شهد نظام الهايبرلوب للنقل زخماً في 2012 عندما اقترح إيلون ماسك، الرئيس التنفيذيّ لشركتي تسلا وسبيس إكس، استخدام الهايبرلوب كشكل جديد من أشكال النقل فائق السرعة، الذي يصل إلى مثلي سرعة الطائرة ويعمل بالطاقة الشمسية بالكامل، إلا أن هذا الزخم خمد مع الوقت، خاصة بعد إعلان الشركة الأميركية الناشئة هايبرلوب وان أنها ستغلق أبوابها رسمياً بحلول نهاية عام 2023، الأمر الذي فجر تساؤلات عدة، أبرزها.. هل تبخّر حلم النقل السريع الذي يختصر الوقت والمسافة مع إغلاق شركة هايبرلوب وان؟

يعد نظام هايبرلوب المقترح نظام نقل جماعي فائق السرعة على مستوى الأرض، يعمل بالطاقة الشمسية، وهو في الأساس نظام قطار يعمل بقوة الرفع المغناطيسية، إذ لا يحتوي على محركات ميكانيكية ولا يسير على قضبان حديدية، لذا فهو يطفو في الهواء معتمداً على قوة المجالات الكهرومغناطيسية، وسيتألف النظام من شبكة من الأنابيب الفولاذية مع كبسولات تنتقل عبر بيئة «شبه فارغة» بسرعات تصل إلى 1220 كيلومتراً في الساعة باستخدام الرفع المغناطيسي والدفع، وستربط أنابيب هايبرلوب المحاور الموجودة في المدن حول العالم.

أما المسار في تقنية الهايبرلوب فعبارة عن أنبوب منخفض الضغط مزود بمكانس كهربائية مدمجة تزيل كل الهواء تقريباً من الأنبوب.

ويجادل المدافعون عن هذه التقنية بأن لديها القدرة على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بوسائل النقل الأخرى، ويمكن أن تقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة، كما يمكنها تقليل تلوث الهواء والضوضاء وازدحام الطرق وحوادث المركبات،

أما المعارضون فلهم رأي آخر، إذ يعتبرون أن هناك قيداً متأصلاً في قوانين الفيزياء، إذ لا يستطيع البشر التعامل مع التسارع الجانبي أو الرأسي دون الشعور بالغثيان الشديد، وكلما زادت السرعة أصبح الأمر أسوأ، وإذا لم يتم إنفاق عدة تريليونات من الدولارات على تطوير وصيانة مجموعة حساسة للغاية من البنية التحتية واسعة النطاق، فإن نظام الهايبرلوب الوحيد الممكن سيكون بطيئاً للغاية.

فهل من مبادرات فعلية من شأنها أن تعيد الزخم لتلك التقنية؟

مركز الهايبرلوب الأوروبي.. الانتهاء من بناء منشأة اختبار بطول 420 متراً

في حديث مع «CNN الاقتصادية»، قال ساشا لامي، وهو المدير العام لمركز الهايبرلوب الأوروبي، إن الاتحاد الأوروبي يعمل على برنامج تطوير الهايبرلوب بالتعاون مع شركاء عموميين من مختلف الحكومات والاتحاد الأوروبي، والعديد من مطوري الهايبرلوب في ألمانيا وهولندا وإسبانيا.

نحن نعمل معاً بشكل وثيق للتوصل إلى نظام هايبرلوب موحد. وفي الأسبوع الماضي، انتهينا من إنشاء مركز الهايبرلوب الأوروبي، وهو عبارة عن منشأة اختبار بطول 420 متراً يمكننا من خلالها عرض الكثير من التقنيات

ساشا لامي، المدير العام لمركز الهايبرلوب الأوروبي

وأضاف أن المنشأة مفتوحة الآن لجميع مطوري الهايبرلوب للحضور وإجراء التجارب، وعلى سبيل المثال قام المطور الهولندي هارتز هايبرلوب، الذي يعمل أيضاً على تطوير هذه التقنية منذ عام 2016، ببناء أول مركبة اختبارية، وستقوم الشركة بإحضارها إلى المنشأة وإثبات تشغيلها في أحد الممرات بسرعة 100 كيلومتر في الساعة.

كما سيكون بالإمكان اختبار تقنيات التوجيه، وتقنيات الاتصالات والسلامة الخاصة بها لإثبات أن كل شيء آمن وموثوق.

ويعتبر لامي أن هذه المرحلة هي الجزء الأول من الاختبار، بحيث سيتعين تطوير المركبات وإجراء تحسينات وإضافة وظائف جديدة لتحمل ركاباً فعليين ثم اختبارها.

ويضيف أن السرعة ستزيد تدريجياً عند التشغيل، بحيث قد ترتفع من 400 كم/الساعة، إلى 700، وتزيد تدريجياً مع مرور الوقت.

كما يؤكد أن أوروبا تعمل على الإطار التنظيمي أيضاً، وإصدار الشهادات وتوحيدها.

«هايبرلوب تراسبورتايشن تكنولوجيز».. تشغيل التقنية الجديدة عام 2028

تعتبر شركة «هايبرلوب تراسبورتايشن تكنولوجيز»، وهي شركة مقرها لوس أنجلوس، أول شركة يتم إنشاؤها لتطوير تقنية الهايبرلوب بعد إعلان مقترح إيلون ماسك في 2012.

وبحسب ما قاله أندريس دي ليون، الرئيس التنفيذي للشركة، لـ«CNN الاقتصادية»، فإن أكبر إنجاز هو فوز الشركة بمناقصة في إيطاليا لبناء مشروع بقيمة 800 مليون لبناء أول 10 كيلومترات من طريق هايبرلوب تجاري بين البندقية وبادوا، حيث سيتم اختبار مركبة الهايبرلوب التابعة للشركة.

نتوقع أن نكون قادرين على التشغيل في عام 2028 أو 2029 كحد أقصى

أندريس دي ليون، الرئيس التنفيذي لشركة «هايبرلوب تراسبورتايشن تكنولوجيز»

ويتكون المشروع من ثلاث مراحل، المرحلة الأولى وهي مرحلة التقييم ومدتها ستة أشهر وتم إنجاز نصفها بحسب دي ليون، ثم هناك مرحلة ثانية وهي الهندسة ومدتها 18 شهراً، ثم ما بين عامين إلى أربعة أعوام للبناء والاختبار وإصدار الشهادات.

ويشدد دي ليون على مدى أهمية ذلك لأنها ستكون المرة الأولى التي سيعمل فيها نظام هايبرلوب للركاب والبضائع.

أما بالنسبة لتكلفة التذكرة، فيقول دي ليون إنها ستساوي 70 في المئة من تذكرة الطيران، أي أقل بنحو 30 في المئة.

لا نحاول إنشاء طريقة نقل للنخب، بل نحاول تطوير طريقة نقل يمكنها إضفاء الطابع الديمقراطي عليها

ويؤكد دي ليون أن السعر قد ينخفض تدريجياً مع مرور الوقت وبعد فترة التشغيل.

تكلفة التشغيل.. أقل من وسائل النقل الحالية

بحسب ساشا لامي، المدير العام لمركز الهايبرلوب الأوروبي، فإن التكاليف التشغيلية للهايبرلوب أقل بكثير من وسائل النقل الحالية، وذلك لأن النظام يستخدم القليل جداً من الطاقة.

بالطبع، إذا كان لديك أنبوب لإخراج الهواء التقليدي بسحب الهواء. لذلك هذا عامل مهم بالنسبة لـ نفقات التشغيل. ولكن أيضًا بسبب استخدام التحليق المغناطيسي، لا يوجد أي اتصال مع البنية التحتية.

كما أن التآكل الذي تتعرض له عادةً البنية التحتية أقل كثيراً أو يكاد يكون معدوماً، وبالتالي فإن تكاليف الصيانة أقل بكثير كذلك.

ويضيف دي ليون لـ«CNN الاقتصادية» أنه بحسب التحليلات التي قامت بها الشركة، تصل فترة الاسترداد للتكاليف الرأسمالية إلى 20 أو 25 سنة، في حين يعتقد بعض مشغلي القطارات أنها ستصل إلى 15 سنة فقط، كما تعتبر أكثر كفاءة مقارنة بالقطار السريع نظراً لطريقة تشغيلها والبنية التحتية المطلوبة سهلة التبني.

التحديات

يعتقد لامي أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الشركات التي تطور تقنيات الهايبرلوب حالياً هو توحيد المعايير والعمل نحو إطار تنظيمي موحد.

ويقول «بالضبط أعتقد أن هذه هي العقبة الرئيسية التي يتعين عليهم تجاوزها حالياً، ولهذا السبب أيضاً تنفق جميع شركات الهايبرلوب في أوروبا الكثير من الوقت والجهد على توحيد المعايير، وعلى العمل مع المفوضية الأوروبية ونحو إطار تنظيمي».

لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا. هذا حقًا شيء عليك القيام به معًا

ويؤكد أن الأطراف المعنية تتخذ خطوات عظيمة في هذا الصدد.

أما التحدي الثاني فهو السباق للحصول على التمويل للقدرة على تطوير وبناء منشأة لإصدار الشهادات لإثبات أنها آمنة.

وبالنسبة لدي ليون، كان التحدي في البداية هو إثبات أن التكنولوجيا هذه غير مستحيلة، أما اليوم فالتحدي الأساسي بات كيفية إثبات أن النظام قابل للتطبيق اقتصادياً، ورغم أنه لن يكون مجدياً اقتصادياً في جميع الحالات لكنه سيغطي الكثير من المناطق خارج نطاق الاتصال المحتمل بين عواصم المدن الكبرى.