في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تشهد أسعار العقارات في كل من لبنان والأردن ارتفاعاً ملحوظاً، الأسباب متعددة ومتشابكة، ولعل أبرزها الحركة الكبيرة لنزوح السكان في بعض المناطق والطلب المستمر على الوحدات السكنية.

هذه الديناميكيات تلقي بظلالها على سوق العقارات، ما يولد تفاوتاً واضحاً في الأسعار بين منطقة وأخرى، وتأثيراً مباشراً على العوائد العقارية.

في لبنان، تتفاوت الأسعار بشكل كبير، حيث يستفيد المطورون العقاريون الكبار من النزوح الكبير لأهل الجنوب نحو المناطق الأكثر أماناً، ما يعزز الطلب على العقارات هناك، وفي الأردن، يظل الطلب على الوحدات السكنية أكبر من المعروض، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالرغم من التحديات الأمنية الراهنة.

وتصدرت التوترات الجيوسياسية قائمة المخاطر السلبية قصيرة الأمد على الشركات في أحدث استطلاع عالمي للمخاطر أجرته شركة التنبؤات الاقتصادية أكسفورد إيكونوميكس. كما ذكر الاستطلاع أن النزاعات الجيوسياسية -كتلك التي يشهدها الشرق الأوسط- تؤثر بشكل مباشر على عوائد العقارات، ولكن هذا التأثير يختلف حسب السوق.

تأثيرات مزدوجة على سوق العقارات في لبنان

لا شك أن سوق العقارات في لبنان في الآونة الأخيرة شهدت عدم استقرار بسبب الظروف الاقتصادية وغياب القروض المصرفية وقروض الإسكان وانهيار العملة اللبنانية. ولكن الحرب في غزة أنعشت هذا القطاع في مناطق لبنانية معينة جراء نزوح 20 ألف عائلة من الجنوب إليها نظراً لأمنها، وفقاً لرئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري.

أضافت المحامية في اتصال مع «CNN الاقتصادية» «هنا نرى أن العقارات زادت قيمتها لارتباطها بالعرض والطلب.. فصدق من قال مصائب قوم عند قوم فوائد».

أما فيما يتعلق بعقارات المنطقة الجنوبية المتضررة، فأوضحت الزهيري أن الشركات العقارية الضخمة تتهافت على شرائها بأسعار زهيدة، استغلالاً منها أوضاع المالكين الاقتصادية والمعيشية وحاجتهم إلى النقود في ظل أزمة المصارف، كما تبدي هذه الشركات اهتماماً بشراء الأراضي الزراعية التي تضررت بفعل الهجوم عليها.

وأشارت الزهيري إلى أن «هناك نحو 100 قرية جنوبية تأثرت نتيجة حرب غزة وهناك ما يزيد على ألف وحدة سكنية تعرضت لتدمير كامل أو جزئي، خاصة في كفركلا والبلدات التي تواجه مستعمرتي المطلة ومسكافعام الإسرائيليتين».

وتضيف أن هناك عقارات تتضمن وحدات مؤجرة مقابل بدل ضئيل أو شبه مجاني وفقاً لقانون التأجير القديم الذي لا يسمح للمالك أن يرفع الإيجار بشكل ملحوظ أو أن يخلي الوحدة دون تعويض المستأجر، وتقول «يتوجه الكثير من مالكي هذا العقارات إلى بيع الوحدات هذه بسعر بخس نظراً لحاجتهم للنقود في ظل قبض بدلات لا تكفي لعشرين لتراً من البنزين».

عقارات الأردن.. طلب يفوق المعروض

وارتفعت أسعار العقارات في الأردن على الرغم من الأوضاع الأمنية الصعبة في المنطقة ويعود هذا الأمر إلى عدة أسباب منها العرض والطلب المحليان، إذ قلّت المشاريع التطورية منذ 2018 على الرغم من استقرار الطلب على العقارات، بحسب المدير التنفيذي لشركة انشز العقارية، يزن شديد وهو أيضاً خبير ومستشار عقاري في الأردن.

ويقول «يمكن أن تقل المشاريع التطويرية في الأردن بسبب الصراعات والتوترات السياسية والأمنية في المنطقة، تعود هذه الظاهرة إلى حالة عدم اليقين التي تخلقها الصراعات، والتي تجعل المستثمرين يترددون في البدء بمشاريع جديدة».

وأضاف أن «التضخم وسياسات الفائدة دفعت الناس إلى الاستثمار في العقارات كوسيلة لحماية قيمة أموالهم، خصوصاً أن الدينار مرتبط بالدولار في أسعار العقارات. أما التوترات الإقليمية، مثل حرب غزة فقد تكون دافعاً لبعض الأفراد للاستثمار في الأصول العقارية كوسيلة لتعزيز أمانهم المالي».

أما استجابة المستثمرين الأجانب للأوضاع غير المستقرة في السوق الأردنية أو في دول الشرق الأوسط فتتباين بشكل كبير، فبحسب الخبير، فإن بعضهم قد يرى فرصة للشراء بأسعار منخفضة أو للاستثمار في مشاريع التطوير المستقبلية، بينما يفضل آخرون تجنب المخاطرة والانسحاب من السوق.

وقال شديد «مع ذلك، من المهم أن نذكر أن الطلب العقاري لا يختفي تماماً، بل يبقى موجوداً في الخلفية. فقد يكون هناك أفراد وشركات تبحث عن فرص استثمارية جيدة تظل مستقرة على المدى البعيد، ويمكن أن يكون السوق العقاري الأردني مصدراً جذاباً لهذه الفرص».

وتابع «في ظل الظروف الراهنة، هناك عدة عوامل قد تشير إلى احتمالية ارتفاع الأسعار في السوق العقارية في الأردن، ولكن لا نستطيع أن ننكر بأننا في فترة من عدم اليقين، لذلك ينبغي مراقبة التطورات السوقية، الاقتصادية والجيوسياسية الحالية بعناية لفهم الاتجاهات المحتملة بشكل أفضل».

ويمكن أن يؤثر الوضع الأمني غير المستقر بشكل عام على سوق العقارات بطرق متنوعة، بحسبِ شديد «وعلى الرغم من أن جميع أنواع العقارات قد تتأثر، فإن تأثيرها يختلف بشكل كبير.

عادةً، يكون للعقارات الصناعية والتجارية تأثير أكبر بالمقارنة مع العقارات السكنية، وذلك نظراً لعدة عوامل منها طبيعة الأنشطة الاقتصادية، وتأثر الاستثمارات والتجارات الدولية، بينما قد تكون العقارات السكنية أقل تأثراً وذلك بسبب طبيعتها الأكثر استقراراً والتي تميل إلى تحمل التقلبات بشكل أفضل».

كما أن الصراعات أثرت سلباً على سلاسل التوريد وعلى مشاريع البناء والتطوير العقاري بطرق متعددة.

فوفقاً لشديد، أدى تعطيل سلسلة التوريد نتيجة للصراعات إلى تأخير في عمليات التشييد والبناء، ما أثر على المشاريع العقارية، وليس هذا فحسب، بل زاد هذا التأخير من تكاليف البناء بشكل كبير، حيث اضطرت الشركات المطورة إلى اللجوء إلى موارد بديلة أو شراء مواد بأسعار مرتفعة أو ارتفاع أجور الشحن، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المشاريع العقارية بشكل عام.

أضاف أن هذا التأخير والزيادة في التكاليف قد تسببا أيضاً في فقدان الفرص الاستثمارية وتأجيل المشاريع المستقبلية، ما يؤثر على الاقتصاد والمحلي وعلى البيئة الاستثمارية.

في النهاية، تبقى السوق العقارية محوراً للاستثمار يتطلب التقييم المستمر والفهم العميق للعوامل المتغيرة، المستثمرون والمطورون الذين يفهمون كيفية التكيف والاستفادة من هذه الأوضاع قد يجدون فرصاً ذهبية، بينما قد يختار آخرون التريث ومراقبة الوضع حتى تتضح الرؤية أكثر.