رجَّح بنك غولدمان ساكس ألا يلجأ البنك المركزي المصري لخفض سعر الجنيه مقابل الدولار في ظل استمرار نقص السيولة الدولارية لديه، وكذلك زيادة الطلب على الدولار من قِبل المستوردين والقطاع الحكومي في مصر.
وقال في تقرير صادر عن مصر إن «الأوضاع الاقتصادية لا تدعم تحقيق أهداف سياسة سعر الصرف التي تنتهجها السلطات المصرية حالياً».
وتتزايد التوقعات بشأن لجوء الحكومة المصرية لخفض جديد في سعر الجنيه مقابل الدولار الرسمي مع اتساع الفجوة بين السعرين في البنوك و السوق الموازية والذي اقترب من الضعف.
شرطان لخفض سعر الجنيه
ويقول غولدمان ساكس إنه في ظل نظام سعر الصرف المُدار الحالي في مصر يعتقد أن السلطات المصرية تحتاج إلى عاملين لخفض الجنيه، أولهما أن يتماشى المعروض من العملة الأجنبية مع ارتفاع الطلب المتوقع من قِبل المستوردين والقطاع الحكومي حال تخفيض سعر الصرف رسمياً.
أما العامل الثاني فإن احتياطيات السيولة في العملات الأجنبية يجب أن تكون كافية لضمان تلبية احتياجات عملاء البنوك من الدولار دون توقف.
ويعتقد غولدمان ساكس أن هذه العوامل ليست متوفرة بعد في مصر، لأن الطلب على العملات الأجنبية في البنوك الرسمية لا يزال مرتفعاً في ظل نقص السيولة الدولارية، وهو ما يجعل من الصعب توحيد سعر صرف الدولار دون انخفاض كبير في قيمة الجنيه.
وتعاني مصر من تراجع في التدفقات الدولارية من الخارج منذ العام الماضي، حيث هبطت تحويلات المصريين العاملين في الخارج، التي تعد أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة في مصر مع اتساع التعاملات في السوق الموازية.
وتشير بيانات البنك المركزي الأخيرة إلى أن تحويلات العاملين المصريين في الخارج انخفضت في الربع الأول من العام المالي الجاري بنسبة 29.9 في المئة، لتصل إلى 4.5 مليار دولار مقابل 6.4 مليار دولار.
وبحسب غولدمان ساكس، فإن مصر بحاجة إلى تشديد السياسات النقدية، كما يجب على القطاع المصرفي الرسمي بناء احتياطيات كافية من السيولة من العملات الأجنبية قبل اتخاذ أي محاولة لتوحيد سعر الصرف عن طريق تخفيض قيمة الجنيه.
لماذا لا يعد التعويم الحر مجدياً؟
مع اتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار في مصر يعد التعويم الحر للعملة هو الطريقة الأكثر فاعلية لضمان توحيد سعر الصرف، وفقاً لتقرير البنك.
ويقول التقرير إن نظام التعويم الحر يضمن عدم عودة سعر موازٍ للدولار خارج القطاع المصرفي، إذ إن السعر يتحدد بناء على العرض والطلب، «ولكن هذا النظام قد يُحدث تقلبات أكبر لسعر الدولار؛ ما يجعله خياراً غير مرجح في مصر».
ويعتقد التقرير أن تخفيض قيمة العملة ضرورة لمعالجة اختلالات ميزان المدفوعات المصري، لكنها قد تؤدي إلى تكاليف اقتصادية كبيرة تتزايد تدريجياً.
وتشعر السلطات المصرية بالقلق من أن التخفيض الكبير في قيمة العملة من شأنه زيادة معدل التضخم في مصر المرتفع بالفعل، وفقاً للتقرير.
وتشير بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء المصري إلى أن معدل التضخم في المدن المصرية سجل 29.8 في المئة في يناير كانون الثاني الماضي، متراجعاً من أعلى مستوى له في سبتمبر أيار الماضي عندما سجل 38 في المئة، لكن التضخم مرشح للزيادة في الشهور المقبلة مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية.
ويقول غولدمان ساكس رغم أن معظم المعاملات الاقتصادية في مصر حالياً بالسعر الموازي، فإن عدداً كبيراً من السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة والأدوية تُستورد بالسعر الرسمي، وهو ما يمثل شكلاً من أشكال الدعم الضمني.
ويشير إلى أن أي زيادة في سعر الدولار رسمياً ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يزيد من الضغوط التضخمية.
ومنذ مارس آذار من العام الماضي يُقدر سعر الدولار الجمركي الذي يُحدد على أساسه أسعار السلع المستوردة وفقاً للسعر الرسمي الذي يقترب من 31 جنيهاً في حين يبلغ سعر السوق الموازية قرب 60 جنيهاً.
وقد يتسبب الارتفاع الكبير في سعر الصرف في زيادة العبء المالي على الموازنة المصرية، ويقول التقرير إن ارتفاع أسعار الواردات والسلع المحلية سيؤدي إلى ارتفاع فاتورة الدعم، مع تقديم الحكومة المصرية دعماً للفئات الأكثر ضعفاً، ولأجور العاملين بالدولة المصرية.
وتشير بيانات الموازنة الحالية إلى أن مصر تخصص نحو 500 مليار جنيه مصري (17 مليار دولار) للدعم، نصفها تقريباً للغذاء والوقود، بزيادة نحو 50 في المئة على العام السابق، مدفوعة بشكل رئيسي بالتخفيضات السابقة لقيمة العملة.
ويعتقد التقرير أن مصر ستواصل تطبيق نظام سعر الصرف المدار في المستقبل، وإن كان ذلك بدرجة أعلى من المرونة عمَّا كانت تطبقه في الماضي.