يبدأ أحمد محمد يومه منذ مارس/ آذار الماضي باتصال بأحد البنوك التي يتعامل معها ليستفسر منه ما إذا تمكّن من تدبير احتياجاته من الدولار الأميركي من أجل سداد قيمة وارداته من ماكينات طباعة المنسوجات. بعد الانتهاء من المكالمة التي يأتي الرد عليها بالنفي ودعوته للانتظار مجدداً، يقوم السيد أحمد بمراسلة الشركات النمساوية والتركية التي يمثلها في مصر ويناشد مسؤوليها الانتظار لأن المصرف لم يؤمن له بعد الدولارات اللازمة لإتمام العملية.

أحمد محمد اسم مستعار لصاحب شركة توكيلات تجارية آثر في تصريحه لـ«سي أن أن الاقتصادية» عدم الكشف عن اسمه الحقيقي.

أزمة شح الدولار بدأت بعد قرار الدولة تطبيق الاعتمادات المستندية على كافة أنشطة الاستيراد فيمصر منذ فبراير/شباط الماضي. هذا التدبير جعل المصارف المصدر الوحيد لتأمين الدولار ورفض دولارات العملاء إلا إذا كان مصدرها عمليات تصديرية قامت بها شركات محلية. كما يلزم القرار المستوردين بإيداع كامل قيمة السلع المستوردة قبل التنفيذ.

«علينا إيداع 100 في المئة من قيمة السلع في خزائن المصرف بالجنيه المصري لشهور كي يقوم في المقابل بتأمين الدولار. وهو ما أصاب عملية الاستيراد بشلل تام»، قال أحمد.

وشرح أحمد الذي لا يخفي خوفه من المستقبل، أنه «قبل تطبيق هذا القرار، كان على المستورد تأمين ما نسبته 30 في المئة من قيمة الشحنة على أن يدفع باقي المبلغ مقسماً على عام بعد البيع».

قرر أحمد المغادرة إلى النمسا مع أحد موظفيه، ومع كل واحد منهما ظرف يحتوي على عشرة آلاف دولار، وهو الحد الأقصى من النقد الأجنبي المسموح به لكل مسافر، وذلك من أجل سدادها نقداً كدفعة حجز لماكينة طباعة منسوجات.«أنا مضطرٌ للسفر بنفسي لتسليم دفعة الحجز للشركة المُصنعة. لم أتمكن من تحويل المبلغ إلى الشركة مصرفياً لأن الأموال ليست حصيلة استيراد ولأنها ليست مؤمنة من المصارف التي نعمل معها».

أمجد المعصراوي وكيل قطع غيار سيارات نقل وسيارات ركاب، أبلغ «سي أن أن الاقتصادية» في اتصال هاتفي من ألمانيا، أنه أوقف أعمال الاستيراد تماماً منذ مايو/أيار، حيث تم حجز ثلاث حاويات في ميناء الإسكندرية كانت في طريقها إلى مصر قبل صدور قرار العمل بالاعتمادات المستندية. «توقفت الحاويات في الميناء من مارس/آذار 2022 لمدة أربعة أشهر على أن أمّن المصرف المبلغ. هذا التعطيل كلفني 40 ألف دولار غرامة تأخير لشركة الشحن».

منذ العمل بقرار الاعتمادات المستندية وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، دفعت شركات الاستيراد غرامات تأخير تصل الى 500 مليون دولار لشركات الشحن الدولية. إذ تبلغ الغرامة 135 دولاراً لكل حاوية في اليوم الواحد. هذه الغرامات سُددت كلّها بالعملة الخضراء التي أمّنها المستوردون من السوق الموازية، كون شركات الشحن الدولية لا تشترط مصدراً معيناً لسداد هذه المبالغ.

مجدي عشم صاحب شركة استيراد قال لـ«سي أن أن الاقتصادية»: «كلما وُجِدت الصعوبات كلما اخُترعت الحلول. الكثير من المستوردين اضطروا لشراء دولارات من المصريين العاملين في الخارج لدفع كامل قيمة الصفقة ثم جلب الحاويات لمصر من دون أن تمر الأموال بالمصارف المصرية. أما أنا فلجأت لشراء 40 ألف دولار من شركة تصدير فواكه من خلال تنازل من مالكها مقابل 10 في المئة زيادة على سعر الدولار لإتمام عملية الاستيراد الأخيرة قبل أن أغير نشاطي مؤقتا للتصدير لتوفير دولار محصل من عمليات استيراد».

تنشط خارج مصر شبكات موازية لتحويل الأموال حيث يقوم بعض العاملين في الخارج بتحويل الأموال لذويهم عبر أفراد دون مرور تلك المبالغ عبر الأجهزة المصرفية. ولجأ بعض المستوردين إلى هذه الحيلة للالتفاف على إجراء الاعتمادات المستندية وشح الدولار. هذه المناورة أدت إلى انخفاض تحويلات المصريين بالخارج في شهر يوليو/ تموز 2022 لتسجل 2.38 ملياري دولار مقابل 2.79 ملياري دولار خلال يوليو/ تموز من العام السابق.

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن في مؤتمر صحافي مطلع ديسمبر/ كانون الأول، أن «الدولة ستتمكن من إنهاء المشكلات الخاصة بالاعتمادات المستندية في خلال شهرين على الأقل”. وأكد أن الدولة تعمل بكل جهدها من أجل العودة إلى حال الاستقرار في ما قبل الأزمة.

وقالت أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة الدكتورة عالية المهدي لـ«سي أن أن الاقتصادي» «إن ما يحدث هو حيلة من الدولة لعدم قدرتها على توفير الدولار. أنه أمرٌ غير مريح لكل الأطراف. السوق متوقفة تماماً وكل هذا سيؤدي إلى توقعات سلبية في تقارير وكالات التصنيف الائتماني في ما بعد”.

وقامت وكالتا التصيف الائتماني «موديز» و«فيتش» بتعديل نظرتهما المستقبلية بخصوصالاقتصاد المصري إلى «سلبية» في مايو/ أيار ونوفمبر/ تشرين الثاني على التوالي.