من المعاملات الغامضة إلى عمليات الاختلاس وإجراءات التدقيق المزورة وسوء الإدارة، يبدو الفساد في قطاع النفط في فنزويلا أشبه بوحش التهم مليارات الدولارات خلال السنوات العشرين الماضية.

ويتعلق الأمر في هذه القضية بمبالغ هائلة، فقد سُرقت 17 مليار دولار من خزائن شركة النفط الفنزويلية العملاقة «بتروليوس دي فنزويلا» (بيديفيسا)، وفقاً للمنظمة غير الحكومية «ترانسبارينسيا فنزويلا».

ويبدو أن المسؤولين استغلوا العقوبات الأميركية والحظر النفطي لتنظيم مبيعات للنفط الخام في السوق السوداء مستخدمين عملة مشفرة.

واعتقل نحو ستين شخصاً، بينهم طارق العيسمي وهو شخصية سياسية فنزويلية تعد قريبة من الرئيس نيكولاس مادورو، وكذلك من سلفه هوغو تشافيز، الذي تقلد منصب الرئيس من 1999 إلى مماته في 2013.

فساد ذلك القطاع ليس جديداً، فرافائيل راميريز وزير النفط الأسبق (2002-2014) هارب أيضاً في إيطاليا ومتهم بالفساد خلال ولايته، بينما اعتقل مسؤولان سابقان هما أولوجيو ديل بينو ونلسون مارتينيز.

ومنذ 2017 فُتح 31 تحقيقاً على الأقل أدت إلى اعتقال أكثر من 300 شخص، وبلغت الخسارة عشرات المليارات من الدولارات.

وقالت مديرة منظمة «ترانسبارينسيا» مرسيدس دي فريتاس لوكالة فرانس برس «لسوء الحظ، كانت شركة النفط الوطنية الفنزويلية لفترة طويلة أم الفساد لأنها كانت الكيان الوحيد في البلاد الذي يدر عملات أجنبية».

بؤرة الفساد الحقيقية

وبعد الصومال، تحتل فنزويلا المركز الثاني في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية الصادر عن عام 2023، وهو مؤشر يقيس مستويات الفساد المتوقعة في القطاع العام بكل دولة.

فالفساد مستشر فيها في كل مكان، من رجال الشرطة وموظفي الخدمة المدنية الذين يطلبون بانتظام مبالغ صغيرة للتعويض عن رواتبهم الضئيلة، إلى غموض السلطة، بما في ذلك الشركات الضخمة حيث تنتشر المحسوبية والمناقصات المزورة.

أما داخل شركة النفط الوطنية، فيقول الموظفون إن الفساد منتشر على جميع المستويات، من سرقة أجهزة التلفزيون والكمبيوتر وحتى المصابيح الكهربائية إلى الاستخدام الخاص لآليات الشركة واختلاس أموال.

ويتذكر موظف سابق طلب عدم ذكر اسمه، الهدر خلال إدارة راميريز، مشيراً إلى أن الشركة استأجرت 60 غرفة في ثلاثة فنادق مختلفة «لأسباب أمنية» لرحلات رئيس مجلس إدارتها لكنه لم يشغل سوى 20 غرفة في نهاية المطاف.

وخُنق الحديث عن الفساد داخل الشركة لسنوات وسُجن عدد كبير من العمال والنقابيين الذين تجرؤوا على كشفه.

وقالت منظمة الشفافية الفنزويلية إنه تم اختلاس 17 مليار دولار على الأقل بين عامي 2020 ومارس آذار 2023، وأوضحت دي فريتاس أن هذا المبلغ يعادل ثلاثة أضعاف ما هو مطلوب لإنهاء مشاكل الكهرباء المزمنة في البلاد.

وقالت إن هذه «الأموال ضاعت عملياً وفرص استعادتها ضئيلة جداً».

واعترف الرئيس مادورو بنفسه بأنه لم تتم استعادة سوى «جزء من الأموال المسروقة» وبأن «الجزء الأكبر» ما زال مفقوداً.

واقترح مادورو، الذي سيسعى للفوز بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 يوليو تموز، تعديل الدستور لزيادة الحد الأقصى لعقوبة السجن في قضايا الفساد الكبرى من 30 عاماً إلى المؤبد.

وقال بعد اعتقال طارق العيسمي «يجب أن نكون صارمين أياً كان المتورطون».

ويؤكد وزير النفط بيدرو تيليشيا رئيس مجلس إدارة «بيديفيسا» منذ يناير كانون الثاني 2023، أن أحد «أعمدة» إدارته سيكون «تطهير» هذا القطاع الصناعي الذي يشكل بؤرة فساد حقيقية.

وقد أطلق نحو 300 عملية تدقيق منذ بداية العام، وقال «لا نطلب المال» من الموردين والمقاولين من الباطن المحتملين، وأضاف أنه من الآن فصاعداً «سيتم إحالة أي خلل يمكن أن نجده في عملية التدقيق، إلى المدعي العام مباشرة»، لكنه اعترف بأن «الطريق لا يزال طويلاً».

وتولى طارق العيسمي الوزارة في 2020 بالمهمة نفسها وهي «إعادة هيكلة» شركة النفط الفنزويلية وتطهيرها بعد الاتهامات التي وجهت إلى رافائيل راميريز.

وبعد أربع سنوات، اعتقلته السلطات الفنزويلية ودخل إلى السجن.