في عصر التكنولوجيا المتسارعة والتطور الرقمي، تواجه الصحافة التقليدية تحديات غير مسبوقة؛ تزايد الاعتماد على الإعلام الرقمي وظهور صحافة المواطن غيّر ملامح المجال الإعلامي تماماً، ما وضع خريجي الصحافة في مواجهة واقع جديد ربما يحتاج إلى مهارات وإبداع يتجاوزان ما تعلموه في الفصول الدراسية.
ولكن مع هذه التطورات، تظهر فرص جديدة للشباب العربي لتحقيق طموحاته في مجال الإعلام، ولكنها تتطلب توجيهاً ودعماً حكومياً قوياً لتسليحهم بالأدوات اللازمة لمواكبة العصر الرقمي.
نحو 87% من خريجي الصحافة يتمنون لو اختاروا تخصصات أخرى، ما يعكس الصعوبات التي يواجهونها في هذا المجال.. تعاني هذه الشريحة من محدودية الفرص والضغوط المتزايدة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة وتنامي دور وسائل الإعلام الرقمية.
في ظل هذه التحديات، تبرز أهمية إتاحة الفرص للشباب العربي لتحقيق تطلعاتهم المستقبلية في مجال الإعلام، ومع بروز صحافة المواطن والتقدم التكنولوجي، بات لكل فرد القدرة على التأثير وصنع الفارق عبر منصات متعددة.
الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي ورئيس مجلس دبي للإعلام، أكد أهمية دعم الشباب وتمكينهم من تحقيق طموحاتهم في هذا المجال الحيوي.
الإعلام كمحرك اقتصادي
يسهم قطاع الإعلام بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، حيث يوفّر فرص عمل واسعة ويسهم في تعزيز الصناعات المرتبطة مثل الإعلان والتسويق والإنتاج الإعلامي.
وفقاً لدراسة أجرتها PwC، بلغ حجم سوق الإعلام والترفيه العالمي 2.32 تريليون دولار عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.9 تريليون دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 3.1%.
يمثّل الإعلان الرقمي جزءاً كبيراً من هذه السوق، حيث يتوقع أن يصل إلى 952.6 مليار دولار في 2027، بنمو سنوي مركب يبلغ 4.5%.
دور المبادرات الحكومية في دعم الإعلام
تبقى المبادرات الحكومية ضرورية لدعم الشباب في مجال الإعلام وتمكينهم من أن يصبحوا كوادر صحفية مؤثرة، ومن خلال التركيز على التعليم المتقدم والتدريب المستمر يمكن للحكومات تعزيز قطاع الإعلام وزيادة تأثيره الإيجابي على المجتمع والاقتصاد، ما يفتح آفاقاً جديدة للشباب ويسهم في تطوير المحتوى الإعلامي العربي.
أظهرت الأبحاث أن الاستثمار في التعليم والتدريب الإعلامي يمكن أن يزيد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 2% في بعض الدول، ما يعزز الاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل جديدة.
أكاديمية دبي للإعلام نموذج ناجح
في هذا السياق، تُعدّ أكاديمية دبي للإعلام مثالاً بارزاً على المبادرات الحكومية الناجحة لدعم الشباب في مجال الإعلام، وتقدم الأكاديمية برامج تدريبية متخصصة تهدف إلى تزويد الشباب بالمهارات والمعارف الضرورية لفهم أساليب العمل في الصحافة الحديثة والبث الرقمي، كما تركّز على تعريف الطلاب بأدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي وكيفية توظيفها في صناعة المحتوى الإعلامي.
في ظل التطورات السريعة التي يشهدها قطاع الإعلام، أصبح من الضروري إعداد جيل جديد من الشباب العربي قادر على التعامل مع التحديات والتقنيات المبتكرة.
يعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم الأدوات التكنولوجية التي تؤثر على صناعة الإعلام اليوم، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسّن من كفاءة إنتاج المحتوى ويتيح فرصاً جديدة للإبداع والابتكار، على سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على تحليل البيانات الضخمة لتقديم محتوى مخصص وموجه للجمهور المستهدف بدقة أكبر.
وفقاً لتقرير صادر عن McKinsey & Company، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية في قطاع الإعلام بنسبة تتراوح بين 20% و30% بحلول عام 2025، هذا التطور سيمكّن الشركات الإعلامية من تقديم محتوى أكثر جاذبية وفاعلية، ما سيزيد من رضا الجمهور ويعزز العائدات.
تشير البيانات إلى أن الاستثمار في البرامج التعليمية والتدريبية في مجال الإعلام يمكن أن يحقق عائدات اقتصادية كبيرة، على سبيل المثال في الولايات المتحدة، قدّر أن كل دولار يُستثمر في التعليم الإعلامي يمكن أن يحقق عائدات اقتصادية تصل إلى 7 دولارات بفضل تحسين كفاءة القوى العاملة وزيادة الابتكار في قطاع الإعلام.
تُظهر هذه الأرقام أن الاستثمار في قطاع الإعلام لا يعزز فقط النمو الاقتصادي، بل يفتح أيضاً أبواباً جديدة للشباب العربي للاندماج في مجال مليء بالفرص والإبداع.