مع تزايد الأزمات التي يعاني منها الكوكب، بدأت مرحلة التفكير في حلول غير تقليدية لتفاديها، ولعل الزراعة في الفضاء خير مثال على ذلك، فمع تفاقم أزمة التغير المناخي، لتهدد المدن بالغرق والقضاء على أهم اقتصادات العالم، أصبح مستقبل الغذاء أيضاً على المحك، علماً بأن عدد الجياع في العالم يتزايد يوماً تلو الآخر.

تسببت سرعة التغير المناخي في تدهور حال النباتات الصالحة للأكل، وعلى الرغم من قدرتها على التكيف في البيئات الصعبة مثل تحملها الجفاف أو مقاومتها للأمراض، فإن مناخ الأرض أصبح يتغير بوتيرة أسرع من قدرتها على التحمل.

كما تأثرت الزراعة أيضاً بأزمة المناخ نظراً لارتفاع درجات الحرارة المستمر وتغير أنماط هطول الأمطار، ما شكّل تحدياً بالنسبة لها، ودفع العلماء إلى التفكير في حل لتفادي تفاقم أزمة الغذاء، وكان الأمر جلياً من خلال تجربة الزراعة في الفضاء.

كيف تمكن الزراعة في الفضاء؟

بدأت رحلة الزراعة في الفضاء بإرسال المختبرات المشتركة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» بعض البذور في رحلة إلى محطة الفضاء الدولية؛ بهدف إحداث طفرات جينية في البذور من خلال التعرض للإشعاع الكوني والجاذبية الصغرى، والتي يمكن أن تساعد في تطوير محاصيل مرنة قادرة على الازدهار في مواجهة أزمة المناخ.

سكوت كيلي يحصد زهور الزينيا المزروعة في الفضاء.

قضت بذور الذرة الرفيعة ونوع من حب الرشاد يسمى «أرابيدوبسيس» عدة أشهر خلال عام 2022 في محطة الفضاء الدولية، قبل إعادتهما إلى الأرض في أبريل نيسان لتحليلهما، وتحديد السمات الإيجابية فيهما، وكيف يمكن لهذه العملية أن توفر محاصيل قابلة للأكل تكون أكثر مقاومة للمناخ على الأرض.

الزراعة في الفضاء
بذور الذرة الرفيعة.

يوفر الفضاء بيئة أوسع من الإشعاع والظواهر المتطرفة الإضافية مثل الجاذبية الصغرى وتقلبات درجات الحرارة، ما يعزز من قدرتها على إحداث تغييرات جينية تختلف عن تلك التي تلاحظها مصادر الإشعاع الأرضي أو تحدث بشكل أسرع بكثير.

هل هذه البداية حقاً؟

لم تكن حبوب الذرة الرفيعة بداية رحلة الزراعة في الفضاء، ففي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أرسلت وكالة الفضاء اليابانية عدداً من البذور إلى محطة الفضاء الدولية كجزء من تجربة بذور الفضاء.

«أرابيدوبسيس ثاليانا» من عائلة حَب الرشاد ينمو في مختبر «كيبو» في محطة الفضاء الدولية عام 2009.

وكان رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية نجحوا في زراعة محاصيل صغيرة من الخضر الورقية داخل غرف مغلقة باستخدام الأضواء الاصطناعية.

رائدة الفضاء الأميركية جيسيكا مير تقطع الأوراق التي تنمو في الجاذبية الصغرى.

وفي عام 2021 حطم رواد الفضاء الرقم القياسي لإطعام معظم الناس من محصول يُزرع في الفضاء، إذ نمت أربعة نباتات فلفل لمدة 137 يوماً على متن محطة الفضاء الدولية -وهي أطول تجربة نباتية في تاريخ المحطة الفضائية- أطعمت أفراد الطاقم بنحو 26 حبة فلفل حار.

أطول تجربة نباتية في تاريخ المحطة الفضائية.

واعتاد العلماء إرسال البذور لاختبار الزراعة في الفضاء، إذ تستخدم الصين الإشعاع الفضائي للحث على حدوث طفرة جينية في المحاصيل منذ الثمانينيات.

رائد فضاء وكالة الفضاء الأوروبية ألكسندر غيرست يحمل بذور «حارس الأرض» على متن محطة الفضاء الدولية عام 2018.

ومن المنتظر أن تسهم الزراعة في الفضاء في دعم مبادئ الاستدامة، وحل مشكلات تغير المناخ، وضمان الأمن الغذائي.

رائدة الفضاء الأميركية جيسيكا مير تقطع الأوراق التي تنمو في الجاذبية الصغرى.