تتجه مصر نحو إتمام مشروعات بهدف التطوير والاستدامة وفقاً لرؤية 2030، وفي مقدمتها تطوير شبكة الطرق والمواصلات، لكن هل ستخيم أزمة الكهرباء الحالية على مشروعات القطار الكهربائي قيد التنفيذ؟
تمثل شبكة القطارات الكهربائية بمختلف أنواعها، بما في ذلك القطار الكهربائي الخفيف والقطار الكهربائي السريع والمونوريل، أولوية في أجندة الإنشاءات والخدمات المطورة، التي من شأنها تيسير سبل التنقل وإتاحة الوصول للمدن الجديدة بشكل سريع وبصورة مستدامة، فضلاً عن أهداف تقليل استخدام الوقود وخفض الانبعاثات.
لكن في خضم عمليات البناء والتطوير شهدت مصر أزمة جديدة في قطاع الكهرباء، وذلك بسبب ما تواجهه البلاد من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، ما أدى إلى زيادة كبيرة في استهلاك الكهرباء، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إصدار تعليمات بترشيد الاستهلاك فضلاً عن قرار خفض الأحمال الذي أدى إلى قطع الكهرباء على مستوى البلاد في أوقات متفرقة من اليوم وفقاً لجدول محدد في كل منطقة.
وطرحت الأحداث سؤالاً مهماً، ألا وهو كيف تطور مصر وسائل نقل جماعية كهربائية وهي ما زالت تعاني من انقطاع الكهرباء بصفة يومية؟ وهو انقطاع وعدت الحكومة سابقاً أنه لن يعود مجدداً، خاصة بعد أن ضخت الحكومة استثمارات هائلة في قطاع الكهرباء، تبلغ نحو 189 مليار جنيه مصري منذ عام 2014، وذلك لرفع إجمالي قدرة توليد الكهرباء إلى 59 غيغاواط يومياً، في حين بلغ أعلى معدل استهلاك يومي للكهرباء في مصر نحو 34 غيغاواط، ومع ذلك عادت مصر للانقطاعات الكهربائية بعد بدء خطة تخفيف الأحمال في يوليو تموز بسبب نقص الوقود المُشغل لمحطات الكهرباء، وفقاً لتصريح وزير الكهرباء المصري.
وقال المهندس حافظ سلماوي، المسؤول السابق بمرفق تنظيم الكهرباء ومهندس الطاقة بجامعة الزقازيق في مصر، لـ«CNN الاقتصادية» إن الانقطاعات «ظرف استثنائي بسبب زيادة الاستهلاك مع معدلات الحرارة المرتفعة لفترة مؤقتة ولا يجب القياس على ذلك»، وأشار إلى أن الانقطاعات الكهربائية تجري وفقاً لـ«كود الأحمال»، كما أكد أن الأحمال المرتبطة بالمرافق العامة، مثل محطات القطار والمستشفيات وغيرها، تصنف بـ«أحمال درجة أولى» ولا تتأثر بأي انقطاعات أو بمعنى أصح لا ينطبق عليها كود تخفيف الأحمال، حسب ما أفاد سلماوي.
وفى تلك الأثناء تستمر أعمال الإنشاء بمحطات القطارات الكهربائية الجديدة، فضلاً عن استكمال تشغيل باقي مراحل مشروع القطار الكهربائي الخفيف الذي افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2022.
بدء تشغيل القطار الكهربائي الخفيف
يبلغ طول مشروع «القطار الكهربائي الخفيف» (LRT) 103 كيلومترات ويضم 19 محطة تخدم نحو مليون مسافر يومياً، ويتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل، إذ تغطي المرحلة الأولى 70 كيلومتراً وتشمل 12 محطة، وتغطي المرحلة الثانية 18.5 كيلومتر في الطول وتتضمن 4 محطات، وتغطي المرحلة الثالثة 16 كيلومتراً في الطول وتشمل 3 محطات.
ويبلغ إجمالي عدد قطارات مشروع القطار الكهربائي الخفيف 22 قطاراً، ويتكون كل منها من 6 عربات، وتتردد القطارات كل 2.5 دقيقة بسرعة تشغيل 120 كيلومتراً في الساعة، وذلك وفقاً للهيئة القومية للأنفاق.
تتقاطع خدمات القطار الكهربائي الخفيف مع باقي مشروعات القطارات الكهربائية، إذ توجد محطات تبادلية بينه وبين خط المترو الثالث عند محطة عدلي منصور المركزية، وخط المونوريل عند محطة مدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية الجديدة، وأخيراً مع الخط الأول لشبكة القطار الكهربائي عالي السرعة بالمحطة المركزية بالعاصمة.
يهدف المشروع إلى خدمة المدن الجديدة على طول المسار، مثل مدينة العبور والشروق ومدينة المستقبل ومدينة بدر والعاشر من رمضان والعاصمة الإدارية، ويوفر وقوداً للبلاد بقيمة 1.7 مليار جنيه سنوياً وفقاً للموقع الرسمي للرئاسة المصرية.
وقالت وزارة النقل في بيان سابق، إن عدد القطارات اللازمة للتشغيل 22 قطاراً بإجمالي تكلفة 227 مليون دولار، يتم توريدها من خلال شركة «كريك- أفيك أنتل» الصينية.
مشروعات القطارات الكهربائية الأخرى
يأتي ذلك أيضاً بالإضافة لتطوير خطوط السكك الحديدية والبنية الأساسية لشبكة «القطار الكهربائي السريع» بطول 2250 كيلومتراً، والجاري تنفيذ المرحلة الأولى منها بطول 2000 كيلومتر بواسطة شركات مصرية بالتعاون مع شركة «سيمنس» العالمية في توريد الوحدات المتحركة والأنظمة الكهروميكانيكية، وهو المشروع الذي سيعمل من خلال ثلاثة خطوط، الخط الأول يربط بين مدينتي العين السخنة ومرسى مطروح، والثاني يربط بين مدينتي السادس من أكتوبر وأبوسمبل، والثالث يربط مدينة قنا بمدينتي الغردقة وسفاجا.
وقد نفت الحكومة المصرية مؤخراً ما تم تداوله عبر بعض شبكات التواصل الاجتماعي، عن نية الحكومة بيع أصول «القطار الكهربائي السريع» الجاري تنفيذه بالتعاون بين شركة ألمانية وشركات مصرية بهدف سداد تكلفة إنشاء شبكة القطارات، وأكدت الوزارة أن «هناك شركة ألمانية ستتولى إدارة المرفق لضمان تقديم أفضل خدمة للمواطنين، واسترداد تكاليف إنشائه، مع استمرار ملكيته للدولة»، وذلك وفقاً لبيان وزارة النقل الصادر في يوليو.
أما عن مشروع «المونوريل» فهو يربط بين أطراف القاهرة الكبرى، ومن المخطط افتتاح المرحلة الأولى منه شرق النيل قبل نهاية 2023، وافتتاح المرحلة الثانية منه غرب النيل في منتصف 2024، وفقاً لوزارة النقل المصرية.
شبكة مواصلات مستدامة
تهدف رؤية مصر 2030 للتحول إلى النقل المستدام، لذلك يتم تحويل قطاع النقل للتشغيل الكهربائي الكامل تدريجياً، وتستهدف خطة الإنشاء والتشغيل الوصول بالنسبة الأكبر في الاعتماد على الطاقة المتجددة وتجنب أنواع الوقود المسببة للانبعاثات في عمل القطارات الكهربائية، إذ أوضح سلماوي أن «مصر تستهدف الوصول إلى التوليد والاعتماد على إجمالي طاقة متجددة بنحو 42 في المئة في عام 2030، و نسبة 74 في المئة في 2040، في حين تعمل مصر حالياً بنسبة من 13 إلى 15 في المئة فقط».
وقال المهندس محمد سليم، استشاري الطاقة المتجددة الرئيس السابق في قطاع المراقبة في الشركة المصرية القابضة للكهرباء عضو المجلس العربي للطاقة المستدامة، لـ«CNN الاقتصادية» «الطاقة المتجددة الحالية على وضعها في مصر ليست قادرة على تشغيل هذا الحجم الهائل من شبكات المواصلات الكهربائية، وهي تحتاج إلى الدعم التخزيني (أي إيجاد حلول تخزينية) لضمان مصدر طاقة مستقر وآمن ومستمر لدعم الشبكات وتشغيل الكهرباء عن طريق مخزون الطاقة النظيفة».