في خِضَم العقوبات الغربية المتزايدة، تواجه صناعة الطيران الإيرانية تحديات متنامية سواء في قطاع الطيران المدني أو التجاري أو العسكري، الأمر الذي ألقى بظلاله على الأسباب الفنية لسقوط طائرة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي الذي لقي مصرعه ووزير خارجيته.
بدأت العقوبات الأميركية ضد إيران بشكل رئيسي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. وهدأت العقوبات بعد الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعتها إيران وعدد من القوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة عام 2015.
لكن في 5 نوفمبر تشرين الثاني 2018، أعادت الحكومة الأميركية فرض عقوبات كاملة على النظام الإيراني كجزء من حملة ضغط اقتصادي غير مسبوقة، وأعلن الرئيس الأميركي حينذاك دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، ولا تزال العديد من هذه العقوبات سارية حتى اليوم.
وقال راكان العبيد، طيار ومختص بالنقل الجوي، لـ«CNN الاقتصادية»، إن العقوبات تمنع الوصول إلى قطع الغيار الضرورية لصيانة الطائرات، ما يؤدي إلى زيادة خطر الحوادث ويجبر شركات الطيران على الاعتماد على السوق السوداء للحصول على الأجزاء المطلوبة، كما تعاني شركات الطيران للحصول على التصاريح، خاصة وأن عدد منها مدرج بالقائمة السوداء لوكالة سلامة الطيران الأوروبية وتشغيلها غير مسموح بأوروبا.
تحديات أعاقت صناعة الطيران
اضطر قطاع الطيران الإيراني للاعتماد بشكل كبير على أسطول قديم مع عدم القدرة على تحديث الطائرات بسبب العقوبات، ما أدى إلى مشكلات متعلقة بالسلامة وكفاءة الوقود، فضلاً عن تقييد حتى شراء تذاكر الطيران عبر الإنترنت.
أما فيما يتعلق بالوقود، فلم تؤثر العقوبات على توفر الوقود نفسه كون إيران تنتج الوقود، ولكن تعاني في الاتفاق مع موردين وقود خارج إيران إذ ليس جميع الموردين يستطيعون بيع الوقود على إيران، بحسب العبيد الذي أشار إلى احتمالية تأثير هذه العقوبات على جودة الوقود المستخدم.
ويضيف باباك إماميان، المحلل السياسي والاقتصادي ورئيس جمعية الأعمال البريطانية الإيرانية لنا أن تعطل سلسلة التوريد بسبب العقوبات في إيران أدى إلى ارتفاع التكاليف والتأخر في الحصول على المواد، بالإضافة إلى عدم الحصول على سلع ذات جودة عالية وضعف التدريب العالي.
من جانبه، أوضح إلياس حنا، الخبير العسكري والاستراتيجي لـ«CNN الاقتصادية»، أن إلكترونيات وميكانيكا الطيران ترتبطان بمدة صلاحية القطع المستخدمة في الطائرة، فكل قطعة يجب تغييرها بعد استخدامها لفترة معينة حتى إذا كانت صالحة للاستخدام، مشيراً إلى أن إيران لم تستطع إنتاج هذه القطع في الداخل كما فعلت في مجال المسيرات.
كما لفت الخبير الاستراتيجي إلى أن الطيران المدني في إيران يعاني أيضاً مشكلات أساسية، خاصة أنه لا يمكن شراء قطع غيار من المروحيات والطائرات الحربية من شركات أميركية لها علاقة مباشرة مع البنتاغون، وهناك صعوبة في تصديرها وتهريبها.
ووفقاً للتحليل الذي أجرته شركة «كلايد أند كومباني»، أعلنت الناقلة الوطنية «إيران إير» في عام 2016 أنها ستحتاج إلى ما يصل إلى 580 طائرة على مدار السنوات العشر المقبلة من أجل استبدال أسطولها القديم، الذي يشمل 300 طائرة، بأسرع وقت ممكن في غضون السنوات الخمس المقبلة، لكن إيران بعيدة كل البعد عن تحقيق أي من هذه الأرقام اليوم.
في هذا الصدد، ذكر راكان العبيد أن أكبر شركتين تجاريتين في البلاد هما إيران إير وماهان إير، وتمتلك الأولى أسطول متنوع بعدد 38 طائرة بمتوسط عمر يتجاوز 28 سنة، بينما لدى الثانية 28 طائرة بالأسطول بمتوسط عمر 28 سنة، مقابل متوسط معدل أسطول الطائرات بالمنطقة العربية هو نحو 8 سنوات، وذلك وفقاً للبيانات من ch-aviation.
كيف تواجه الشركات القيود الغربية؟
واجهت شركة الخطوط الجوية الإيرانية إيران إير تحديات في شراء الوقود والخدمات الأخرى في الخارج بسبب تلك العقوبات، في حين أن سوء الإدارة ونقص التمويل منعها من إضافة طائرات أحدث إلى أسطولها، ونتيجة لذلك أصبح لدى الشركة الآن خمس طائرات فقط ذات الجسم العريض مزودة بقدرة وقود كافية وصيانة فنية للقيام برحلات جوية إلى أوروبا، وفقاً لدراسة أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في أبريل نيسان 2024.
في هذه الأثناء، تعمل شركة ماهان للطيران بثبات للتحايل على العقوبات والقيود الأوروبية منذ عام 2019، على سبيل المثال أنشأت شركات تابعة مثل طيران يزد للقيام برحلات جوية أوروبية، كما أجّرت شركة ماهان طائراتها ذات الجسم العريض من طراز إيرباص إيه 310-300 وإيه 300-600 لشركة إيران إيرتور، وهي شركة إيرانية مملوكة للقطاع الخاص حصلت على ترخيص مشغلي دولة ثالثة من وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي في ديسمبر كانون الأول 2021.
كما أنشأت ماهان مؤخراً مجموعة من شركات الطيران والخدمات التابعة الغامضة في دول إفريقية وآسيوية مثل بوركينا فاسو وغامبيا وإندونيسيا ومالي، وفقاً للمعهد.
ومع ذلك، وفي ظل العقوبات، تكافح صناعة الطيران الإيرانية لتحقيق الأهداف التشغيلية للطائرات، حيث توجد 180 طائرة فقط في الخدمة حالياً، بحسب تقرير أخير لمحطة إيران إنترناشيونال، وهو أقل من العدد المخطط له وهو 250 طائرة بحلول نهاية 2023.
مصرع الرئيس.. ليست الحادثة الأولى
أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية صباح يوم الاثنين مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية، نتيجة لحادث تحطم طائرة هليكوبتر من طراز بيل 212 أثناء تحليقها عبر الجبال وسط ضباب كثيف.
هذا ولفت عبدالرحمن نجم المشهداني، أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» إلى أن طائرة الرئاسة الإيرانية مصنعة قبل عام 1978 وتوقف إنتاجها في عام 1980 ولا تزال تستخدم لنقل الرئيس، قائلاً «بالتأكيد هي طائرات متهالكة حتى وإن تمت صيانة أجزاء منها».
وقال إلياس حنا، إن «المروحية التي تحطمت وأودت بحياة الرئيس الإيراني ليست الأولى التي تسقط، وهناك حوادث سابقة لمروحيات بيل 212 وال بيل 214 ذهب ضحيتها الكثير من المسؤولين الإيرانيين والمدنيين».
وأضاف حنا أنه في حادثة مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي، تبيّن أن نوعية المروحيات والمسيرات ليست بالجودة الكافية، ما أدّى للاستعانة بالمسيرة التركية المتقدمة أكانجي لتحديد مكان سقوط الطائرة، قائلاً، «بدلاً من أن يتنقل رئيس جمهورية بطائرة خاصة وهو برفقة وزير الخارجية (أهم أعمدة النظام الإيراني)، يتنقلان بواسطة طيران متهالك لمسافات طويلة».
ويؤكد حنا أن ما يُبعد نظرية أن المروحية تعرضت لانفجار -كما يظهر في بعض وسائل الإعلام- أنها لم تتناثر، بل بقي تكوينها الأوسط كما هو، مشيراً إلى أن المروحية يمكنها قطع مسافة 260 كيلومتراً فقط، لكنها استخدمت لتقل الرئيس ووزير خارجيته إلى مسافة تفوق الـ500 كيلومتر للوصول إلى طهران، وذلك يعني أنه كان عليها التوقف في منتصف الطريق.
عقوبات إضافية تلوح في الأفق
بعد هجوم إيران على إسرائيل في الثالث عشر من أبريل نيسان، حذّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من احتمال فرض المزيد من العقوبات إذا نقلت طهران صواريخ باليستية إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا.
وبحسب ما ورد عن تقرير لوكالة رويترز، تشمل هذه العقوبات الإضافية حظراً محتملاً على الرحلات الجوية الأوروبية لشركة الخطوط الجوية الإيرانية، الناقل الوطني للجمهورية الإسلامية.
وفي هذا الصدد، قال تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى «إن فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية فقط من المرجح أن يشجع الحرس الثوري الإيراني وماهان على مضاعفة استخدام شركات الطيران التابعة لها واتفاقيات المشاركة مع بقية الشركات الإيرانية لتوسيع عملياتها في أوروبا»، داعياً إلى مزيد من العقوبات على شركة ماهان للطيران.
وأضاف أن الهدف من هذه الإجراءات ليس الضغط على قطاعي السفر والسياحة في إيران، لأن النظام يجني إيرادات اقتصادية ضئيلة من شركة الطيران الإيرانية، وهو غير مبالٍ أيديولوجياً بكيفية تأثير هذا الضغط على المواطنين، بل الهدف الرئيسي هو تقليص الدور الاستراتيجي الذي تلعبه شركة ماهان للطيران باعتبارها مركزاً لوجستياً عالمياً.