تزداد النقاشات حول السيارات الكهربائية يوماً بعد يوم، حيث أصبحت هذه السيارات رمزاً للتحول نحو اقتصاد مستدام وأكثر صداقة للبيئة.

وفي حين يرى العديد من الخبراء أنها تمثّل الحل الأمثل لتقليل الانبعاثات الكربونية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، يشير آخرون إلى أن السيارات الكهربائية قد تكون أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى، خاصة عندما ننظر إلى التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بها.

تُعتبر السيارات الكهربائية أحد الحلول الرئيسية لمواجهة التغيّرات المناخية، خاصة في ظل تزايد الاهتمام العالمي بالحد من الاعتماد على النفط والوقود الأحفوري.

وفقاً لتقارير وكالة الطاقة الدولية (IEA)، بلغ الطلب العالمي على النفط عام 2023 نحو 94.7 مليون برميل يومياً، ويتوقع الخبراء أن يؤدي التبني الواسع النطاق للسيارات الكهربائية إلى تقليص هذا الطلب بمقدار 4.2 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030، وهو انخفاض كبير يعكس حجم التغيير الذي يمكن تحقيقه.

في الإمارات، حيث تعتمد اقتصاديات الدولة بشكل كبير على النفط، هناك تحركات واضحة نحو تنويع مصادر الاقتصاد وتعزيز الاستدامة، وقد أشارت ياسمين جوهري علي، الرئيسة التنفيذية لشركة E Daddy، في حديث مع CNN الاقتصادية، إلى أن الترويج للسيارات الكهربائية سيسهم في تقليل الاعتماد على النفط، ويسهم في بناء اقتصاد أكثر تنوعاً وصداقة للبيئة.

وأضافت أن هذا التحول ليس فورياً، حيث إن السيارات الكهربائية لا تمثل سوى 1% من الأسطول العالمي الحالي، ما يعني أن التحول سيكون تدريجياً ويحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية والسياسات الحكومية لدعمه.

تقليل الانبعاثات الكربونية.. مكاسب بيئية ضخمة

إحدى أبرز الحجج لصالح السيارات الكهربائية هي قدرتها على تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن قطاع النقل، والذي يُعدّ مسؤولاً عن 25% من الانبعاثات العالمية.

ووفقاً لدراسة أجرتها اتحاد العلماء المعنيين (Union of Concerned Scientists)، حتى عند الاعتماد على الكهرباء الناتجة عن الوقود الأحفوري، فإن السيارات الكهربائية تنتج أقل من نصف كمية الانبعاثات التي تنتجها السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين.

وفي الإمارات، تشكّل الطاقة الشمسية مصدراً متزايداً للطاقة، ما يزيد من إمكانات السيارات الكهربائية لتقليل الانبعاثات بشكل أكبر، كما أشار سراج الدين جلال الدين، المدير التقني لشركة E Daddy، لـCNN الاقتصادية إلى أن تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة في الدولة، خاصة الطاقة الشمسية، سيسهم في زيادة نسبة اعتماد السيارات الكهربائية على مصادر طاقة نظيفة، ما يؤدي إلى انخفاض أكبر في الانبعاثات الكربونية.

الآثار البيئية السلبية.. التعدين وإنتاج البطاريات

على الرغم من الفوائد البيئية الظاهرة للسيارات الكهربائية، فإن هناك جوانب مظلمة تستحق النظر.

يعتمد إنتاج السيارات الكهربائية بشكل كبير على المعادن النادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، والتي تتطلب عمليات تعدين واسعة النطاق.

هذه العمليات، وفقاً لأنس الحجي، مستشار التحرير في منصة الطاقة، تسبب آثاراً بيئية خطيرة تشمل إزالة الغابات وتدمير الأراضي، خاصة في الدول التي تعتمد على التعدين المفتوح لاستخراج هذه المعادن.

فيتطلب كل من الليثيوم والكوبالت كميات ضخمة من الموارد الطبيعية، ويتوقع أن يرتفع الطلب على الليثيوم بنسبة 500% بحلول عام 2030، بينما سيزيد الطلب على الكوبالت بنسبة 70%، ويُعتبر النحاس أيضاً مادة رئيسية، حيث تعتمد البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية على كميات هائلة من النحاس لربط الشواحن بالشبكات الكهربائية.

هذا الطلب المتزايد على المعادن يؤدي إلى تفاقم الضغوط البيئية، خاصة مع عدم وجود حلول دائمة وفعالة لإعادة تدوير البطاريات القديمة التي قد تزن بعضها أكثر من طن وتحتوي على مواد سامة.

التحديات في الدول النامية

تواجه السيارات الكهربائية تحديات إضافية في الدول النامية، حيث لا تزال البنية التحتية للشحن محدودة وغير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على هذه السيارات، كما أن شبكات الكهرباء في العديد من هذه الدول ليست مؤهلة لتحمل الضغط الناتج عن زيادة عدد السيارات الكهربائية، وأوضحت جيسيكا عبيد، الشريكة المؤسسة لشركة New Energy Consult، أن هذا النقص في البنية التحتية يشكل عائقاً كبيراً أمام توسع استخدام السيارات الكهربائية.

وفي المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة، مثل الشرق الأوسط، تشكّل الحرارة تحدياً إضافياً، فقد أظهرت الدراسات أن أداء السيارات الكهربائية يتراجع بنسبة تصل إلى 30% في درجات الحرارة العالية، ما يقلل من كفاءتها ويزيد من استهلاك الطاقة.

هل السيارات الكهربائية هي المستقبل؟

تبدو السيارات الكهربائية واعدة في جهود تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة الاقتصادية، ومع ذلك فإنها تواجه تحديات بيئية واقتصادية كبيرة تتعلق بإنتاج البطاريات، وتكاليفها الأولية، والبنية التحتية اللازمة لدعمها، بالإضافة إلى التحديات البيئية المرتبطة بالتعدين والتخلص من البطاريات.

ورغم أن المستقبل يحمل آمالاً كبيرة على تطور التكنولوجيا والتقدم في مجال الطاقة المتجددة، يبقى السؤال قائماً حول ما إذا كانت السيارات الكهربائية ستكون الحل الأمثل.. هل يمكن للتكنولوجيا والسياسات المستدامة التغلب على هذه التحديات أم أن الطريق نحو مستقبل بيئي أكثر استدامة يتطلب النظر في حلول أخرى مثل تحسين كفاءة محركات البنزين والديزل أو اعتماد السيارات ذات الوقود المزدوج؟