعاون بين الدولتين في نقل المعرفة والتكنولوجيا.
كما قال شرف إن الإمارات ستستمر في تعزيز برامج تدريب رواد الفضاء بالتعاون مع الولايات المتحدة، حيث يسهم هذا التعاون في رفع مستوى القدرات الفضائية الإماراتية.
الشراكة الإماراتية الأميركية: أساس التعاون الدولي في الفضاء
الإمارات وضعت الفضاء في صلب استراتيجيتها للتعاون الدولي، وكان للولايات المتحدة دور كبير في هذا التقدم، توقيع اتفاقية التعاون بين وكالة الإمارات للفضاء ووكالة ناسا في عام 2016 شكل بداية لشراكة علمية وتقنية تهدف إلى استكشاف الفضاء الخارجي وتطوير تقنيات فضائية مشتركة، هذه الشراكة لم تقتصر على برامج رواد الفضاء، بل شملت أيضاً التعاون في «اتفاقيات أرتميس»، التي تهدف إلى استكشاف القمر والمريخ.
وأوضح شرف أهمية هذا التعاون قائلاً: «التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة يمثل نموذجاً عالمياً للتعاون الفضائي، برامجنا المشتركة مع ناسا، مثل مشروع مسبار الأمل، لم تكن مجرد اتفاقيات علمية، بل هي خطوات استراتيجية نحو بناء قدرات فضائية مستدامة تسهم في تعزيز الحوكمة الفضائية».
وتعد الإمارات من الدول الرائدة في الانضمام إلى «اتفاقيات أرتميس» التي تقودها وكالة ناسا، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في استكشاف الفضاء وتطوير محطات فضائية دائمة على القمر كمرحلة أولى لاستكشاف الكواكب الأخرى.
التعاون مع دول أخرى: توسع في الشراكة الدولية
بينما تمثل الولايات المتحدة شريكاً رئيسياً، وسعت الإمارات تعاونها في مجال الفضاء ليشمل دولاً أخرى، مؤكدة على دورها العالمي في بناء شراكات استراتيجية، فقال شرف «إن، على سبيل المثال، شكل التعاون مع كوريا الجنوبية جزءاً رئيسياً من نجاح مشروع «خليفة سات»، الذي يعتبر أول قمر صناعي يتم تصميمه وتصنيعه بالكامل بأيدٍ إماراتية، التعاون مع كوريا الجنوبية استمر ليشمل مشاريع أخرى في مجال استشعار الأرض عن بعد».
كما أن اليابان كانت شريكاً مهماً في إطلاق الأقمار الصناعية، حيث استخدمت الإمارات أنظمة الإطلاق اليابانية في عدة مشاريع، بما في ذلك إطلاق «خليفة سات» و«دبي سات»، وفي إطار التعاون الأوروبي، تعاونت الإمارات مع فرنسا وإيطاليا لتطوير أجهزة علمية متقدمة للمشاركة في مشاريع الفضاء.
على سبيل المثال، حمل المستكشف «راشد» إلى القمر جهازاً علمياً وفرته فرنسا، في حين أن إيطاليا شاركت في تقديم أجهزة علمية لمهمة «حزام الكويكبات»، التي تعد واحدة من أصعب المهمات الفضائية التي تسعى الإمارات لتحقيقها.
الذكاء الاصطناعي: أداة المستقبل في الفضاء
إلى جانب استكشاف الفضاء، تتبنى الإمارات تقنيات الذكاء الاصطناعي كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الفضائية، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة العمل وزيادة كفاءة المهام الفضائية، بدءاً من تحليل الصور الفضائية لإدارة الأزمات والكوارث البيئية، وصولاً إلى تحسين الإنتاج الزراعي عبر الأقمار الصناعية.
ويشرح عمران شرف أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل هو شريك رئيسي في مستقبل الفضاء، ومن خلاله يمكن تحسين السرعة والدقة في إنجاز المهام، سواء في الفضاء أو على الأرض.
وأضاف «فعلى سبيل المثال، يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الفضائية لمراقبة التغيرات البيئية أو لإدارة مشاريع الفضاء بشكل أكثر فعالية، والإمارات تعمل بشكل وثيق مع شركات الذكاء الاصطناعي المتخصصة، مثل «بَيانَات»، لتطوير تقنيات متقدمة يمكنها تحسين أداء الأقمار الصناعية وتسريع عمليات استكشاف الفضاء»