تتجه أنظار المستثمرين بشكل متزايد نحو الأسواق الأوروبية والناشئة للتحوط من تقلبات الأسهم والسندات الأميركية، خاصة مع استمرار تسارع معدلات التضخم في الولايات المتحدة وانحسار التوقعات بشأن عدد مرات خفض الفائدة الأميركية هذا العام.
وشهدت وول ستريت نزيفاً حاداً خلال شهر أبريل نيسان، لتسجل سندات الخزانة الأميركية ومؤشر ستاندرد أند بورز 500 أكبر خسائر شهرية لهما منذ سبتمبر أيلول 2023.
والآن، تبحث صناديق الاستثمار عن فرص أكثر أماناً خارج وول ستريت لحماية استثماراتها إذا استمر الاتجاه الهبوطي للأسواق الأميركية.
ويتوقع الخبراء أن يكون عنوان المرحلة المقبلة هو تنويع المحافظ الاستثمارية، بعد أن ظلت الأصول الأميركية الخيار المفضل للمستثمرين لسنوات طويلة.
وفي هذا السياق، قالت سونجا لاود -مديرة الاستثمار في الصندوق الاستثماري إل جي آي إم الذي يدير أصولاً بنحو 1.5 تريليون دولار- إن «التركيز على التنوع سيزيد بشكل أكبر في المرحلة المقبلة»، مشيرة إلى أن الصندوق أصبح يفضل الأسهم الأوروبية على نظيرتها الأميركية.
من جهتها قالت أميلي ديرامبور كبيرة مديري الأصول لدى أموندي -أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا- إنها ما زالت تتوقع تحقيق مكاسب من الأسهم الأميركية على المدى الطويل، لكنها أشارت في الوقت ذاته إلى أن الشركة حولت جزءاً من استثماراتها من سندات الخزانة الأميركية إلى سندات منطقة اليورو.
تقلبات وول ستريت
مثلت الأسهم الأميركية نحو 80 في المئة من إجمالي مكاسب الأسهم على مؤشر مورغان ستانلي كابيتل إنترناشيونال العالمي منذ عام 2020.
وشكّلت أسهم الشركات التكنولوجية السبع الكبرى (أبل و مايكروسوفت وألفابيت وأمازون وإنفيديا وميتا وتسلا) أكثر من 60 في المئة من مكاسب مؤشر ستاندرد أند بورز 500 العام الماضي.
لكن التوقعات بالإبقاء على أسعار الفائدة الأميركية عند معدلاتها المرتفعة الحالية لفترة أطول زاد المخاوف بشأن تكاليف الإقراض في وقت تحتاج فيه تلك الشركات للاقتراض بشكل أكبر لتمويل المتطلبات الضخمة لثورة الذكاء الاصطناعي.
وبالفعل قرر مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) يوم الأربعاء الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة السادسة على التوالي لتظل عند النطاق 5.25 – 5.5 في المئة، وهو أعلى معدل لها منذ 23 عاماً.
فارتفاع تكاليف الإقراض يؤثر سلباً على التوقعات طويلة المدى لأرباح شركات التكنولوجيا التي تحتاج لتنفيذ استثمارات هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي.
فعلى مدار 12 عاماً من الـ16 عاماً الماضية، كان نمو إيرادات الشركات هو السبب الأساسي لتفوق وول ستريت على البورصات الأوروبية، ومن المنطقي أن يبدأ المستثمرون في التحول بعيداً عن الأسهم الأميركية إذا تضررت النظرة المستقبلية لتلك الإيرادات.
ويُعد التراجع الحاد لأسهم ميتا في أبريل نيسان أكبر دليل على المخاطر التي تواجهها شركات التكنولوجيا وسط بيئة استثمارية تتسم بارتفاع تكاليف الإقراض.
وبحسب إحصاءات مجموعة بورصات لندن، ما زال مؤشر ستاندرد أند بورز الأميركي يتفوق على مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بنحو سبع نقاط في معدل السعر إلى الأرباح.
رغم ذلك، بدأ المستثمرون يقبلون بصورة أكبر على ستوكس 600 نظراً لتضمنه العديد من أسهم القطاعات الأكثر استقراراً مثل الطاقة والبنوك، التي عادة ما تستفيد من تحسن النمو العالمي وفي الوقت ذاته تكون أقل تأثراً بارتفاع تكاليف الإقراض.
على سبيل المثال، قلصت شركة إدارة الأصول الفرنسية كارميناك حوزتها من أسهم التكنولوجيا الأميركية في أبريل نيسان لصالح سوق الأسهم الأوروبية، وفقاً لما أوردته رويترز.
وتعليقاً على ذلك، قال مدير قسم الاستثمار في الأصول المتعددة في الشركة فريدريك ليرو «في كل مرة نشهد فيها موجة جديدة من التضخم في الولايات المتحدة، سنجد إقبالاً أكبر على الأسواق الأوروبية».
فعلى عكس الوضع في أميركا، تشهد معدلات التضخم تراجعاً مستمراً في أوروبا، ما يعزز احتمالات قيام البنك المركزي الأوروبي بالبدء في خفض أسعار الفائدة بدءاً من يونيو حزيران المقبل.
سندات الخزانة
وينطبق الأمر ذاته على أسواق السندات، إذ سجل مؤشر سندات الخزانة الأميركية تراجعاً بنحو 2 في المئة في أبريل نيسان مسجلاً أسوأ أداء شهري له منذ سبتمبر أيلول.
فانحسار توقعات خفض الفائدة الأميركية أدى لزيادة الإقبال على السندات الأوروبية وسندات الأسواق الناشئة سريعة النمو مثل الهند وإندونيسيا و فيتنام، وترى شركة إل جي آي إم فرصاً أكبر في السندات الهندية بشكل خاص نظراً لقوة النمو الاقتصادي في الهند.
واستبعد خبراء بنك باركليز ارتفاع سندات الخزانة الأميركية حتى في حالة تخفيف السياسة النقدية وخفض أسعار الفائدة، معللين ذلك بتفاقم قيمة الدين الحكومي في الولايات المتحدة.
لكن التحول عن سندات الخزانة الأميركية ليس أمراً سهلاً نظراً لارتباطها الوثيق ببقية أسواق السندات حول العالم، فكل زيادة قدرها 1 في المئة في عوائد سندات الخزانة أجل 10 سنوات تقابلها زيادة قدرها 56 نقطة أساس في عوائد السندات العالمية الأخرى، وفقاً لدراسة أجراها بنك باركليز.