ثبّت أعضاء مجموعة أوبك+ عبر إعلانهم عن خفض طوعي إضافي بإجمالي 1.66 مليون برميل يومياً، ما قال محللون إنه حد أدنى لسعر برميل النفط لا يقل عن 80 دولاراً، فضلاً عن اتخاذ ما يلزم لحماية مصالح التحالف وأعضائه وموقعه كضابط لاستقرار سوق النفط.

وارتفعت أسعار الخام في أعقاب القرار، ووصلت مكاسبها إلى ثمانية في المئة خلال معاملات الاثنين الذي سجّلت فيه أكبر زيادة يومية منذ نحو عام، متجاوزة الثمانين دولاراً للبرميل، بعد أن سجّل السعر في الشهر الماضي أكبر انخفاض له منذ 15 شهراً عندما بلغ 70 دولاراً.

«هذه الخطوة تأتي «من أوبك+ لحماية وجودها وأعضائها ومصالحهم أولا»

كامل عبد الله الحرمي

محلل نفطي

وقال محللون إن الخطوة المفاجئة، التي أُعلنت كقرار فردي طوعي من كل دولة قبيل اجتماع المجموعة، يسلّط الضوء على الاختلاف في الرؤى والتقديرات بين واشنطن والرياض بشأن ما يجب أن تكون عليه أسعار النفط، وبما يخدم خططهما الاقتصادية وفقاً لسياساتهما المرسومة للأعوام المقبلة.

واعتبر المحلل النفطي الكويتي كامل عبدالله الحرمي في حديث لـ«CNN الاقتصادية»، أن هذه الخطوة تأتي «من أوبك+ لحماية وجودها وأعضائها ومصالحهم أولاً».

وعلى الرغم من تأكيد وزير النفط السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وكبار مسؤولي «أوبك» عدم تسييس قرارات المنظمة، وأنها إنما تُتخذ وفقاً لمتطلبات استقرار السوق، فإن المحللين أوضحوا أن حماية كيان المنظمة يستوجب خطوات تحافظ على توازن السوق ومصالح الأعضاء بغض النظر عن ترجمتها السياسية.

وجاء في تقرير لوحدة النفط والسلع في «كابيتال ماركتس» للاستشارات المالية أن مثل هذا الخفض الكبير لم يكن متوقعاً قبيل اجتماع اللجنة الوزارية، لكنه لفت إلى أن القرار ظل خياراً سعودياً محتملاً كخطوة احترازية نتيجة لبواعث القلق من سياسة التشديد النقدي التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وحالة عدم التيقن المهيمنة على الأسواق العالمية.

وأضاف التقرير «على الرغم من أن هذه الخطوة قد تكون (بالنسبة للبعض) دليلاً إضافياً على التأثير المدمر لروسيا على المجموعة، لكنها تثبت أكثر أن العلاقة بين روسيا والرياض تكتيكية بحتة أكثر منها تلاقٍ في الأفكار».

وعلّق الكرملين على قرار الخفض، الذي لم ترحب به واشنطن، بالقول إن دعم أسعار النفط والمنتجات يصب في مصلحة صناعة الطاقة العالمية، وذلك بعد إعلان روسيا يوم الأحد أنها ستمدد خفضاً لإنتاجها النفطي بواقع 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية العام.

80 دولاراً للبرميل

رفع الإعلان الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ في مايو أيار ويستمر لنهاية 2023، إجمالي تخفيضات إنتاج «أوبك+» إلى 3.66 مليون برميل يومياً، وفقا لحسابات رويترز، بما يعادل 3.7 في المئة من الطلب العالمي.

«القرار يعطي إشارة إضافية على أن القيادة السعودية باتت تتخذ سياساتها المتعلقة بإنتاج النفط وفقاً لرؤية واضحة لمصالحها الاقتصادية في المستقبل»

«كابيتال ماركتس» الاستشارية

وقال الحرمي «مجموعة «أوبك+» تسعى إلى تثبيت حد أدنى لسعر برميل النفط لا يقل عن 80 دولاراً، وهي باتت قادرة على فعل ذلك دون أن تزعج حلفاءها من كبار المستوردين للنفط مثل الصين والهند الذين باتوا يشترون اليوم النفط الروسي بأسعار مخفضة».

وقالت «كابيتال ماركتس» في تقريرها إن هذا القرار «يعطي إشارة إضافية على أن القيادة السعودية باتت تتخذ سياساتها المتعلقة بإنتاج النفط وفقاً لرؤية واضحة لمصالحها الاقتصادية في المستقبل ووفقاً لما تستدعيه تطبيق مشاريع رؤية 2030»

وأبدى نيل أتكنسون، المحلل النفطي ورئيس وحدة النفط في وكالة الطاقة الدولية سابقاً، رأياً مماثلاً في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية».

وقال «السعودية، وكما حصل في أكتوبر السابق، أدركت أن الطلب على النفط سيكون أقل مما كانت تعتقد سابقاً، وهذا يعود في جزء منه إلى القلق حيال القطاع المصرفي العالمي والرفع المطرد لأسعار الفائدة».

وأضاف «إقرار الخفض الأخير يعد خطوة ذكية للغاية لضمان ألا تنخفض الأسعار تحت مستوى 80 دولاراً للبرميل. هذا هو المستوى المريح لهم».

احتياطي النفط الأميركي مهدد!

وصفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خطوة خفض الإنتاج بأنها «غير حكيمة».

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي «لا نعتقد أن التخفيضات محبذة في الوقت الحالي، نظراً لعدم التيقن بالسوق، وقد أوضحنا ذلك».

ومن شأن الخفض الأخير أن يعرقل المساعي الأميركية لإعادة ملء الاحتياطي الاستراتيجي كما ترغب الإدارة الأميركية بعد بيع نحو 180 مليون برميل العام الماضي في سحب قياسي.

وتستهدف الإدارة الأميركية الشراء من السوق لإعادة ملء المخزون بسعر عند نحو 70 دولاراً للبرميل.

ويبلغ احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي حالياً نحو 372 مليون برميل، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1983، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

«هذا المستوى للأسعار مؤقت بدوره، إنهم يختبرون السوق بهذه الخطوة وربما يهدفون لمستوى أسعار أعلى من ثمانين دولاراً في المرحلة المقبلة»

المحلل الحرمي

اختبار السوق لرفع الأسعار أكثر؟

لكن حتى هذا الخفض المفاجئ وارتفاع أسعار النفط الذي قد يترتب عليه ربما يكون مؤقتاً وليس الأخير، وفقاً للمحلل الحرمي.

وقال «هذا المستوى للأسعار مؤقت بدوره، إنهم يختبرون السوق بهذه الخطوة وربما يهدفون لمستوى أسعار أعلى من 80 دولاراً في المرحلة المقبلة».

وتابع «تهدف دول أوبك وحلفاؤها إلى استقرار السوق وسعر النفط عند 80 دولاراً، وبعدها سيمضون قدماً في التخطيط للخطوة المقبلة وفق متطلباتهم الاقتصادية».

وتوقع «جي بي مورغان» أن يصل سعر برميل النفط إلى 96 دولاراً مع نهاية العام، في حين رفع «غولدمان ساكس» توقعاته للأسعار لعام 2023 لتصل إلى 95 دولاراً وفي عام 2024 إلى 100 دولار.

وتجتمع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لتحالف «أوبك+» مجدداً في الرابع من يونيو حزيران المقبل لتقييم وضع السوق حينها.