تهديد مخيف تشهده حرية الصحافة بظل استكمال الاعتداءات عليها أثناء تأدية مهامها الصحفية حيث نقلت وكالة رويترز اليوم مصرع 3 صحافيين في حاصبيا بجنوب لبنان أثناء نومهم في دور الضيافة المخصصة لاستقبال وسائل الإعلام جراء غارة إسرائيلية في وقت مبكر من صباح الجمعة 25 أكتوبر.
ونقلت وكالة رويترز أن الغارات في هذا اليوم هي الأكثر دموية بالنسبة لوسائل الإعلام خلال عام من الأعمال العدائية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، راح ضحيتها المصور غسان نجار والمهندس محمد رضا من قناة الميادين الإخبارية الموالية لإيران، والمصور وسام قاسم الذي كان يعمل في قناة المنار التابعة لحزب الله.
ويقول المحامي بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبور: «إن استهداف الصحفيين إلى حدود أن يودي ذلك بحياتهم، يشكّل انتهاكاً صارخاً لسلامتهم وللحرية الصحفية وحقوق الإنسان، وهو الأمر الّذي يضرب بعرض الحائط المادة 79 من البروتوكول الأول المُلحق باتفاقيات جنيف، والتي تُلزم الأطراف المتحاربة بتحييد، لا بل بحماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738، والقاعدة 34 من الدراسة الدولية للجنة الدولية للصليب الأحمر».
ووصف مرقص هذه الأعمال بجرائم حرب وفق المادتين 32 و33 من اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الثاني الملحق بها، مناشداً المجتمع الدولي ضرورةَ التحرك بشكل فاعل وفوري لضمان حماية الحقوق ولا سيّما الحق في الحياة الكريمة والسلامة البدنية ووضع حدٍ للاعتداءات ومنع توسّع رقعة النزاع.
وأضاف أن هذه الانتهاكات الخطيرة تتطلّب «التحقيق الفوري والمساءلة القانونية وفقاً للقانون الدولي الإنساني والمواثيق العالمية ذات الصلة، وتالياً ملاحقة المسؤولين عن هذه الأفعال كمجرمي حرب وإنزال العدالة الجنائية بهم».
وشدد مرقص على أهمية «تسهيل انعقاد مجلس الأمن الدولي فوراً وإنجاح عمله باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة للتصدّي لهذه الانتهاكات وفق مندرجات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما وعلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، التحرّك فوراً وضمان متابعة القضية والعمل على حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة بعيداً عن السياسة ومصالح الدول الكبرى على حساب حقوق الإنسان».
الحرية في خطر
وصل عدد ضحايا الصحافة منذ عام 1992 إلى 2024 إلى نحو 1618 صحفياً وفق منصة لجنة حماية الصحفيين
وسجل هذا العام مصرع 65 صحفياً حول العالم، 50 منهم سقطوا أثناء تأدية مهامهم في نقل أحداث الحرب الدائرة بين فلسطين وإسرائيل فيما توزع الباقي على باكستان وروسيا والعراق والهند والسودان وبنغلاديش وماينمار.
ورصدت لجنة حماية الصحافيين أنه «لا عدالة للصحفيين الذين تستهدفهم إسرائيل رغم الأدلة القوية على ارتكاب جرائم حرب».
ووجدت لجنة حماية الصحفيين أنه في عام 2023، قُتل ما لا يقل عن 99 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام، وهو أعلى رقم منذ عام 2015 وبزيادة قدرها 44% عن عام 2022، وكان هناك عدد قياسي من عمليات قتل الصحفيين – 78 – مرتبطة بالعمل، وكان الدافع وراء هذا الارتفاع هو كثافة عمليات القتل في الحرب بين إسرائيل وغزة، التي أودت بحياة عدد من الصحفيين في ثلاثة أشهر أكبر من أي وقت مضى في بلد واحد على مدى عام كامل
وقالت جودي جينسبيرج: المديرة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين على موقعها الإلكتروني «من المرجح أن يكون العدد الإجمالي للصحفيين المستهدفين أقل من العدد وسط التحديات التي لا تعد ولا تحصى في توثيق الحرب التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 128 صحفياً، 126 منهم بنيران إسرائيلية، إن عدد ووتيرة عمليات قتل الصحفيين، والتدمير واسع النطاق للبنية التحتية الإعلامية، وانقطاع التيار الكهربائي المستمر، وعدم إمكانية الوصول المستقل إلى غزة أمام وسائل الإعلام الأجنبية، كلها عوامل شكلت عقبات أمام تقييم الاستهداف المتعمد للصحفيين بسبب عملهم، كما وثقت لجنة حماية الصحفيين نمطاً من أفراد عائلات الصحفيين الذين قُتلوا بعد تلقي الصحفيين تهديدات».
ويبدو أن ما ينطبق على غزة يُطَبَق في لبنان حيث وصل عدد الضحايا من الصحفيين منذ العام الماضي إلى نحو 8 قتلى ناهيك عن الاعتداءات المستمرة على مباني وسائل الإعلام كالميادين والجزيرة.
وتبقى هذه الجرائم رغم استنكارات الرأي العام والمسؤولين دوت تعقب أو محاسبة، فبعد مضي نحو 11 عاماً على إعلان الأمم المتحدة الثاني من نوفمبر يوم الانتهاء من الإقالات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين يظل المؤشر العالمي للإفلات من العقاب ينذر بالخطر حيث كتب جينيفر دونهام نائب مدير التحرير في لجنة حماية الصحفيين
«لم يخضع أحد للمساءلة في نحو 80% من جرائم قتل الصحفيين أثناء السنوات العشر الماضية، حسب ما وجد مؤشر لجنة حماية الصحفيين العالمي للإفلات من العقاب لعام 2022، وتُظهر الحكومات اهتماماً قليلاً بمعالجة هذه القضية».