ثلاثة في المئة من المحتوى الرقمي عربي، وفق الاتحاد الدولي للاتصالات، ولا يتجاوز تعريب مواقع فورتشن 500 الخمسة في المئة، الأمر الذي يضيق الخناق على سرعة انتشار المحتوى العربي من جهة لكنه يزخر بالوقت نفسه بفرص واعدة لتطوير محتوى عربي الصنع.
ويقول مازن حايك مستشار الرؤساء التنفيذيين في الإعلام والتواصل والتكنولوجيات النظيفة لـCNN الاقتصادية إن من أبرز التحديات التي يواجهها المحتوى العربي هو قدرة الوصول لرأس المال إلى جانب التغير في أنماط الاستهلاك.
وقال حايك «ما لا شك فيه أن لدينا تحدياً في نشر أوسع للمحتوى العربي على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وعلينا الاستفادة من وسائل الذكاء الاصطناعي لتطوير ما ينتج باللغة العربية وإرساله إلى أسواق لا تتحدث اللغة العربية».
أنماط الاستهلاك
هناك تغييرات كبيرة في أنماط استهلاك المحتوى لا سيما لدى جيل الألفية وجيل زد، وأفاد حايك أن الدراسات تشير إلى أن مدى انتباه المستهلكين الشباب قصير ولا يتعدى 15 ثانية أو أقل، مضيفاً أن هناك سرعة واستسهالاً يصلان إلى حد الإفراط في المشاهدة والوصول إلى المعلومات عبر وسائل التواصل.
كما لفت إلى أن تطور انتشار الإعلام خلق نوعاً من التفكك في قاعدة الجمهور الذي قلّ معدل ولائه للعلامات التجارية والمؤسسات الإعلامية.
وكشف حايك عن دراسة حديثة جرت في السعودية تظهر أن 90 في المئة من الشباب السعودي ممن هم تحت سن الثلاثين يخصصون سبع ساعات يومياً على الإنترنت من خلال الهاتف المحمول لاستهلاك المحتوى المتوفر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال إن الجمهور بدأ يعتمد كثيراً على شعور الراحة الذي تولده الخوارزميات لخلق عالم يتكيف مع رغباتهم ويترك لديهم طابع الإدمان.
وتتوزع أنماط الاستهلاك لديهم بين تحميل التطبيقات ومنصات التواصل والتجارة الإلكترونية والموضة والصحة وشبكات المواعدة.
متطلبات وآفاق الإنتاج
وأضاف حايك أن عمليات إنتاج المحتوى العربي تتطلب التنويع في مصادر التمويل حيث لا يمكن الاتكال فقط على الدعم الحكومي بل يجب توفير قنوات تفسح المجال أمام الشركات الناشئة والمتوسطة والصغيرة للوصول إلى رأس المال والتمويل.
وناشد حايك بضرورة التركيز على زيادة إمكانات الإنتاج والإنتاج الأصلي والحقيقي وباللغة العربية ناصحاً بضرورة توفير قيمة إنتاجية عالية قابلة للتصدير.
وشرح حايك أن إنتاج المحتوى يتوزع في عدة مجالات، فهناك الإنتاج الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي والذي يتم اليوم بواسطة الذكاء الاصطناعي ويمكن إنتاجه بعدة لغات وعدة تقنيات.
أما النوع الثاني فهو المحتوى المكتوب أي الدراما الذي اعتبر حايك إنتاجه جيداً والميزانيات المخصصة له متوفرة لكنه لفت إلى أن وتيرة وكمية الإنتاج تبقى أقل بكثير مما تنتجه تركيا أو بوليود أو هوليود رغم تطور هذه الصناعة من حيث نوعية الكتابة والقيمة الإنتاجية.
ونوه حايك بنجاح إنتاج البرامج والبرامج الحوارية باللغة العربية كونها تلقى استحساناً عند الجمهور.
وتلقي العولمة الكثير من التحديات على المحتوى خاصة المتعلقة بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر حايك أن المحتوى العربي يواجه الكثير من التحديات في زمن العولمة أمام العمالقة مثل نتفليكس وغوغل وميتا وإنستغرام، مشيراً «إننا لا نزال نُعتبر متلقين» أكثر مما نحن منتجون في هذا الصعيد. البديل العربي مطلوب
ومن أبرز التحديات أمام المحتوى العربي برأي حايك هي المخاطر الجيوسياسية التي تعيق انتشاره، وقال «التحدي الأبرز أمام المحتوى العربي هو وضعه على منصات ليس لدينا فيها حرية التحرك.. وشهدنا أمثلة مماثلة سابقاً في كل من الصين وروسيا، فأي مشكلة جيوسياسية أو ثقافية لا تتواءم مع توجهات القائمين على هذه المنصات العالمية يواجه المحتوى مخاطر الحجب أو تخفيف الانتشار والجذب أو حظر الظل كالذي حدث في حرب غزة، لدينا تحدٍ كعرب لتطوير غوغل عربي وما قد يشبه ميتا، وتعتبر تلك بدائل محلية بموازاة الوصول إلى منصات العولمة».
سوق ضيقة ولاعبون كُثر
أفاد حايك أن قيمة الإنفاق الإعلاني في المنطقة لا تتجاوز الـ6 مليارات دولار سنوياً، تتقاسم 4.8 مليار منه الأربعة الكبار -ألفابيت (غوغل ويوتيوب) وميتا وسناب تشات وتيك توك- فيما لا تتخطى حصة وسائل الإعلام التقليدية والمرئية والرقمية والاجتماعية العربية الـ1.2 مليار دولار فقط.
ويستتبع هذا الأمر تحديات الربحية بالنسبة لوسائل الإعلام والتواصل الناطقة باللغة العربية، وكانت سوق البث الرقمي لوسائل التواصل المتعددة قد شهدت مؤخراً عمليات حيازة أو دمج كالذي حدث بين أنغامي و OSN أو كحيازة e& انتربايز لستارز بلاي، لكن سوق الإعلام العربي تشوبه عدة معوقات تؤخر عمليات الاندماج والتكامل كالتفاوت في الثقافات والولاءات والانتماءات والملكية الذي يجعل التواؤم والتوفيق بينها عملية صعبة ومعقدة.
مبادرات لتمكين المحتوى العربي
عدة مبادرات تقوم بها أبوظبي اليوم لتمكين صناعة المحتوى العربي، ولعل أبرزها المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية بشكل سنوي. وسيعقد هذا العام يوم 28 أبريل 2024 يشارك فيه حايك في جلسة بعنوان «تطور أذواق المستهلكين في عصر إنشاء المحتوى عبر المنصات المتعددة» ورأى أن المؤتمر مبادرة جديدة ذات بعد ثقافي ولغوي وإبداعي ويندرج ضمن سلسة المبادرات التي قامت بها أبوظبي للتنمية الثقافية.
ويبقى الرهان بتكثيف مثل هذه المبادرات وتعزيز تطبيق توصياتها وتأمين التمويلات اللازمة حجر زاوية للنهوض بصناعة المحتوى العربي.