تتطور التكنولوجيا دائماً في سبيل جعل حياتنا أسهل، لذلك تحولت عدة قطاعات للأتمتة، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي الذي يشهد تقدماً سريعاً ومستمراً نحو عالم مريح مدعوم بالروبوتات، ولعل أبرز الصناعات التي تتجه بقوة نحو الأتمتة والتحكم الآلي هي صناعة السيارات؛ إذ يمكننا أن نرى اليوم سيارات ذاتية القيادة تسير على الطريق بلا سائق، أو قد تجد ركاباً جالسين في المقعد الخلفي للسيارة بينما تسير بمفردها دون وجود شخص في مقعد القيادة، وبعد أن كانت هذه المشاهد تقتصر على أفلام الخيال العلمي ودراما المستقبل، أصبحت الآن حقيقة يجب أن ندرس أبعاد تأثيرها على السلامة العامة.

وهنا يأتي السؤال الأهم، ما مدى الأمان الذي توفره هذه التقنيات للبشر، وماذا يحدث إذا لم تعمل بالصورة المخطط لها؟ هل هذه السيارات الآلية آمنة ضد التصادمات أم يمكنها التسبب في حوادث لا تُحمد عقباها؟ حينها من نحاسب؟ وهل نلقي باللوم على المُصنّع أم المستخدم؟

أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا السيارات

السيارات دون سائق، والمعروفة أيضاً باسم السيارات ذاتية القيادة، هي مركبات يمكنها العمل دون مساعدة الإنسان، إذ يمكنها القيام بجميع الوظائف المطلوبة عن طريق الاستشعار والاستجابة للظروف الخارجية عبر برامج ذكية مدمجة.

أحدثت هذه المركبات ثورة في عالم الأتمتة والاتصال بعد السيارات الكهربائية والسيارات الهجينة، ووفقاً لشركة الأبحاث «بريسيدينس»، فقد بلغت قيمة سوق المركبات ذاتية القيادة 121.78 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تنمو هذه السوق الواعدة بمعدل سنوي يبلغ 35 في المئة خلال الأعوام العشرة المقبلة ليصل إلى 2,353.93 مليار دولار بحلول عام 2032، وفقاً لتقرير «بريسيدينس».

عوامل نمو الصناعة

تتوقع «بريسيدينس» أن تلقى صناعة السيارات ذاتية القيادة دعماً خلال الأعوام المقبلة من التمويل الحكومي المتنامي، والإطار التنظيمي الإيجابي، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية.

في الوقت نفسه، توفر هذه التكنولوجيا وسائل تنقل عملية لذوي الإعاقة والأشخاص الذين لا يتمتعون بمهارات قيادة السيارات بشكل عام، كما توفر مستوى عالياً من المرونة والراحة، إذ تتيح للسائق ممارسة أنشطة أخرى أثناء السفر مثل القراءة أو متابعة الأعمال.

كما أن ارتفاع معدلات الحوادث بسبب الخطأ البشري أدى لزيادة الإقبال على تقنيات القيادة الذاتية، لكن من يضمن أن هذه السيارات التي تجوب المدن بلا سائق آمنة بما يكفي للبشر؟

عوامل الأمان والمساءلة القانونية؟

وعلى الرغم من الفوائد والإيجابيات التي توفرها هذه التقنية، فإنها ما زالت تواجه عدداً من التحديات، خاصة في البلدان النامية، وفي مقدمتها ارتفاع التكلفة، والمخاوف المتعلقة بالأمن والسلامة، ونقص البنية التحتية المناسبة لدعم المركبات الآلية.

ومؤخراً أثارت التحقيقات التي تجريها الهيئة التنظيمية للسيارات في كاليفورنيا في حوادث تصادم ضمت سيارات أجرة ذاتية القيادة تابعة لشركة جنرال موتورز، مخاوف بشأن اعتبارات السلامة؛ فقد كشفت الهيئة يوم الجمعة عن التحقيق في مجموعة من الحوادث «المثيرة للقلق» والمتعلقة بمركبات آلية تديرها وحدة كروز التابعة لشركة جنرال موتورز في سان فرانسيسكو، مطالبة الشركة بإزالة نصف سيارات الأجرة ذاتية القيادة الخاصة بها من الطرق، وفقاً لوكالة رويترز.

وجاء بيان الهيئة بعد اصطدام سيارة أجرة بدون سائق من طراز كروز بإحدى سيارات الإطفاء في سان فرانسيسكو في وقت متأخر من يوم الخميس، وهي أحدث واقعة تتعلق بالسيارات ذاتية القيادة.

ورداً على ذلك، قالت الشركة يوم الجمعة «إن السيارة حددت خطر الاصطدام وبدأت في إجراء مناور للفرملة، ما أدى إلى تقليل سرعتها، لكنها لم تتمكن في النهاية من تجنب الاصطدام».

وفي هذه الحالة من يتحمل اللوم في هذا النوع من الحوادث؟ الراكب أم المالك أم الشركة المصنعة التي لم تتخذ الإجراءات الكافية لحماية المستخدم؟

هذه هي الأسئلة القانونية التي تهيمن على الساحة في الوقت الحالي، وقد بدأت بعض الولايات في أميركا بالفعل في اعتماد مثل هذه القوانين التي تعتبر الشركة المصنعة بمثابة «السائق» أو المتسبب في بعض المواقف.

وعلى الرغم من محاولة الشركات المصنعة إقناع الجمهور بأمان السيارات ذاتية القيادة فإنها لم تتمكن من التأثير بشكل كبير في التصور العام الذي ينظر إليها بريبة قلق.

وفقاً لموقع «PolicyAdvice»، فإن 43 في المئة من الأميركيين لا يشعرون بالارتياح داخل السيارة ذاتية القيادة، مشيرين إلى أن السلامة هي مصدر قلقهم الرئيسي.

أثر التطبيق على قطاع المواصلات وتغير المناخ

تشمل السوق العالمية للمركبات ذاتية القيادة قطاعَي الدفاع والنقل، وبلغت حصة قطاع النقل من السوق نحو 93.74 في المئة في عام 2022، ومن المتوقع أن تشهد نمواً متزايداً خلال العقد القادم.

كما تنقسم استخدامات هذه الفئة من المركبات إلى أغراض تجارية وصناعية، على الصعيد التجاري، هناك طلب متزايد على المركبات الكهربائية والهجينة ذات مستويات الأتمتة المختلفة في قطاع النقل، خاصة في ظل زيادة الدعم الحكومي والوعي العام بأهمية نظام النقل المشترك، على سبيل المثال، أعلنت شركة بايدو، الشركة المصنعة والموردة للخدمات والمنتجات المتعلقة بالإنترنت، في ديسمبر كانون الأول 2019 عن الحصول على 40 ترخيصاً لاختبار سياراتها ذاتية القيادة.

وبخلاف التطبيقات التجارية، من المتوقع أن ينمو الطلب على هذه الفئة من المركبات في القطاع الصناعي أيضاً بسبب الطفرة الهائلة التي تشهدها الخدمات اللوجستية ومنصات التجارة الإلكترونية التي تتطلب مركبات ثقيلة لنقل البضائع.

هذا بالإضافة لإقبال الحكومات المتزايد على المركبات الآلية في جميع أنحاء العالم، والذي يتوافق مع الرؤى المشتركة بين الدول المختلفة حول سبل معالجة تغير المناخ عن طريق استخدام مركبات صديقة للبيئة تحدُّ من الانبعاثات الضارة بكوكب الأرض.