يشهد قطاع الطاقة تحولاً جذرياً مدفوعاً بالتطورات التكنولوجية، إذ يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تمكين التحول الطاقي وتقليل البصمة الكربونية للصناعات، فبفضل قدرات التحليل والتعلم الآلي يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتقديم حلول مبتكرة تساعد على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة بطرق مستدامة.

وتتوجه العديد من الدول والشركات الرائدة في مجال الطاقة نحو توظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة طاقة أكثر كفاءة واستدامة، مع التركيز على إيجاد حلول فعّالة لمشكلات ارتفاع انبعاثات الكربون.

وفي سياق مؤتمر أبوظبي الدولي للبترول أديبك 2024 (ADIPEC 2024)، الذي عُقد بحضور أكثر من 184 ألف مشارك وشهد حضور 40 وزيراً و200 من كبار المسؤولين التنفيذيين على مستوى العالم، تمحورت العديد من المناقشات حول دور الذكاء الاصطناعي في التحول الطاقي.

وركزت جلسات المؤتمر على ضرورة استغلال هذه التقنية الحديثة لتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة، وذلك من خلال دمجها في عمليات استخراج وإنتاج الطاقة لتحقيق أقصى كفاءة وتقليل الأثر البيئي.

الذكاء الاصطناعي وتقليل الانبعاثات

في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، شدد رئيس شركة شنايدر إلكتريك لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وليد شتا، على أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة أساسية لتقليل الانبعاثات الكربونية في مختلف الصناعات.

وأوضح شتا أن التكنولوجيا الحديثة تتيح تحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة باستهلاك الطاقة، ما يساعد على تحسين كفاءة العمليات وتقليل استهلاك الطاقة بشكل كبير.

وقال شتا «يمكننا استخدام البيانات المتاحة على مستوى العالم لتقليل استهلاك الطاقة في مجالات متعددة، مثل المحركات الكهربائية والمعدات البترولية، وهذا التحليل العميق للبيانات يمكّن من إيجاد حلول فعّالة لتقليل الانبعاثات».

وأشار شتا إلى أن شنايدر إلكتريك تتعاون مع شركاء إماراتيين لتطوير مصنع في أبوظبي لإنتاج معدات كهربائية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يسهم في تحسين كفاءة توزيع الكهرباء وخفض الانبعاثات في قطاع النفط والغاز بالإمارات.

وبيّن شتا أن هذا التعاون يهدف إلى دعم استراتيجية الإمارات في التحول نحو الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يعزز مكانة الإمارات في مجال الطاقة المستدامة.

تطوير الاقتصاد الدائري

وفي سياق مشابه أكد الرئيس التنفيذي لشركة دوكاب للكابلات، تشارلز ميلاغوي، في حديثه مع «CNN الاقتصادية» التزام شركته بتبني مفهوم الاقتصاد الدائري وتحقيق الاستدامة في إنتاج الكابلات.

وأوضح ميلاغوي أن دوكاب تعتمد بشكل كبير على البحث والتطوير لإيجاد حلول تقلل من الفاقد الطاقي أثناء نقل الطاقة، من خلال استخدام مواد نظيفة وقابلة لإعادة التدوير، قائلاً «من دون التكنولوجيا الحديثة، لن يكون بإمكاننا تحقيق الكفاءة المطلوبة في استهلاك الطاقة».

وأشار ميلاغوي إلى أن دوكاب تعمل على تطوير كابلات تعتمد على النحاس والألومنيوم بخلطات مبتكرة تحقق كفاءة أعلى، مضيفاً أن هذه الأبحاث لا تقتصر فقط على الصناعات التقليدية، بل تمتد أيضاً إلى قطاعات حديثة مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وأكد ميلاغوي أن «التكنولوجيا المتقدمة تسمح لنا بتطوير كابلات فعّالة تحافظ على الطاقة بنسبة 100 في المئة أثناء النقل، ما يقلل من تكلفة الطاقة ويسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية للشركات والمنازل».

رؤية قادة الطاقة في أبوظبي.. أهمية التعاون الدولي

أكد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي والرئيس التنفيذي لشركة أدنوك، الدكتور سلطان الجابر -خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر- الحاجة الملحة للتعاون الدولي لاستغلال الفرص الهائلة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة.

وأشار الوزير الإماراتي إلى أن العالم يشهد ثلاثة توجهات رئيسية تؤثر في هذا المجال، وهي صعود الأسواق الناشئة، والتحول في أنظمة الطاقة، والنمو المتسارع للذكاء الاصطناعي، مضيفاً «نحن في بداية عصر جديد، وتوفر هذه التوجهات الثلاثة فرصاً ضخمة تتطلب حلولاً غير مسبوقة».

وأضاف الجابر أن الذكاء الاصطناعي يتيح إمكانيات هائلة لتحليل البيانات وتحسين الكفاءة، إذ يمكنه تسريع عمليات المسح الزلزالي وتقليل الوقت اللازم من شهور إلى أيام، وتحسين دقة توقعات الإنتاج بنسبة تصل إلى 90 في المئة.

ومن خلال التعاون مع شركات عالمية، مثل جي 42 ومايكروسوفت وإيه آي كيو، تسعى الإمارات لتطوير تقنية الذكاء الاصطناعي التي تعمل بشكل ذاتي ومستقل، ما يعزز من كفاءة العمليات الصناعية ويسهم في التحول نحو اقتصاد معرفي متقدم.

الابتكار المالي لدعم التحول الطاقي

وفي جلسات أخرى ضمن مؤتمر أبوظبي للبترول، تطرق المشاركون إلى الفجوة بين تدفق رأس المال والتمويل المطلوب لتحقيق انتقال عادل للطاقة.

وركزت جلسات مثل «سد الفجوة: التعاون بين الطاقة والقطاع المالي لدعم المشاريع الجديدة» على ضرورة توفير بنية تحتية قوية لدعم هذه التحولات، وأكد المدير المالي لشركة OMV، راينهارد فلوري، أهمية التعاون مع المؤسسات المالية لدعم البنية التحتية التي تساعد في تسريع مشاريع الطاقة المستدامة.

الذكاء الاصطناعي.. ركيزة أساسية لمستقبل الطاقة

أطلق مؤتمر أبوظبي الدولي للبترول هذا العام منطقة خاصة بالذكاء الاصطناعي، حيث استعرضت الشركات إمكانيات هذه التكنولوجيا في تحسين استقرار الشبكات الكهربائية وخلق فرص استثمارية جديدة.

ويتضح من حديث شتا وميلاغوي وأبرز الشخصيات في المؤتمر أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح عنصراً أساسياً في التحول الطاقي وتطوير بنية تحتية مستدامة قادرة على مواجهة تحديات الطلب المتزايد والطاقة النظيفة.