استطاعت بعض الاقتصادات الناشئة إثبات مرونتها في مواجهة التحديات الاقتصادية وتداعيات التوترات الجيوسياسية في الأعوام الأخيرة، ما قد يُغيّر خريطة الاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة، ويفسح مجالاً لصعود بعض الاقتصادات الناشئة إلى القمة وعلى رأسها الهند.

وتبرز الهند والمكسيك بين أبرز المستفيدين من التحول الناجم عن التوترات الجيوسياسية حول العالم، بحسب ما ذكرته فرح مراد، المحللة الأولى للأسواق لدى إيكوتي غروب في مقابلة مع «CNN الاقتصادية».

وقالت فرح، «الحقيقة الجديدة في ظل التوترات الجيوسياسية هي ابتعاد الاقتصاد العالمي عن القطب الأوحد المتمثل في سيطرة الولايات المتحدة نوعاً ما على الأسواق والتجارة العالمية، وبدلاً من ذلك نرى توجهاً إلى التكتلات الاقتصادية ومن بينها البريكس»، مشيرة إلى استفادة بعض الدول على حساب البعض الآخر من هذه التغيرات.

وأضافت «أعتقد أن الاقتصاد الهندي استفاد بشكلٍ كبير من التوترات سواء بين روسيا وأوكرانيا أو توترات الشرق الأوسط، كما يبرز اقتصاد المكسيك كرابح وسط التوترات بين أميركا والصين بشأن تايوان، التي عززت التوجه نحو الغرب».

تحديات تواجه الاقتصادات الناشئة

على جانب آخر، حذّر رائد الخضر، كبير محللي الأسواق لدى إيكوتي غروب من تداعيات التوترات الجيوسياسية على الاقتصادات الناشئة «ربما استغلت بعض الاقتصادات هذه النزاعات لبناء علاقات تجارية أقوى، لكنها لا تزال تتأثر سلباً من ارتفاع أسعار الفائدة وتأثر سلاسل الإمدادات، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع ومعدلات التضخم».

وواجهت الأسواق الناشئة في السنوات القليلة الماضية تحديات عديدة بدءاً من اضطرابات سلسلة التوريد في أعقاب جائحة كورونا، وأزمة الطاقة والغذاء الناجمة عن حرب روسيا على أوكرانيا، مروراً بتسارع التضخم وتشديد السياسة النقدية عالمياً، والحروب التجارية، ووصولاً إلى التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والبحر الأحمر.

وفي الهند على وجه خاص، حذر بنك غولدمان ساكس من تداعيات الارتفاعات الحادة في أسعار النفط الخام الروبية الهندية نظراً لوضع البلاد كمستورد للنفط، فضلاً عن التحديات الاجتماعية التي تواجهها البلاد وعلى رأسها مستويات الأجور المنخفضة التي تمثّل عائقاً لتحقيق ظروف عمل لائقة ونمو شامل.

كما لفت غولدمان ساكس إلى تحديات الاقتصاد الكلي التي تواجهها الصين والتي تمثّل مصدراً للقلق بالنسبة للاقتصادات العالمية الكبرى، ومع ذلك، ذكر البنك أنه عند النظر إلى اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ، فإن الهند لديها أقل ارتباط اقتصادي بالطلب في الصين، ما يجعل تأثرها بتباطؤ النمو الصيني محدوداً.

الهند تتخطى أميركا في عقود

نما اقتصاد الهند بنسبة 7.8 في المئة عام 2023، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، وكانت واحدة من أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً على مدى العقدين الماضيين.

وتوقع تحليل لبنك غولدمان ساكس أن يظل نمو الاقتصاد الهندي قوياً عام 2024، مع متوسط نمو سنوي بنسبة 6.7 في المئة ​​على مدى العقد المقبل، بفضل تطور البنية التحتية للبلاد وتوسع سوق الأوراق المالية الجاذبة للاستثمارات الأجنبية و التحول الأخضر والتطور التكنولوجي.

ورجّح تقرير غولدمان ساكس تفوق الهند على الولايات المتحدة لتصبح صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2075، مقارنة بمكانة الهند الحالية كخامس أكبر اقتصاد في العالم، بعد ألمانيا واليابان والصين والولايات المتحدة.

ويشير التحليل الصادر عن البنك الاستثماري في أبريل نيسان 2024، إلى أن زيادة الرقمنة وأسواق رأس المال الناضجة، مدعومة بالرياح المواتية مثل إدراج مؤشر السندات العالمية في البورصة الهندية، تعزز جاذبية الهند كوجهة استثمارية.

وقال غولدمان ساكس، «من السمات المميزة لحملة التحول الرقمي في الهند هي الريادة التي اتخذتها الحكومة في بناء البنية التحتية الرقمية، وينعكس هذا على النظام البيئي للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في مجالات مثل التجارة الإلكترونية والمدفوعات عبر الإنترنت»، كما لفت إلى استخدام البلاد أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة لتحسين الرعاية الصحية والتعليم.