بعد عدة أشهر قوية شهدها سوق العمل والاقتصاد الأميركي، يبدو أن كل شيء في طريقه إلى التباطؤ، بعدما أظهرت بياناتٌ بلوغ الوظائف الشاغرة أدنى مستوى لها منذ مايو آيار 2021.

وتكشف أحدث البيانات عن إمكانية نفاد حظ المستهلك، خاصة أن نشاط التوظيف معتدل، بينما انخفض النشاط التجاري، وتراجعت القطاعات الحساسة لسعر الفائدة، إضافة إلى معاناة قطاع الإسكان.

وتشكل المرونة الثابتة لسوق العمل الأميركي أحد أكبر مصادر التوتر في الاقتصاد اليوم، إذ قال مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» إن أرقام التوظيف ووتيرة زيادة الأجور بحاجة إلى التباطؤ قبل التغلب على معدلات التضخم الثابتة.

على مدار العام الماضي، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة من الصفر تقريباً إلى نطاق نحو 5 في المئة لتهدئة الاقتصاد، لكن أرقام الوظائف خالفت التوقعات السابقة للأشهر الأحد عشر الماضية، إذ تقترب البطالة حالياً من أدنى مستوياتها التاريخية.

هدوء سوق العمل

زادت الوظائف غير الزراعية بالولايات المتحدة في مارس آذار بنحو 236 ألف وظيفة، أكثر قليلاً من التوقعات، فيما قفزت الأجور 0.3 في المئة.

أضاف أصحاب العمل في الولايات المتحدة 236 ألف وظيفة فقط في مارس آذار، وهو ما يقل عن التوقعات ويشير إلى أن سوق العمل تهدأ وسط حملة رفع أسعار الفائدة التي يقوم بها «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» على مدار العام لتهدئة التضخم.

وفقاً لتقرير الوظائف لشهر مارس آذار الصادر يوم الجمعة، من قبل «مكتب إحصاءات العمل»، فإن معدل البطالة انخفض إلى 3.5 في المئة.

كان الاقتصاديون يتوقعون مكاسب صافية قدرها 239 ألف وظيفة في الشهر ومعدل بطالة يبلغ 3.6 في المئة، وفقاً لريفينيتيف.

كتب غريغوري داكو، كبير اقتصاديي «إرنست آند يونغ»، في مذكرة يوم الأربعاء «تشير أدلة سوق العمل الحديثة، إضافة إلى محادثاتنا مع مديري الأعمال، إلى تقليص جهود التوظيف بشكل ملحوظ في العديد من القطاعات؛ ما يعني أن قوائم الرواتب لشهر مارس آذار تأتي أقل بكثير من تقديرات الإجماع البالغة 240 ألفاً».

تُظهر المزيد من بيانات الوظائف الصادرة هذا الأسبوع أن التوظيف في القطاع الخاص ارتفع بنحو 145 ألف وظيفة في مارس آذار، وهو أقل من التوقعات البالغة 200 ألف، وتباطأ مقياس نمو الأجور على أساس سنوي إلى 6.9 في المئة من 7.2 في المئة.

كما أظهر تقرير مسح فرص العمل ودوران العمالة لشهر فبراير شباط أن فرص العمل الشاغرة انخفضت من 632 ألف إلى 9.93 مليون في فبراير شباط، من 10.56 مليون في يناير كانون الثاني، وذلك هو أدنى مستوى للوظائف الشاغرة منذ مايو آيار 2021.

يبدو أن قوة المستهلك الأميركي -التي قال الرئيس التنفيذي لـ«بنك أوف أميركا»، بريان موينيهان، إنها تدعم الاقتصاد الأميركي بمفرده- تتضاءل أيضاً، إذ تباطأ زخم الإنفاق في فبراير شباط، ويتوقع المحللون استمرار الانخفاض في مارس آذار.

تنشر وزارة الخزانة الأميركية بيانات يومية لاسترداد الضرائب، وقال كبير الاقتصاديين في «أبولو غلوبال مانجمنت» تورستن سلوك «إن مستوى استرداد الضرائب للأسر يخبرنا بمقدار الدعم المتاح لإنفاق المستهلكين».

وجاءت المبالغ المستردة من الضرائب في الأسابيع الأخيرة، بمعدل أقل مما كانت عليه في العامين الماضيين.

كتب داكو «شروط الائتمان تتشدد وسيؤدي الضغط الأخير على القطاع المصرفي إلى زيادة تفاقم التأثير، ما يؤدي إلى تباطؤ الإنفاق على الخدمات باهظة الثمن».

كانت مبيعات المنازل القائمة قد انخفضت بنسبة تجاوزت 20 في المئة خلال العام الماضي، وأظهر أحدث مسح للتصنيع من معهد إدارة الإنتاج الصناعي، تباطؤ الاستثمار في الأعمال التجارية.

أضاف داكو «الأوضاع الاقتصادية ليست جيدة، ومن غير المرجح أن تتحسن الأمور في الأشهر المقبلة».

التوترات الجيوسياسية واستقرار البنوك

على مدى السنوات القليلة الماضية، أدت العلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة والغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة العزلة المالية.

كتب «صندوق النقد الدولي» في تقرير جديد يوم الأربعاء أن هذه التوترات أدت إلى تباطؤ الاستثمارات الدولية وأضرت بأنظمة الدفع وأسعار الأصول، ما زعزع الاستقرار المالي العالمي.

يأتي ذلك في أعقاب انهيار بنك « سيليكون فالي» والأزمة المصرفية التي لحقته.

عكس تقرير «صندوق النقد الدولي»، المخاطر التي قد تواجه البنوك مجدداً من ديون وتكاليف التمويل، جراء فرض القيود المالية، وزيادة عدم اليقين، والتدفقات الاستثمارية الخارجية الناتجة عن تصاعد التوترات؛ ما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى رفع أسعار الفائدة على السندات الحكومية، وتقليل قيم أصول البنوك وزيادة تكاليف تمويلها.

في الوقت نفسه، تؤدي اضطرابات سلسلة التوريد وسوق السلع الأساسية إلى الإضرار بالنمو، وبالتالي، ارتفاع التضخم، ما يقلل من ربحية البنوك.

«وول مارت» والذكاء الاصطناعي

تعتزم «وول مارت» إبطاء وتيرة التوظيف في العام المقبل، والتركيز على تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لخدمة العملاء.

هذا الأسبوع، أعلنت شركة التجزئة في اجتماعها السنوي للمستثمرين، عن نيتها الاعتماد على الأتمتة لتحقيق هدفها المتمثل في إضافة أكثر من 130 مليار دولار، ما يمثل نحو 4 في المئة إلى المبيعات على مدى السنوات الخمس المقبلة.

قال الرئيس التنفيذي دوغ ماكميلون للمستثمرين يوم الأربعاء، «سنزيد أرباحنا ونحسن عائد الاستثمار، سينعكس ذلك في خطتنا الخمسية، نعتقد أنه يمكننا تحقيق زيادة في الأرباح ونمو بنحو 4 في المئة بمرور الوقت في شركة بهذا الحجم».

تخطط «وول مارت» أيضاً لإدراج الأتمتة في 65 في المئة من متاجرها بحلول عام 2026.

كما أعلنت أنها تتوقع أن تمر 55 في المئة من أحجام مراكز التنفيذ عبر مستودعات آلية في السنوات الثلاث المقبلة، الأمر الذي من شأنه أن يخفض أسعار التكلفة بنسبة 20 في المئة، إثر ذلك، أغلقت أسهم «وول مارت» يوم الأربعاء على ارتفاع بنسبة 1.7 في المئة.

كتبت- نيكول غودكايند (CNN)