أكوام الركام التي لم ترفع بعد ترسم خارطة الطريق الجديد.

بعض الأهالي يرفعون ذويهم وشواهد قبورهم بينما ينقل عاملو الجبانة بعض الأشجار لإعادة غرسها بعيداً عن مسار الطريق الجديد.

«لا أعرف عنه الكثير» كان هذا رد جميع من سألتهم «CNN الاقتصادية» عن «محور الحضارات» وعن مردوده الاقتصادي لمصر.

المحور يشق جبانة الإمام الشافعي بالقاهرة، والتي بدأ استخدامها بعد دخول الإسلام إلى مصر بفترة وجيزة، فهي أقدم من المدينة نفسها بنحو ثلاثة قرون، عندما أُوقف سفح جبل المقطم لدفن موتى المسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

المشروع يزيل نحو 2700 مقبرة

تسبب المحور الجديد في إزالة نحو 2700 قبر، ويهدد العديد من مراقد شخصيات أثرت الحياة الفكرية والفنية في مصر على مدى قرون.

خريطة مشروعات مصر، وهو موقع معني بمسح وحصر مشروعات الدولة المصرية، لم يذكر «محور الحضارات» ضمن قائمته التي تضم نحو سبعة آلاف مشروع، ولم يرسم الطريق الجديد ضمن خرائطه.

الموقع يتحدث عن مشروع تلال الفسطاط ومشروع بحيرة القاهرة وطريق متحف الحضارة الذي تم الانتهاء منه قبل عامين، وجميعها في الجهة المقابلة.

عبدالحميد الشريف، رئيس مجلس إدارة مؤسسة إنقاذ التراث المصري، قال في اتصال مع «CNN اقتصادية»، إن «الدولة لم تُطلق أي حوار مجتمعي بخصوص الطريق الذي يشق الجبانة القديمة.. لو وُجد هذا الحوار لتمكنا من عرض بعض الاقتراحات للحفاظ على هذا التراث وحمايته.. ربما اقترحنا مساراً بديلاً للطريق أو ربما اقترحنا نقل بعض المقابر للحفاظ عليها وربما وضع الجبانة على الخريطة السياحية لمصر».

المباني غير المسجلة ليست أثراً

تواصلت «CNN الاقتصادية» مع ثلاثة مسؤولين بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة السياحة والآثار، على رأسهم أبو بكر عبد الله، رئيس القطاع، وجميعهم رفضوا الإدلاء بتصريحات صحفية حول الموضوع.

تنقل وزارة الآثار في الوقت الراهن قبة رقية دودو الأثرية التي تقع في مسار الطريق الجديد.

تعود القبة إلى منتصف القرن الثامن عشر، قبل دخول محمد علي باشا وحكمه لمصر. وقد نجت هذه القبة من الهدم كونها مسجلة أثراً في سجلات وزارة الآثار؛ فالقانون المصري لحماية الآثار لا يعترف بالمباني غير المسجلة ضمن قائمته، ما تسبب في إزاحة العديد من المقابر والأضرحة على الرغم من قيمتها الفنية والتاريخية.

ثورة طرق تزيل آلاف المباني

تشهد القاهرة منذ نحو خمس سنوات ثورة في إنشاء الطرق والمحاور المرورية، حيث تعتبر الدولة مشاريع الطرق ضمن أولوياتها لتطوير البلاد.

وبحسب التقارير، تم التخطيط لتنفيذ مشروعات طرق وجسور في العاصمة بتكلفة تصل إلى 464 مليار جنيه (15 مليار دولار) حتى 2024، ما أدى إلى تقليص زمن الرحلات في القاهرة بشكلٍ ملحوظ.

يعود المشروع إلى دراسة موّلتها هيئة المعونة اليابانية (جايكا) إبان حكم الرئيس السابق حسني مبارك، حيث قامت رؤية المشروع على أساس أن القاهرة تحتاج إلى شق نحو 20 محوراً مرورياً جديداً للتغلب على الاختناقات المرورية المزمنة التي اتسم بها العقد الأخير من حكم مبارك.

لكن سياسة مبارك كانت ترجّح كفة الاستقرار على التطوير، فانتهى المشروع الذي كان سيشق العديد من الأراضي وسيتسبب في إزاحة الكثير من المساكن بأدراج الدولة إلى أن أخرجه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي لتستلهم الدولة منه مستقبل حركة الانتقال في القاهرة.

عدم وضوح المردود الاقتصادي

طريق الحضارات الذي يشق جبانة القاهرة أو «مدينة الموتى» كما يُطلق عليها في الأدبيات الغربية، لم تتضمنه الدراسة التي موّلتها هيئة المعونة اليابانية، والجبانة مسجلة كموقع تراث عالمي من قِبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) منذ أكثر من أربعة عقود.

تضم الجبانة العديد من المباني ذات القيمة الأثرية والفنية والتراثية، ويرقد فيها جثمان الشاعر محمود سامي البارودي الذي خدم وزيراً للحربية، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وبعض كبار الممثلين مثل صلاح ذو الفقار، وجميعهم في مرمى الطريق الجديد.

مصطفى الصادق، أحد المهتمين بتأريخ جبانة القاهرة، وجد بالصدفة البحتة قبل أيام شاهد قبر حجرياً مكتوباً بالخط الكوفي غير المنقوط يعود إلى القرن الثاني الهجري في منطقة الإمام الشافعي.

يستنكر الصادق عدم وضوح الرؤية، ويقول «لماذا محو جزء من التاريخ من أجل طريق لا نعرف الغرض منه؟ بعض ضحايا الطريق شاركوا في معركة كريت وفي حرب القرم».

لم يُخفِ الصادق غضبه وانتقد «ضيق النظر الذي يسيطر على المشهد.. لقد غفل القائمون على المشروع أن الاستثمار في التاريخ كان سيجلب للدولة أموالاً أكثر من الاستثمار في الطريق الجديد.. لو عملت الدولة على تطوير الجبانة ورفع كفاءتها لأصبحت مزاراً مهماً».

تضم الجبانة رفات أم كلثوم، وأحمد عرابي، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وابن ورش صاحب قراءة ورش القرآنية، وفريد الأطرش، وأسمهان، والكثير من المباني ذات القيمة الأثرية والفنية العالية.